أكدت مؤسسة جمعية اوتيزم-مينا (أمينا) في الأردن، والمستشارة في اضطراب طيف التوحد الخبيرة في مجال التعليم الدامج والشمول المجتمعي جيمان عماري أن التوحد ليس مرضاً بل اضطراب يستلزم الوعي بكيفية التعامل معه. وبينت أن الأطفال المرضى يتطورون بالحب معتبرة أن التواصل الإيجابي بداية العلاج.
وأوضحت عماري أن الآيباد وقنوات التلفزيون لا يسببان التوحد، مشيرة إلى أن ستة أشهر من المراقبة والمتابعة كفيلة باكتشاف الاضطراب.
ولفتت إلى أن العلاج المعرفي والسلوكي مفتاح التغيير الحقيقي.
انطلقت فكرة إنشاء مؤسسة التوحد (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) من الناشطة الاجتماعية جيمان عماري، وهي أم أردنية لثلاثة أطفال، عندما لاحظت عدم تمكن ابنها هاشم البالغ من العمر 18 شهراً من الكلام والتواصل مع الآخرين، حيث كافحت للحصول على مساعدة من أطباء ومختصين في هذا المجال في الأردن وفي دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر دولة متقدمة في علاج حالات التوحد.
تلك المعاناة، دعتها للتفكير إلى ترك عائلتها ومغادرة الأردن متجهة إلى الولايات المتحدة مع ابنها، حيث حصلت هناك على التشخيص السليم وخطة واضحة لرعاية ابنها، ما اضطرها للإقامة هناك مدة ثلاث سنوات متتالية من أجل ضمان مستقبل مشرق لابنها، رغم ضخامة التكاليف العاطفية والمالية. اليوم هاشم في السنة السادسة من عمره. عاد إلى الأردن والتحق بالصف الأول في مدرسة منتظمة مع شقيقه التوأم.
وتهدف مؤسسة التوحد إلى إنشاء مجموعة متكاملة من الخدمات، ومنها تحديداً مساعدة الأسر العربية من خلال رفع المستوى المعرفي لديهم في التعامل مع أطفالهم المصابين بحالة اضطراب التوحد، وضمان خلق نظام داعم قوي للأسر من خلال توفير المهنيين المدربين تدريباً محلياً ومن لديهم وعي ببنية الأسرة وقيمها الثقافية.
تقول جيمان عماري "هدفت إلى بناء مؤسسة إقليمية عالمية المستوى بهدف لدعم الأطفال المصابين بالتوحد وأسرهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال البدء بتنفيذ برنامج نموذجي في بلد ما وتكراره في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والتركيز على تدريب واعتماد المهنيين وغير المهنيين المحليين في التعليم والعلاجات".
وعن ماهية التوحد، توضح عماري "إنه ليس مرضاً ولم تثبت علمياً أسبابه، إنما هناك فرضيات قادمة من بحوث ودراسات في جميع أنحاء العالم، لذلك لا نستطيع إطلاق مسمى توحدي أو مرضى التوحد أو مصابين بالتوحد وإنما نطلق على الطفل أنه مصاب باضطراب طيف التوحد، أو ذوي التوحد لأن التوحد ليس مرضاً".
التشخيص بالمراقبة
وتضيف عماري "بالنسبة لتشخيص حالة الطفل فتتم من طبيب أعصاب وطبيب أطفال وطبيب نفسي، هؤلاء يستطيعون تشخيص الطفل إذا كان اضطرابه توحداً أم توحداً وأمور أخرى مثل كهرباء، وقبل عمر ثلاث سنوات لا يمكن تشخيص الطفل رسمياً، لكن الأم تعرف أن الطفل غير طبيعي في أشهره الأولى، فإن أحست الأم بشيء غير طبيعي عليها أخذ الذهاب إلى طبيب الأطفال. وأقول لها لا تسمعي الأهل ماذا يقولون، فأنا اختصاصية وأعرف أن الأهل سيقولون إن أباه كان في نفس الحال أو عمه أو خاله، وأن هذا أمر طبيعي، لا هذا كلام غير منطقي، إذا لاحظت أنه لا يستطيع إمساك شيء علميه، تحدثي معه دائماً، لا تتركيه لوحده أبداً. في حال ظهرت أعراض التوحد على طفلك، يمكن التوجه إلى طبيب اختصاصي في علاج التوحد، الذي يقوم بالتعاون مع طاقم من المختصين الآخرين، بتقييم دقيق للاضطراب بعد ثلاث سنوات من عمر الطفل".
