صناعة الخوص مهارة كانت تمتاز بها نساء البحرين لتأمين احتياجات المنازل بما هو متوفر وفي متناول اليد من "سعف النخيل"، إذ كن يصنعن منه سجادات الصلاة ومفارش الطعام والقفف وسلال التمور وغيرها.
رزينة أبو بكر (أم محمد) من منطقة الحجيات تعمل في صناعة الخوص وتعود بالذاكرة إلى ما تسميه "الزمن الجميل" حيث كان الأجداد يأكلون مما يزرعون ويلبسون ما تصنع أيديهم. وكانت أدواتهم المستخدمة في حياتهم اليومية مستوحاة من البيئة المحيطة بهم من يابسة وبحر وأشجار وغيرها.
تقول أم محمد " عشت في ذلك الزمن الجميل الذي كنا نستعمل فيه أدوات مصنوعة من الطبيعة وأشجار النخيل، فكانت السفرة التي نأكل عليها من سعف النخيل، وكذلك الحصير الذي يفرش في الحوش. وكان الرجال يحملون "الجفران" لوضع السمك فيها. كما كان البحارة يستخدمون القفف الكبيرة. وكانت مكانس التنظيف تصنع من سعف النخيل أيضاً. وتوجد أدوات منزلية كثيرة تستخدم فيها أجزاء مختلفة من النخلة، مثل سلال حفظ المواد الغذائية، و"المكبة" مثلثة الشكل التي تستخدم لتغطية الأطعمة وحفظها من الحشرات والغبار، والجراب الذي يكون مستدير الشكل عميقاً يحفظ فيه التمر وغيرها من الأدوات، وكذلك قراقير الصيد والأقفاص والكراسي".
وتضيف "مع مرور السنين بدأت هذه الأدوات تختفي ولم يعد الشخص يعثر عليها بسهولة لقلة العاملين فيها أو لعدم وجود حاجة لاستخدامها. ومن هنا جاءت فكرة عملي. تدربت في مركز سترة للحرف اليدوية سنة 2013، تعلمت الأساسات واستمررت بالتدريب والعمل حتى أتقنته. وقررت أن أصنع أشياء محدثة ليتعرف عليها أبناء هذا الجيل وبدأت بصنع "الجفران" ثم طورناها بصنع الشنط وسلال للقدوع والمكسرات، وبعض المستلزمات التي تستخدم في التوزيعات".
وتكمل أم محمد "بدأت قبل 8 سنوات أقدم بعض المنتجات في المعارض والمناسبات. وكانت الشركات والفنادق والمدارس تطلب حضوري لعرض منتجاتي وتعريف الحضور والطلبة على مسمياتها واستخداماتها قديماً وطريقة صنعها. وبسبب هذه العروض كونت قاعدة من الزبائن، وصار هناك تعاون بيني وبين مجموعة من المطاعم ذات الطابع الشعبي. وهناك بعض الزبائن يطلبون أشياء تصمم لهم حسب الطلب كالقفاف الصغيرة للتوزيعات والديكورات. وفي الفترة الأخيرة زاد الطلب على الشنط النسائية ذات الطابع الشعبي المزينة بالإكسسوارات البسيطة، كما أن الموظفين يطلبون السلال الصغيرة لوضع القدوع على طاولة المكتب".
حفظ الموروث الجميل
وعن تطور العمل، قالت أم محمد "من هذا العمل تفرع عملي وزاد فلي محل في مجمع العاصمة، ومكان في سوق المزارعين بهورة عالي، كما تعرض منتجاتي في المركز الاجتماعي بالمحرق. ولم يقتصر عملي على منتجات الخوص فهناك عدد من الزبائن بدؤوا طلب "الملاية" و"المرفاعة" و أكياس الطيور، وأقفاص الدجاج والفروخ المعلقة، والمناسف لتنقية العيش والبهارات. كما قدمت دورات تدريب للأطفال وبعض الأجانب. وأطمح لتنظيم دورات تدريبية ثابتة".
وعن طريقة الشغل، تقول أم محمد "كل العمل يتم بشكل يدوي بمساعدة بعض النساء في الخياطة أو بالتعاون مع نسوة من الزمن القديم في حال وجود طلبيات كبيرة. السفر هي أكثر المنتجات طلبا ليس فقط للأكل بل للتعليق كديكور، وكذلك المهفات، وجفران الخبز. ويميل الأجانب والسياح لشراء "الكبابيس". والهدف من تنويع المنتجات وإدخال السعف فيها رغبتنا في الحفاظ على الموروث الجميل، وتعريف الزوار بطرق العيش قديماً".
وأضافت "تختلف استخدامات سعف النخيل، فالذي في قلب النخلة أو قمة رأسها يستخدم في صناعة السلال والحصر، أما السعف الكبير الأخضر فيستخدم في السلال الكبيرة والمكانس وغيرها من الأدوات، ولا تستخدم الألوان في صناعة سجادة الصلاة، حيث تترك بيضاء وتصنع بشكل دقيق وأنيق. يؤخذ الخوص من "القلوب" من داخل النخلة، يغسل وينشر في الشمس حتى يجف ويربط، وهنا يبقى لونه أبيض. ونأخذ الذي في الأطراف بنفس الطريقة ومن أجل تلوينه نضعه في وعاء على النار وتضاف له ألوان خاصة وبعد تشربه اللون ينشر ويجفف ثم يفرز كل لون في ربطة خاصة، وفي وقت العمل نأخذ الكمية المطلوبة وننقعها في الماء ليسهل جدلها، وبعد التشكيل نقوم بخياطتها للتثبيت"، مؤكدة أن هذا الفن مازال مرغوباً، ومازال البحريني يسعى لإدخاله في كل بيت.