افتتح مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث ودولة الإمارات العربية المتحدة "نُزُل السلام" في مدينة المحرّق، أحد مشاريع استعادة المباني التراثية الذي تدعمه دولة الإمارات ضمن مشروع ثقافي مشترك يهدف إلى إعادة إحياء بيت "فتح الله" التراثي، بالإضافة لتشييد "الركن الأخضر"، بعد ترميم البيت وخضوعه لأعمال إعادة تصميم داخلي في إطار الاتفاقية الموقعة لتوثيق علاقات التعاون الثقافي بين دولة الإمارات ومملكة البحرين للحفاظ على الإرث التاريخي المشترك للبلدين.

وشارك في افتتاح "نُزُل السلام" وفد إماراتي برئاسة نورة الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتيّة، ومجلس أمناء المركز برئاسة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، والشيخ سلطان بن حمدان بن زايد آل نهيان سفير دولة الإمارات لدى مملكة البحرين، وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي وأصدقاء مركز الشيخ إبراهيم والإعلاميين.

ويفتح نزُل السلام هو بيت "فتح الله" فناءه ومساحاته لاستقبال زوّار مسار اللّؤلؤ في المحرّق والمُدرَج على قائمة التّراث الإنسانيّ العالميّ وذلك كأوّل فندقٍ يقع ضمن هذا السّياق.

ومشروع ترميم وتأهيل بيت فتح الله سيكون مقصداً لزوّار المسار والمدينة التّاريخيّة، وأحد مواقع مركز الشيخ إبراهيم.

ويعكس "نُزُل السلام" أصالة الطراز المعماري الفريد لمملكة البحرين، وسيتيح لزواره فرصة الاطلاع على العديد من العناصر الأساسية التي تميز تصميم البيوت البحرينية التقليدية الممزوجة بلمسات عصرية. ويزين غرف نزل السلام أقوال مأثورة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وشكرت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة باسم مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم "دولة الإمارات العربية المتّحدة الشقيقة، وخصوصاً نورة الكعبي المؤمنة بأهمية دعم الحراك الثقافي الأهلي ودوره في الارتقاء بالمجتمعات"، متمنيةً لدولة الإمارات شعباً وقيادةً كل التقدّم والازدهار.

كما عبّرت عن سعادتها "بعودة الحياة إلى بيت فتح الله الذي كان منذ عام 1947م علامة مميّزة في المحرّق ويعود ليكون مكان استراحة للسائح الذي يأتي إلى زيارة طريق اللؤلؤ المدرج على لائحة التراث الإنساني العالمي، فيكتشف جمال العمارة البحرينيّة".

وخلال حفل الافتتاح، ألقت نورة بنت محمد الكعبي كلمة عبّرت خلالها عن الاعتزاز بالعلاقات الأخوية المتجذرة مع البحرين قائلة: "نحتفي هذا العام في دولة الإمارات بعام التسامح، وليس أجمل من أن تقترن قيمة التسامح بقيمة السلام، نحتفل اليوم بافتتاح"نزل السلام"، أول نزل يتم ترميمه ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺮق اﻟﻘﺪﻳمة وأول فندق يقع على مسار اللؤلؤة، ليستعيد هذا البيت التراثي مجده ويستقبل زواره ويقدم لهم تجربة استثنائية تهتم بتفاصيل الحياة البحرينية وتوقظ في قلوبهم الحنين إلى الماضي."

وأضافت "إن اهتمام والتزام دولة الإمارات بمساندة مشاريع إحياء التراث والحفاظ على الموروث الثقافي في الدولة الشقيقة والصديقة في منطقتنا العربية وحول العالم، هو إرث نحمله في قلوبنا وعقولنا أورثنا إياه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ونسعى من خلال التعاون مع المؤسسات الثقافية المرموقة كمركز الشيخ إبراهيم لأن نكون أوفياء لهذا الإرث والعمل على توسيع نطاقه وتطوير رؤيته".

وأشارت إلى أن نزل السلام يحتضن إرثاً ثقافياً وحضارياً غنياً يشهد على عراقة منطقة المحرق ودورها في مسيرة الثقافة الإنسانية على مر العصور الماضية، مؤكدة أن هذه المواقع ستتحول إﻟﻰ ﻣﻨﺼﺎت للترويج للثقافة والفن الخليجي والعالمي من خلال إقامة ندوات ومهرجانات تساهم في صون الثقافة الخليجية وتحفظها لأجيال المستقبل.

