أصدر المجلس الأعلى للمرأة كتاب "المرأة البحرينية والتعليم.. إشراقات مبكرة وريادة وطنية"، الذي يأتي بناء على توجيهات ملكية كريمة بضرورة توثيق مسيرة المرأة البحرينية مع بزوغ فجر التعليم في البلاد.

ويرصد الكتاب، إسهامات المرأة في تشكيل ملامح النهضة التعليمية وتوضيح طبيعة الظروف والمعطيات التاريخية المرتبطة بخصوصية البحرين الثقافية وانفتاحها الحضاري الذي منح المرأة هذه الريادة وهذا السبق لتصل اليوم إلى موقع متقدم تعكسه المؤشرات التنموية وتؤكده الشواهد المعنوية التي تتميز بها مملكة البحرين حضارياً وثقافياً ومعرفياً.

وتفضلت صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خلفية قرينة العاهل المفدى رئيسة المجلس، بإهداء نسخة من الكتاب لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، خلال استقبال جلالته لسموها مؤخراً في قصر الصخير بحضور عضوات المجلس.

وحمل غلاف الكتاب، جملة ذات دلالة كبيرة تقول "في 1928 كانت الانطلاقة ومازالت مسيرتها عامرة بالعلم والمعرفة".

مدخل تاريخي

وجاء الكتاب في نحو 100 صفحة موزعة على مقدمة و4 فصول، وجاء في "المدخل التاريخي" لكتاب "المرأة البحرينية والتعليم" أنه بمجيء العام 2019 يكون مرّ قرن من الزمان على انطلاق التعليم النظامي في البحرين.

وفي العام الماضي، كانت مضت 9 عقود على انطلاق التعليم النظامي للبنات في البحرين، لتصنف كأول دولة خليجية تتيح التعليم النظامي لفتياتها.

وعبر هذه الفترة، تمكنت الجهود الحكومية من تطوير المنظومة التعليمية، بشراكة فاعلة مع مؤسسات المجتمع الأهلية، لاستدامة استفادة المرأة من خدمات التعليم في كافة مراحله وأنواعه، متعلمة ومعلمة، حتى استطاعت البحرين، في فترة قياسية، أن تحقق الأهداف التنموية للألفية التي أعلنتها الأمم المتحدة، وعلى رأسها، تحقيق التعليم للجميع ودون تمييز، ومعدل أمية يقترب من الصفر، ونسبة تمدرس بلغت 100%، وتحقيق الانتقال من توفير التعليم إلى تحقيق جودته، لتحتل البحرين المرتبة 26 عالمياً في تقرير التنافسية العالمية حول جودة التعليم لسنة 2016، ولتسهم المرأة على قدم المساواة مع الرجل في بناء مجتمع المعرفة الذي يقود إلى الابتكار، ويصبح من أهم عناصر تنافسية المجتمع البحريني هو تميزه في التعليم.

وتناول هذا المدخل التاريخي العوامل التي مهدت للتعليم المبكر للمرأة، ومن بينها الدور الحكومي، والانفتاح الحضاري للبحرين منذ القدم من خلال موقعها الجغرافي ومركزها الجغرافي إضافة إلى انتشار المكتبات والنوادي الأدبية، والدور التنويري للصحافة.

إشراقة شمس التعليم

وتحت عنوان "بزوغ فجر جديد وإشراقة شمس التعليم للبنات"، ذكر الفصل الأول من الكتاب، أن العام 1928 شهد بدء التعليم النظامي للبنات بإنشاء مدرسة الهداية الخليفية للبنات بالمحرق والتي سميت لاحقاً بمدرسة "خديجة الكبرى" الابتدائية، وأنشئت هذه المدرسة بمبادرة من الأهالي، فيما تبرع بالأرض التي أقيمت عليها المدرسة الشيخ "عيسى بن علي"، حاكم البحرين في ذلك الوقت.

واستعرض هذا الفصل البدايات الأولى للتعليم غير النظامي، والنظامي، ومرحلة ما قبل الابتدائية، ومراحل التعليم قبل الجامعي، والتعليم الفني والمهني، والرياضة والحركة الكشفية والفنية، وجهود القضاء على الأمية وتعليم الكبار.