وتوضح "بعد التشخيص ننتقل إلى التقييم من فريق كامل. يقيمون الطفل بأكثر من منطقة، اختصاصي نطق، وتقييم العلاج الوظيفي بالنسبة للعضلات، واختصاصي التربية الخاصة. وبعد نتائج جميع الفحوصات يضع الاحتصاصي أو الطبيب المعالج خطة لعلاج الطفل ومتابعة نموه وتطويره، وعلى الأم ألا تقبل التشخيص من أي أحد غير مختص".
وعن الأعراض، تقول عماري "رغم اختلاف خطورة وأعراض التوحد من حالة إلى أخرى، فإن جميع اضطرابات التوحد تؤثر في قدرة الطفل على الاتصال مع المحيطين به وتطوير علاقات متبادلة معهم، فلا يكثر من الاتصال البصري المباشر، ويفقد القدرة على قول كلمات أو جمل كان يعرفها في السابق، وكذلك القدرة على التعبير عن نفسه أو عن جوعه أو ملله أو عن مشاعره، يتحدث بصوت غريب أو بنبرات وإيقاعات مختلفة، ينفذ حركات متكررة مثل الهزاز والدوران في دوائر أو التلويح باليدين، شديد الحساسية للضوء، للصوت أو للمس، لكنه غير قادر على الإحساس بالألم فيمكن أن يؤذي نفسه من غير قصد".
لا علاج واحد
وبخصوص العلاج توضح عماري "لا يتوفر حتى يومنا هذا علاج واحد ملائم لكل الأطفال ذوي التوحد، فتشكيلة العلاجات المتاحة لمرضى التوحد التي يمكن اعتمادها في البيت أو المدرسة متنوعة ومتعددة جداً، ويجب علينا في العلاج المعرفي والسلوكي أو في برنامج علاج اضطراب التوحد التفريد وعدم التعميم، لأن كل طفل بحاجة إلى تشخيص مختلف عن الآخر وله برنامج للعلاج يختلف عن أقرانه، لأن لكل طفل ظروفه الخاصة والفريق الداعم له يختلف عن الآخر، ورغم عدم وجود علاج لمرض التوحد حتى الآن، فإن العلاج المكثف والمبكر، قدر الإمكان، يمكنه أن يحدث تغييراً ملحوظاً وجدياً في حياة الأطفال".
وتضيف "بالنسبة للحمية الغذائية، هناك تصور خاطئ من قبل الأهل وبعض الاختصاصيين للحمية الغذائية للطفل ذي التوحد في مجتمعنا. يقال إن الطفل الذي يتبع حمية غذائية معينة يتعافى من التوحد، وهذا تصور خاطئ، وأنا أقولها بصراحة وهذا ليس يأساً، إن الطفل من ذوي التوحد لا يتعافى منه وسيظل طول عمره شخصاً من ذوي اضطراب توحد، ولا يوجد علاج لمدة 3-6 أشهر يكون بعده الطفل طبيعياً، هذا أمر مستحيل، لكن بالتأكيد هناك أمل ويوجد تطور لسلوك الطفل للأفضل، وتقدم في القدرات، وزيادة في التفاعل الاجتماعي، وهناك طرق لزيادة التركيز، ولكن لا يوجد علاج لأشهر، فهذه جميعها خرافات ولا بد للأمهات أن يكن واعيات. الموضوع ليس موضوع أشهر أو مبالغ طائلة، الطريق طويلة وتحتاج إلى صبر وتفاؤل. ونصيحة للأمهات أهم شيء أن يكون أساس التشخيص والعلاج صحيحاً، لأن الفرد حين يريد أن يبني بيتاً لا بد أن يكون أساسه قوياً وصحيحاً، الأساسات مهمة جداً، والطفل ذو التوحد هو كالنبات الذي لا ينمو، ولكي نسرع من عملية نموها لا بد أن نحسن البيئة المحيطة بها، نغير موقعها ونزيد السماد، بحيث نزيد أمل تطويرها ونموها. أما بالنسبة للحمية الغذائية فإذا اشتغلنا عليها بشكل صحيح بمتابعة اختصاصي باطني فستنظف المعدة من الفطريات لفترة طويلة، فيصبح الاستيعاب والتركيز أفضل".