وأوضحت وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة أن البيوت التراثية تبوح بحكايات الماضي، وتبعث الأمل وتعيد الحياة لمنازل طالما كانت شاهدة على حياة عائلات تركت بصمتها في مجالات تجارة اللؤلؤ، والشعر، والموسيقى، والصحافة وغيرها.

ويأتي هذا المشروع كأولى ثمار عدد من الاتفاقيات التي تم توقيعها العام الماضي خلال اجتماع اللجنة العليا المشتركة لدولة الإمارات ومركز الشيخ إبراهيم، والتي كان من بين بنودها التوقيع على مذكرة تفاهم بين مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بمملكة البحرين، ووزارة الثقافة وتنمية المعرفة في دولة الإمارات للاحتفاء بمئوية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، واختيار مدينة المحرق عاصمة للثقافة الإسلامية. يجسد هذا المشروع العلاقات الإماراتية البحرينية المميزة، وحرص البلدين على الحفاظ على الإرث التاريخي والأصول الثقافية والحضارية في ظل خصوصية العلاقات الثنائية القائمة على روابط راسخة وتاريخ مشترك، مع وحدة المصالح والتعاون البناء لما فيه خير الإنسانية.

وتولى التصميم الداخلي للنزل أستوديو عمار بشير للإبداع الفني، المكون من فريق بحريني شاب يرأسهم المصمم البحريني عمار بشير الذي حمل على مدى الاعوام الماضية على عاتقه تعزيز الحرفية البحرينية المتقنة والتي اشتهر بها الحرفيون البحرينيون في شتي المجالات.

وإن فكرة النزل هي سرد لحكاية جلجامش، تلك الأسطورة التي تم إعادة صياغتها بشكل معاصر وتصميم حديث في معلقات جدارية وأرضيات مزخرفة تم تصميمها وتنفيذها في البحرين. تحمل الغرف أسامي من الحكاية، كغرفة نور، رؤيا، و زهرة الخلود، وتم تصميم الاثاث على طراز حقبة فترة الاربعينيات ونُفّذ بحرفية عالية. إن فناء نزل السلام هو حديقة مثمرة من أشجار الليمون والبرتقال، في رمز إلى العطاء المستمر للوالد القائد الشيخ زايد، أما الأقمشة والمطرزات المستخدمة هي مزج لرواية جلجامش مع تصاميم النقدة وهندسة العمارة البحرينية.

ويحتوي نزل السلام على جدارية الشمس والقمر التي هي جدار متحرك بتقنية عالية يعكس غروب وشروق الشمس والقمر كذلك في عدة حركات تأخذ مجراها من أقوال مدونة القائد الوالد الشيخ الزايد والتي أصبحت اليوم المحور الأساسي لمنهج الوحدة والسلام للعالم العربي. يربط المنزل في الوسط سلم خشبي تم تصميمه وتنفيذه على مدار ستة أشهر من العمل المتواصل ويحتوي على 700 قطعة خشبية تسرد مفردات أسطورة جلجامش في أسلوب معاصر يربط الطابقين العلوي والسفلي في رمز إلى مزج التراث البحريني بالحضارة التاريخية للمحرق.

وتتمتع مدينة المحرّق بمكانة مرموقة في تاريخ مملكة البحرين لما تحتضنه من معالم أثرية ساهمت منذ القدم في تأسيس المكانة الثقافية والتاريخية للمملكة على مستوى منطقة الخليج، حيث كانت منارة للنشاط التجاري والثقافي والفني.

وقدم المشروع فرصة لطلبة الجامعات من دولة الإمارات لتنمية وتطوير خبراتهم ومهاراتهم ومعارفهم في مجال حفظ واستعادة المواقع الأثرية، حيث شارك في المشروع 12 من طلبة الآثار والهندسة المعمارية من جامعات زايد والإمارات وأبوظبي والشارقة وجامعة نيويورك أبوظبي.

ومن المتوقع أن يتم افتتاح الموقع الثاني "الركن الأخضر" في وقت لاحق، والذي سيكون مكتبة لأرشفة الفن البحريني، واستعادة المخطوطات وحفظ الكتب واللوحات الفنية. ويُبنى الركن الأخضر بجانب حديقة عمودية فريدة من نوعها شيّدها مركز الشيخ إبراهيم من تصميم المصمم الفرنسي العالمي باتريك بلان، وتحتوي على نحو 200 نبتة من أنواع مختلفة معظمها شبه استوائية ومن مناطق صحراوية من حول العالم من حوض البحر المتوسط وأستراليا وجنوب أفريقيا.