وفي الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان "المرأة البحرينية من متعلمة إلى معلمة" ذكر الكتاب أنه واجه حماس المرأة البحرينية للتوسع في التعليم إشكالية نقص الكوادر المطلوبة للقيام بالعملية التعليمية، وقد أدى ذلك في بادئ الوقت، إلى الاستعانة بمن لم تكمل دراستها في المرحلة الابتدائية للعمل كمدرسات، ثم تطور الأمر إلى الاستعانة بمن أكملن دراستهن الابتدائية أو الثانوية (شعبة المعلمات) جنباً إلى جنب مع مدرسات من جنسيات عربية.

معهد المعلمات

وأورد الفصل أنه وفي ضوء تقارير التقييم التي كانت تتم من وقت إلى آخر، والحاجة إلى وجود معلمات تربويات متخصصات، تم الاتجاه إلى إنشاء معهد المعلمات في العام 1967، والذي لم يلبث أن تحول مع معهد المعلمين الذي أنشئ عام 1966 إلى كلية البحرين الجامعية للعلوم والآداب والتربية والتي كانت النواة الأولى لجامعة البحرين التي قامت في العام 1986.

وفي ظل التطور التعليمي للمرأة البحرينية، استقبلت مدارسها أبناء الدول الخليجية والعربية المجاورة الذين اتجهت أنظارهم نحو البحرين لتعليم أبنائهم بالمجان، حيث قدمت لهم الحكومة البحرينية كل مساعدة، وأولتهم رعايتها، وهذا ساعد في دعم مكانتها وسط أشقائها.

كما تناول هذا الفصل دور المرأة البحرينية المعلمة قبل إنشاء المعهد العالي للمعلمات وبعد إنشائه وتطور وأثر هذا الدور في هيئة التدريس، إضافة إلى إنشاء مركز التأهيل التربوي، والكلية الجامعية للعلوم والآداب والتربية، وتولي جامعة البحرين توفير المعلمات،

انطلاقة واثقة نحو الريادة

وفي الفصل الثالث من الكتاب، الذي جاء تحت عنوان "انطــلاقـة واثقـة نحــو الريادة"، ذكر الكتاب أن احتلال التعليم وضع الأسبقية على سلم اهتمامات الحكومة البحرينية وجعلها تبادر بالتوسع في ابتعاث المرأة البحرينية للدراسة في مصر ولبنان والأردن وسوريا والعراق والمملكة المتحدة.

وأظهرت أحد استطلاعات الرأي التي نفذت في الفترة من 1940-1965 أن 65% من الفتيات مقابل 29% من الفتيان يرغبن في التعليم الجامعي، بما يتيح لهن ممارسة مهن الطب والصيدلة والمحاماة وغيره، وهو ما جاء مفسراً لسبب ابتعاث كثير من الأسر البحرينية لبناتهن إلى الخارج لمواصلة تعليمهن الجامعي.

كما أسهمت تلك التوجهات في تأسيس جامعة البحرين جنباً إلى جنب مع جامعة الخليج العربي، كمكمل لدور معهد المعلمات والكلية الجامعية للعلوم والآداب والتربية، وكلية الخليج للتكنولوجيا، وهو ما وفر الأرضية الصلبة لحصول المرأة على درجات جامعية (البكالوريوس - الليسانس) وفوق الجامعية من دبلوم وماجستير ودكتوراه، ليتزايد العدد من سنة إلى أخرى.

وعرض هذا الفصل تطور عملية ابتعاث المرأة للدراسة الجامعية والدراسات العليا في الخارج، ونشأة الجامعات الوطنية الخاصة.

تعليم المرأة في عهد الملك حمد

وجرى تخصيص الفصل الرابع والأخير من الكتاب تحت عنوان "تعليم المـرأة في عهد الملك "حمد"، جاء فيه أنه مع تــولى حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى مقاليد الحكم في مارس 1999، وطرحه لمشروع جلالته الإصلاحي الحداثي المستند على ثقافة وانفتاح الإنسان البحريني، ومعولاً على قدرته في إدارة شأنه وترسيخ أركان دولة المؤسسات والقانون، وجاء ضمن أهم محاوره تطوير جودة التعليم في توقيت، كانت فيه مسيرة التعليم قد حققت أهدافها الكمية، وأصبحت البحرين شبه خالية من الأمية.

