كشف الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية، عن النتائج التي أسفرت عن وضع مصرف البحرين المركزي، فرع "بنك المستقبل الإيراني" تحت إدارته، حيث تبين أن هذا البنك كان بمثابة مركز لتمويل الإرهاب وأنه قام بغسل مبلغ 4.7 مليار دولار عبر رسائل سويفت، كما غسل مبلغ 2.7 مليار دولار بطريقة قديمة تتمثل في إرسال الرسائل بين البنوك باستخدام شفرات تستخدم لمرة واحدة وكان التسليم يتم يدويا، كما بلغ مجموع كل تلك الأموال المخالفة التي تم اكتشافها حوالي 9 مليارات دولار، وأن بعض هذه الأموال كانت تصل إلى منفذي الأعمال الإرهابية والمشاركين بها.

جاء ذلك في سياق الكلمة التي ألقاها الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة خلال افتتاح ورشة عمل متخصصة لبناء القدرات في مملكة البحرين حول حماية القطاع غير الربحي من الاستغلال الإرهابي، وتعقد لمدة يومين، بالديوان العام لوزارة الخارجية، وذلك بالشراكة مع اللجنة الوطنية لمتابعة التزام مملكة البحرين بكافة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، ولجنة وضع سياسات حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وبالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.

وأكد الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، أن البحرين بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، تبذل جهوداً رائدة وحثيثة في سبيل مكافحة الإرهاب وتمويله، حيث تتبنى استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب تتسم بتكامل الأبعاد والاستباقية والفعالية تدمج البعد الأمني مع مسارات النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة والبشرية فضلاً عن تكريس التعايش وتعزيز دولة القانون في إطار عملية إصلاح مستمرة ومتطورة.

وقال وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية: "إن الورشة تأتي ضمن سلسلة من ورش العمل التي نسعى من خلالها لإيجاد مساحة مشتركة وشراكة نوعية بهدف بناء القدرات والمهارات وتبادل الأفكار والرؤى حول أفضل الممارسات والسبل الكفيلة لتعزيز جهودنا الرامية إلى مواجهة خطر الإرهاب وتمويله والإسهام في حماية أمننا المستدام وقيمنا الإنسانية".

كما أوضح الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة أنه "إذا كان الإرهاب بمختلف أشكاله ومظاهره يشكل واحداً من أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين، فإن المال هو شريان الحياة للإرهاب، ومن أبرز روافده استغلال المنظمات غير الحكومية والقطاعات غير الربحية والخيرية جنباً إلى جنب مع أشكال أخرى للجريمة المنظمة كغسل الأموال والمخدرات وتجارة السلاح والاتجار بالأشخاص وغيرها".

وأضاف وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية: "إنه على الرغم من الإجراءات والتدابير الاحترازية التي اتخذتها معظم دول العالم لتجفيف منابع تمويل الإرهاب، فإن التنظيمات الإرهابية تمكنت في أغلب الأحيان من تأمين احتياجاتها المالية بطرق غير شرعية".

ونوه الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة إلى أن هذه الصورة تبدو جلية في منطقة الشرق الأوسط خاصة مع قيام دول كإيران وقطر برعاية التنظيمات الإرهابية المسلحة وتتعهدها بالنشأة والتمويل وتوفير الملاذات الآمنة.

كما أفاد وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية بأن معركة المجتمع الدولي ضد الإرهاب انطلقت منذ عام 1934 عندما ناقشت عصبة الأمم مشروع اتفاقية لمنع ومعاقبة الإرهابيين، وكذلك وضعت الأمم المتحدة في عام 1963 اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب، وكانت نهاية الألفية الأولى حاسمة في إدراك العالم علاقة الارتباط الوثيق بين تمويل الإرهاب وقدرة جماعات الإرهاب على البقاء والتمدد، ولذا صاغت الأمم المتحدة "الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب" عام 1999، واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة استراتيجية لمكافحة الإرهاب في سبتمبر 2006، كما تم إنشاء "مجموعة العمل المالي الدولي" FATF في عام 1989 من أجل تنفيذ التدابير القانونية اللازمة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب باعتبار قضية تجفيف منابع تمويل الإرهاب هي المرتكز الرئيس الذي تنطلق منه أي استراتيجية لمكافحة الإرهاب.

