طبق حائر
قصة قصيرة – جابر خمدن
في المطعم الأنيق الذي يقع على مجرى جدول متدفق، تنحدر المياه الجبلية من ذوبان الثلوج فتتساقط فيه مشكلة سمفونية طبيعية. في الأعلى يقف الجبل الأشم بمنكبيه العريضين يناطح السحاب. شجيرات الشاي الكثيفة تتراص في صفوف متتظمة كالجنود في ساحة الإستعراض. في الداخل كانت النادلة تحمل طبق اللحم المطبوخ. تقدمت من طاولة في أقصى صالة الطعام، ثم انحنت بأدب :
- ها هو طبقك سيدتي.
ووضعته فوق الطاولة.
نظرت المرأة وزوجها للطبق ثم قالت :
- معذرة، لم نطلب هذا، نحن لا نأكل اللحم.
انقبض وجهها، رفعت الطبق ثم تحدثت مع زميلتها :
- لم يطلبوا اللحم، طلبوا دجاجا.ً
أخذته منها، بدأت تدور على الطاولات، كل يتبرأ منه، بعد ذلك وصلت إلى مكاني وكنت أتحدث مع زوجتي في انتظار طلبيتنا. قدمت الصحن الذي بدأ يبرد :
- مرحباً، أعتقد هذا ما طلبتموه، وضعته أمامنا وتركتنا.
نظرت إليه، آه.. قلت لزوجتي هذا هو الطبق الحائر لم يجدوا صاحبه، قالت:
- لكننا لم نختر هذا.
ثم أرتني قائمة الطعام، وأشارت بأصبعها، هذه وجبتنا وسعرها مثبت بجانبها.
حققت النظر، تذكرت فعلاً هذه لا تشبهها. أدرت وجهي ناحية العاملين، ناديت نادلة أخرى، أتت مسرعة، كانت نبرة صوتي تشي بالتململ:
- لم نطلب هذا، وأريتها قائمة الطعام.
- نحن نقصد هذه الوجبة تحديداً، هل تفهمين ما أقول؟
ولأنها لا تتقن اللغة العربية، نادت زميلة لها، فجاءت والعبوس يسبقها، نظرت إلينا شذراً ثم تناثرت الكلمات هنا وهناك.
انتبه الجالسون، كنا مجموعة واحدة. علا الصراخ، لم نفهم ما تقول لكننا أدركنا أنها تتهمنا بالخداع لأننا نرفض ما طلبناه مسبقاً. وعلى وقع صراخها قذفتها زوجتي بوابل من الكلمات المؤنبة ولكنها كانت تتزحلق مثل قطرات الماء عندما وقعت على أذنها.
رفع الطبق من جديد، وقطعنا الوقت في الكلام ونحن نتضور جوعاً في حين أوشك الجميع على الانتهاء من الغذاء.
أخيراً سمعنا زمور الباص يؤذن بالتجمع. أخذ البعض بالخروج. امتلأت المقاعد. السائق واقف أمام الحافلة وهو يدخن مع اثنين من المسافرين. المرشد كان يستحثنا على الركوب.
- لكننا لم نتغذ بعد.
قلت له.
نظر إلينا ضجراً وكأننا نتعمد مشاكسته:
- كل الركاب تناولوا طعامهم، وبقيتم أنتما الإثنين تتسكعان هنا وهناك. لماذا لا تلتزمان بالوقت؟
وبدأ في لومنا وكأننا تلميذين كسولين. وكنت مع زوجتي صامتين إلا أنه بدا ينحدر كسيل جارف فما كان مني إلا أن صفعته ببعض الكلمات مبيناً له ما حصل.
تذكر أنه كان خارج المكان عندما حصل ما حصل. في الكبينة الصغيرة كان يجلس مع زملائه يدخنون ويأكلون السندويشات. صارت كلماتي مطرقة تطرق أذنيه حتى مال برأسه، ثم أحس بخطئه فبادر بالاعتذار.
كانت مجموعة من الركاب قد تركت مقاعدها وأتت للتفرج، بعضهم وقف بجانبنا وهم يلومون العاملين بالمطعم وسوء خدماتهم. آخرون ينظرون إلى ساعاتهم ويتلمظون. بعد فترة هدأت النفوس، وركبنا الباص.
في الطريق كان المذياع يثرثر بأغنية فيروز وأنا وزوجتي يكاد ينفجر رأسينا من الصداع. والجوع أخذ يعوي بداخلنا، حتى غطى على إيقاعات الأغنية التالية.