ووفق هذا النهج امتدت مظلة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى بضمانات تشريعية وقانونية تحصنت بها الحقوق الاجتماعية للمرأة، وعلى رأسها "حق التعليم" بسياسات انعكست على ترسيخ تلك الحقوق ميدانياً، لتكون النتيجة الطبيعية أن تتحقق للمرأة مكاسب فعلية في مراحل التعليم المختلفة، ومن بين أهمها، تصنيف البحرين ضمن الفئة الأولى من الدول التي حققت الأهداف الأساسية لبرنامج الأمم المتحدة الخاص بالتعليم للجميع وفقاً لتقرير اليونسكو عام 2007.

وأشار الكتاب إلى أنه في ضوء كل تلك المبادرات الإصلاحية، بدأت البحرين تجني أثر ذلك من خلال عدد من المؤشرات الكمية والنوعية، التي تقيس الأداء في تعميم التعليم الأساسي، وتعدد فرص التعليم وتطوير أداء المعلمين، ونسبة الطلبة إلى المعلمين، وكثافة الفصول الدراسية، ونسب الترفيع والتسرب والبقاء في المدرسة، ونسبة الانتقال إلى مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي.

المؤشرات الكمية

واستعرض الكتاب في هذا الفصل عدداً من المؤشرات الكمية التي برزت في عهد عاهل البلاد المفدى للارتقاء بجودة ونوعية التعليم في البحرين على كافة المستويات، ومن تلك المؤشرات زيادة المخصصات المالية للتعليم، وزيادة عدد المؤسسات التعليمية، والتوسع في التعليم العالي، والاهتمام بتكنولوجيا التعليم والبحث العلمي، وتطوير التعليم الفني والمهني.

كما استعرض عدداً من المؤشرات النوعية ذات الصلة ومن بينها إنشاء وتنظيم هيئة جودة التعليم والتدريب بمقتضى المرسوم بقانون رقم (32) لسنة 2008، وإنشاء كلية البحرين للمعلمين في العام 2008، وإنشاء وتنظيم كلية البحرين للتقنية بوليتكنك البحرين بمقتضى المرسوم بقانون رقم (65) لسنة 2008، وتطبيق الخطة الاستراتيجية وخطة العمل الوطنية لنوعية التعليم في الفترة من 2010-2014، بهدف رفع مستوى جودة التعليم والتدريس في مدارس المملكة، وإتاحة فرصة التعلم للجميع وتشجيع الاستثمار في قطاع التعليم، ورفع مستوى التعليم العالي والبحث العلمي، إضافة إلى مشروع تطوير أداء المدارس وتطبيق نظام إدارة الأداء، وبرنامج التمكين الرقمي في التعليم، والنظام المطور للتعليم الفني والمهني وبرنامج التنمية المهنية، وتطبيق مبادرة تحسين الزمن المدرسي في المرحلتين الإعدادية والثانوية، ورعاية وإدماج الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس الحكومية.

وعمل فريق مهني متخصص من داخل وخارج المجلس الأعلى للمرأة عمل بدأب لمدة أشهر عديدة على إعداد هذا الكتاب.

وحرص المجلس كل الحرص خلال مراحل إعداد هذا الكتاب على اتباع المنهجية العلمية الرصينة في تقصي المعلومات من مصادرها الأصلية الموثوقة، وتوظيفها في سياقها التاريخي الصحيح، ومنح القارئ والباحث عن المعلومة صورة متكاملة وفقا لتسلسل تاريخي منطقي، وربط علمي للأحداث وسياقاتها الزمانية والمكانية، مع الحفاظ على جودة الصياغة وسلامة الأسلوب وجمالية الإخراج.

ويهدف كل ذلك، للوصول إلى منتج نهائي يرقى إلى المسيرة الحافلة للمرأة البحرينية في مجال التعليم، ويستشرف أفق ريادتها في هذا المجال وخاصة في مجال علوم المستقبل.