وبين الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة أن الأطر القانونية لمكافحة تمويل الإرهاب في مملكة البحرين ترتكز على العديد من التشريعات والقوانين أبرزها القانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتعديلاته اللاحقة، وكذلك القانون رقم (7) لسنة 2017 بالتصديق على الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها من التشريعات الناجزة، أما على الصعيد الخارجي فإن مملكة البحرين تشارك بفعالية في التصدي للإرهاب عابر للحدود من خلال المشاركة في التحالفات الدولية والإقليمية، فضلاً عن استضافة المملكة المؤتمر الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب عام 2014.

وقال وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية: "إنه بصفتي رئيساً للجنة الوطنية لمتابعة التزام مملكة البحرين بكافة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي فقد سعينا إلى متابعة تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن المجلس وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب والتنسيق مع الجهات المعنية بالمملكة بهذا الشأن واتخاذ كل ما يلزم لمنع تمويل الإرهاب في إطار شراكتنا الحيوية مع المنظمة الدولية وإيماناً بالدور المسؤول الذي تلعبه في التوصل إلى عالم أكثر استقراراً ورفاهية".

كما شدد الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، على أن مملكة البحرين سوف تظل تسهم بفعالية وحزم في مكافحة التطرف والإرهاب بجميع أشكاله وتجفيف مصادر تمويله من خلال الامتثال بالالتزامات الدولية المقررة ومشاركتها الفعالة في الترتيبات الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة تمويل الإرهاب بما فيها الإطار المعياري الذي أرساه مجلس الأمن من خلال سلسلة من القرارات المهمة يواكبها مراجعة دورية لآليات عمل المؤسسات غير الربحية والخيرية، مؤكداً أن إجراء تقييم موضوعي ودقيق مستدام في قطاع المنظمات غير الربحية ووضع الضوابط الوقائية من أجل سد الثغرات لتفادي أية استغلال لتلك المنظمات كغطاء لتمويل الإرهاب لا يعني تعطيل أنشطة المجتمع المدني الخيرية المشروعة والتي نقدر دورها وأهدافها.

من جانبه، أشاد عبدالرحمن الباكر، المدير التنفيذي لرقابة المؤسسات المالية بمصرف البحرين المركزي، بالتعاون القائم بين وزارة الخارجية ومصرف البحرين المركزي في العديد من المجالات وأهمها القضايا ذات الصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتطبيق المعايير الدولية وعلى رأسها معايير مجموعة العمل المالي (فاتف)، متطلعاً إلى استفادة جميع المشاركين من هذه الورشة المهمة والبناء على نتائجها وتنفيذ التوصيات الصادرة عنها.

وأفاد أمين الشرقاوي المنسق المقيم لأنشطة الأمم المتحدة في مملكة البحرين، بأن الإرهاب وتمويله يشكل عقبةً حقيقية وتحدياً كبيراً يعرقل من جهود التنمية المستدامة وأهدافها السبعة عشر، حيث أن الأمم المتحدة تعمل مع الحكومات والمجتمعات المحلية على تنفيذ هذه الأهداف، لما تشتمل عليه من خطوط عمل وحلول دائمة تحول دون الصراع والعنف وانعدام الأمن والتطرف العنيف والإرهاب الذي تعود نتائجه وخيمةً ليس على اقتصاد هذه الدول وحسب بل على الاقتصاد العالمي بأسره.

كما أثنى على دور المملكة العربية السعودية الشقيقة في تمويل مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أن هذه الورشة التي ينظمها مكتب الأمم المتحدة في مملكة البحرين بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، بإستضافة كريمة من وزارة الخارجية البحرينية؛ تأتي نتاجاً من نتائج هذا التمويل، مؤكداً أن النجاحات تأتي بالشراكات فكما أن التنمية المستدامة والشاملة غير ممكنة من دون التعاون فإنّ مكافحة جميع أشكال وتحديات الإرهاب غير ممكنة دون اتحاد المجتمع الدولي فهو كما يقول عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس (قضية واحدة.. يلتفّ حولها المجتمع الدوليّ بأكمله).