تبدو أهمية كتاب "النهضة التشريعية في مملكة البحرين خلال 20 عاما" الصادر حديثا أنه يعالج أبرز مراحل التطور للمشروع الإصلاحي الشامل الذي قاده حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى على مدار فترة امتدت طوال العقدين الماضيين، وتحديدا منذ العام 1999 وحتى العام 2019، عبر دراسة مختلف التشريعات القانونية التي صدرت خلال تلك الفترة، واستهدفت بموادها وتعديلاتها تطوير المنظومة القانونية للمملكة التي كانت أساسا لازما للنهوض والارتقاء على سلم التحضر في شتى المجالات.

وقدم لهذا الكتاب الذي يعُد مرجعا قانونيا مهما للباحثين والدارسين والمهتمين، وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد بن سلمان آل خليفة، الذي اعتبر أن من بين أهم المنجزات التي تحققت للمملكة في العقدين الماضيين، وتبعث على مزيد من الفخر والاعتزاز والانتماء لهذه الأرض الطيبة، هو ترسيخ مفهوم دولة المؤسسات واحترام سيادة القانون واستقلال القضاء بجانب الحفاظ على سيادة المملكة وحماية منجزات شعبها.

واستعرض الكتاب في أبواب متفرقة طبيعة التشريعات التي صدرت منذ تولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم وحتى عام 2019، لافتا إلى أن الميثاق الوطني كان بمثابة الإطار الجامع لمشروع الإصلاح الشامل الذي قاده حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، ونقل البحرين لمرحلة جديدة في تاريخها الوطني العريق، مرحلة تستند إلى قاعدتين، إحداها تطوير المشاركة الشعبية والأخرى التكاتف بين السلطات الثلاث.

ورأى الكتاب الصادر عن إدارة الشؤون القانونية والسياسية بالديوان الملكي أن المملكة شهدت خلال الـ 20 عاما المنصرمة صدور أكثر من 864 قانونا و1659 مرسوما و1032 أمرا ملكيا، أسست جميعها للنهضة التشريعية التي شهدتها البحرين، والتي يحق لها أن تفخر بها من بين منجزاتها ومكتسباتها الوطنية، وشملت هذه المنظومة القانونية الواسعة الكثير من القضايا والموضوعات والاهتمامات، وساهمت في مجملها في تنظيم المجتمع وتطويره في العديد من القطاعات، فضلا عن نقله لآفاق أرحب.

وذكر أن المبادئ والأسس التي تضمنها ميثاق العمل الوطني لم تعزز فحسب من المشاركة السياسية ودور المجتمع المدني وتمكين المرأة، وإنما ساهمت أيضا في صيانة الحقوق والحريات، موضحا أن الاستفتاء على الميثاق بنسبة تأييد بلغت 98.4% جعل من شعب البحرين سلطة تأسيسية أصلية مكنته من وضع القواعد الدستورية وتعيين السلطات العامة وتحديد العلاقات بينها وصياغة الواجبات والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها الأفراد والهيئات وسبل صيانتها.

وأشار إلى أنه بصدور الميثاق الوطني تم وضع دستور المملكة المعدل، وذلك في فبراير 2002، والذي أقر عددا من التطورات المهمة أبرزها التحول إلى الملكية الدستورية والأخذ بنظام المجلسين وإنشاء المحكمة الدستورية، فضلا عن تسريع عملية سن مشروعات القوانين ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية، موضحا طبيعة التعديلات التي شهدها هذا الدستور أعوام 2012 و2017 و2018، واستهدفت تحقيق الرقي والتقدم للبلاد، وتطوير نظام المملكة السياسي بما يحقق مزيدا من الديمقراطية.

وأفرد الكتاب قسما خاصا لأبرز التشريعات التي ساهمت تطوير الحقوق السياسية للمواطنين، وكيف عززت من مشاركتهم وانخراطهم في إدارة العمل العام، فضلا عن التعديلات التي لحقت بها، ومن ذلك قانون مباشرة الحقوق السياسية عام 2002 الذي أقر حقي الانتخاب والترشيح، وقانون مجلسي الشورى والنواب ولائحتيهما الداخلية في نفس العام، وقانون الجمعيات السياسية 2005 بتعديليه عامي 2014 و2016، وقانون الانضمام للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 2006.

وأكد الكتاب أن أمن وأمان الدولة والمجتمع وحمايتهما من الأعمال الإرهابية كان على رأس أولويات النهضة التشريعية التي شهدتها البحرين خلال فترة الدراسة، وأنه بالرغم من وجود بعض القوانين ذات الطابع الجنائي التي سبقت إصدار الميثاق وتعاطت مع التطورات الأمنية المتلاحقة التي شهدتها المنطقة، لكن ميثاق العمل الوطني وإعمالا لأحكام الدستور المعدل 2002 أقر العديد من التعديلات على هذه القوانين، ومنها تعديلات قانون العقوبات الذي شهد وحده نحو 24 تعديلا كان آخرها 2019.