تصورات خاطئة
وعن العادات والمفاهيم الخاطئة المحيطة بموضوع التوحد تقول عماري "هناك عادات ومفاهيم خاطئة كثيرة، فالحمية خاطئة، وقنوات أغاني الأطفال لا تسبب التوحد، وإذا كانت الأم تدخن الشيشة أو السجائر فهذا لا يسبب التوحد، مع الإشارة إلى الضرر الكبير للتدخين طبعاً، والآيباد لا يسبب التوحد، والتوحد ليس وراثة أيضاً".
وتضيف "للاختصاصيين دورهم في تقدم الطفل من ذوي التوحد وتطويره بنسبة 20% فقط، لأن تقدم الطفل لا يرتبط باختصاصي أو مركز أو مال، 80% من تقدم الطفل مرتبط بالأهل، وليس فقط الأم والأب، بل كل العائلة المحيطة بالطفل. لا بد للجميع أن يتقبلوا الطفل، مفتاح الولد الأم والأب والعائلة كلها، الأولاد يتطورون بالحب. نحن كاختصاصيين يجب علينا تمكين الأمهات بالتوعية، والتدريب عن كيفية التعامل والعمل مع أطفالهم في البيت بعد المركز".
وتتابع "أسوأ شيء يمكن عمله هو أخذ الطفل من بيئته وبيته ووضعه في مركز، فالطفل يظل في بيته مع عائلته وفي حضن أمه وبين إخوانه وأهله، ويجب أن يكون له برنامج متكامل بالتعاون من الاختصاصية في المركز، ولا بد للأم والأب أن يتبعا البرنامج بحذافيره من غير أي نقصان أو زيادة، فعلى سبيل المثال إذا كان الطفل من ذوي التوحد يأكل على الطاولة بالملعقة فيجب أن يأكل في البيت على الطاولة وبالملعقة وهكذا، ولا يمكن أن يكون هناك اختلاف لأن الطفل يرفض هذا النوع من الاختلاف ويعشق الروتين ويحب النظام، ومع مرور الوقت يرفض أن يتعلم، فالاختصاصيون يخبرون الأم عن عادات ولدها في المركز لتفعل معه في المنزل الشيء نفسه. ونصيحة خصصوا في البيت مساحة متر × متر للطفل ذي التوحد لكي يعرف أن هذا الجزء مخصص للعب أو الكتابة على الجدار أو للأكل ..الخ.
وعن طريقة تعليم الطفل ذي التوحد، تقول عماري "هناك أولويات على الطفل معرفتها قبل القراءة والكتابة، فإن لم يعرف كيف يكتب سيستخدم اللابتوب، لكن يجب أن يعرف المشي في الشارع بمفرده ويعرف كيف يتعامل مع المال، ويسبح في الحمام لوحده، كما يجب أن يعرف يقول لا ويوقف الناس عند حدهم في حين تجاوزهم، هذه الأمور أهم بكثير من أن يعرف الطفل كيف يعد الأرقام من 1 إلى 10، لا بد أن نكون واقعيين، هذه الأولويات يجب أن يتعلمها ويعرفها الطفل من عمر صغير قبل البلوغ، فلا نستطيع تعليمه في عمر 11 سنة أو أكبر".
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}
هدى حسين