وكذلك قوانين العفو 2001، والإجراءات الجنائية 2002 وتعديلاته 2005 و2012 و2014، وقانون حماية المجتمع من الإرهاب 2006 وتعديلاته 2013 و2014 و2019، وقانون حظر ومكافحة غسل وتمويل الإرهاب 2001 بتعديلاته 2006 و2013 و2017 و2018، وقانون المواد المخدرة والمؤثرات العقلية 2007، ومكافحة الاتجار بالأشخاص 2008، والعقوبات والتدابير البديلة 2017، ونحو 18 قانونا أخرى بالموافقة والتصديق على الانضمام للاتفاقات الدولية ذات الطابع الجنائي ومكافحة الإرهاب.

ونالت التشريعات المتعلقة بالأجهزة العسكرية والأمنية نصيباً لا بأس به من اهتمام الكتاب، على اعتبار أن توفير مقومات الأمن للأجهزة المعنية، وعلى رأسها قوة دفاع البحرين والحرس الوطني، وتزويدها بالموارد والتجهيزات اللازمة هو السياج والحصن لحماية البلاد وصيانة أراضيها ومكتسباتها، والداعم الرئيس لاستمرار عملية التنمية ونشر الأمن والطمأنينة في ربوع البلاد، مشيرا إلى أن دعم وتعزيز الأجهزة المعنية قانونيا كانت سببا رئيسيا في المنجزات التي تحققت للمملكة خلال الفترة الماضية.

وأبرز الكتاب أهم التشريعات المتعلقة بتزويد الأجهزة الأمنية باحتياجاتها وتنظيم أطر العمل بها، وذلك لكي تقوم بالمهام الوطنية المقدسة المناطة بها.

ولفت إلى قانون قوة دفاع البحرين الصادر في 2002، وقانون الحرس الوطني عام 2000، والتعديلات الصادرة على قانون قوات الأمن العام في 2002، ومرسوم إنشاء جهاز الأمن الوطني في نفس العام، فضلا عن قانون إنشاء الصندوق الملكي لشهداء الواجب عام 2016، وهي القوانين التي كان من شأنها توفير منظومة قانونية متكاملة للأجهزة المعنية بحفظ الأمن.

على جانب آخر، أولى الكتاب اهتماما خاصا بالتشريعات الخاصة بالهيئات القضائية التي تبلورت ملامحها وزادت أدوارها خلال فترة الدراسة، ومنها قانون السلطة القضائية 2002 بتعديلاته أعوام 2006 و2010 و2012 و2013 و2015، وقانون المحكمة الدستورية 2002 وتعديله 2012، فضلا عن تعديلات قانون محكمة التمييز أعوام 2009 و2014 و2015 و2018، وقانون القضاء العسكري الصادر في 2002 والمعدل أعوام 2010 و2014 و2017، وقانون الوساطة لتسوية المنازعات 2019.

ونظرا لأهمية الجانب التجاري والاقتصادي والمالي باعتباره الرافعة التي استند إليها مشروع النهضة الشاملة في البحرين، أورد الكتاب تفصيلات كاملة لأهم التشريعات التي صدرت في هذا الجانب، وعززت من عملية التنمية في البلاد، ومنها قوانين الشركات والسجل والمصرف المركزي والبورصة والغرفة التجارية وتسوية المنازعات والتحكيم والإفلاس وحماية المنافسة والمستهلك واحتياطي الأجيال ومجلس التنمية الاقتصادية وغيرها من قوانين ساهمت في دعم وتعزيز بيئة العمل في البحرين.

وارتباطا بذلك، جاءت تشريعات الملكية الفكرية والصناعية التي جعلت من البحرين موطنا خصبا للاستثمارات والشركات الكبرى لنجاحها في حماية علاماتها التجارية، وكذلك الأمر بتشريعات الرقابة المالية والمعاملات الإلكترونية والتطوير العقاري والبلديات والمحافظات والإعلام والاتصال، التي دعمت من رؤية البحرين المستقبلية 2030، وساهمت في تنويع القطاعات الاقتصادية التي يمكن جذب التدفقات الاستثمارية إليها، وتنشيط الحركة التجارية فيها سواء من داخل المملكة أو خارجها.

ولم يغفل الكتاب أهمية التشريعات التي توجهت لتنمية المورد البشري باعتباره عماد وموضوع عملية التنمية، واستهدفت خلق المزيد من الفرص أمامه، مؤكدا أن خطط وبرامج النهوض الحضاري رمت إلى توسيع الخيارات أمام الإنسان البحريني، ومن ذلك قوانين تنظيم سوق العمل والتعطل والنقابات والأسرة والضمان الاجتماعي والحركة الرياضية والطفل والحضانة والمسنين وذوي الإعاقة والتعليم والصحة والنظافة وغيرها من قوانين وضعت البحرين في مصاف الدول ذات التنمية البشرية العالية.

وخلص الكتاب إلى أن البحرين كانت من أكثر الدول اهتماما ببيئتها وحفاظا على الحياة الفطرية بها في إشارة لقوانين تناولت تنظيم وصيد واستغلال وحماية الثروة البحرية، وأسست لمجلسين متخصصين أحدهما للبيئة والآخر للغوص واللؤلؤ.

كما أن البحرين كانت من بين الدول التي عنيت بشكل خاص بقضايا التنمية المستحدثة والمستدامة، وأنشأت هيئات ومراكز متخصصة اهتمت بالعمل الثقافي والسياحي والطاقة المستدامة والحقوقي والدراسات النوعية والتنمية السياسية والتعايش السلمي.