* الحاجة عائشة استقطبت بحكمتها النساء من مختلف الأطياف في المجلس
* دور بارز للمجلس في تبادل الآراء ومناقشة قضايا المجتمع
* مساحة كبيرة للأطفال في مجلس الحاجة عائشة المطروشي
* المجلس من أوائل المجالس النسائية الاجتماعية في البحرين
نجوى عبداللطيف جناحي
تعتبر المجالس والديوانيات جزءاً لا يتجزأ من ثقافة المجتمع الخليجي بصورة عامة والمجتمع البحريني بصورة خاصة، فهو موروث أصيل بحكم الطبيعة القبلية للمجتمعات الخليجية، والمجالس أو الديوانيات هي عبارة عن منتدى يتجمع فيه الرجال بشكل منتظم، سواء تجمع يومي أو أسبوعي أو شهري بحسب ما يحدده صاحب المجلس، وعادة تفتح المجالس من قبل وجهاء المجتمع مثل الحكام والنواخذة وكبار التجار وغيرهم من وجهاء البلد، وذلك لقدرتهم المادية على الإنفاق على مثل هذه المجلس مثل توفير المجلس الواسع للتجمع وتأثيثه وتنظيفه، وتقديم الضيافة، وغالباً ما يكون هذا المجلس يتبع منزل صاحب المجلس وتسمى باسمه أو اسم قبيلته، وفي كثير من الأحيان يخصص مبنى خاصاً لمجلس الحي أو القرية، وهو عبارة عن قاعة كبيرة مستطيلة الشكل مجهزة بجلسات عربية "مقاعد عربية"، وتقتصر هذه المجالس على الذكور فقط حيث يرتادها الرجال والشباب والأطفال منهم فقط.
وفي المجلس يتجمع رجال القبيلة أو الحي أو المنطقة للتشاور والتعبير عن الرأي والتباحث في القضايا المختلفة مثل القضايا الاجتماعية، وكيفية التعامل مع مستجدات ومتغيرات المجتمع، وتلعب هذه المجالس دوراً اجتماعياً وثقافياً ودينياً وسياسياً، وللمجالس أدوار اجتماعية متنوعة منها حل النزاعات حيث يحتكم فيها لدى هؤلاء الوجهاء لحل النزاعات قبل عرضها على القضاء، وكثيراً ما تحل هذه الخلافات في هذه المجالس. ولهذه المجالس أعراف، وآداب تحكمها وهي تحترم من قبل جميع مرتادي هذه المجالس، مثل أماكن جلوس الوجهاء، وكبار السن وطريقة استقبال كل فئة، وآداب الحديث في المجالس، وآداب الاستماع وغيرها.
وللمجالس دور تربوي حيث يدفع بالأطفال والناشئة والشباب لمخالطة الرجال في هذه المجالس ليكتسبوا منهم القيم والأخلاقيات و"السنع"، حتى قالوا قديماً "مجالسنا مدارسنا"، فهي المدرسة الحقيقية لتنشئة الشباب على عادات وآداب وقيم المجتمع، كما ينشأ الشباب على مهارات وآداب الحوار والتفاوض، وآداب الاستماع للمتحدثين والثقة بالنفس، وتنمية القدرة على الإقناع وسوق الأدلة والحجج والبراهين، علاوة على ما يكتسبونه من أهمية الحفاظ على التماسك والترابط الاجتماعي، وتقبل وجهات النظر المختلفة. وقد شهد المجتمع البحريني العشرات من هذه المجالس نذكر منها مجلس المناعي، ومجلس الذوادي وغيرها من المجالس العائلية.
والمجالس نوعان، النوع الأول، مجالس اجتماعية عامة، والنوع الثاني، مجالس علماء الدين، حيث يقوم الشيخ "عالم الدين" بالجلوس في مجلسه لتعليم الناس بشؤون دينهم وتوعيتهم وتثقيفهم، ولتدريس الشباب علوم الدين المختلفة من علوم العقيدة، والفقه، وحفظ القرآن وتلاوته وتفسيره، حيث يتتلمذون على أيديهم، كما يشكل المجلس مكاناً للالتقاءعلماء الدين والواعظين حيث يجتمعون للتباحث في القضايا الدينية والشرعية والاجتهاد وربما الفتوى. ومن المجالس الدينية الشهيرة في البحرين مجلس فريج بن منصور والذي يقع في المحرق، ومجلس عبدالله بن عجلان، ومجلس الصحاف، ومجلس قاسم المهزع.
ومازالت المجالس مستمرة في المجتمع البحريني، وتلعب الدور نفسه الذي كانت تقوم به المجالس والديوانيات منذ عشرات السنين، إلا أنه طرأ عليها في العصر الحديث بعض من التغير الذي يتناسب مع طبيعة المجتمع مثل ظهور المجالس الرمضانية، والمجالس الشبابية، والمجالس النسائية، كما بدأ يتجه دورها للدور الثقافي حيث يُستقطب المحاضرون والمتحدثون في تخصصات مختلفة مثل الطب والصحة، والرياضة، والفنون، وممثلو الجهات الحكومية لمناقشتهم والتعرف على الخدمات التي تقدمها هذه الجهات، فما زالت هذه المجالس تلعب دوراً اجتماعياً فاعلاً.
المجالس النسائية في المجتمع البحريني
يعتبر المجتمع البحريني مجتمعاً محافظاً شأنه شأن المجتمعات الخليجية، فقد كانت دور المرأة الاجتماعي في بداية القرن التاسع عشر دوراً متواضعاً، حيث يقتصر دورها على تربية الأبناء وإدارة شؤون المنزل، كما أن التجمعات النسائية آنذاك تجمعات بسيطة ومحدودة تتمثل في تبادل الزيارات وتجمعات غير منتظمة بين نساء الحي، وفي فترة الخمسينات، وتحديداً مع ظهور التعليم النظامي للبنات في البحرين عام 1928 بتأسيس أول مدرسة نظامية في البحرين وهي مدرسة خديجة الكبرى، حيث سبقها تأسيس أول مدرسة وهي الهداية الخليفية في البحرين عام 1919، بدأت مشاركة المرأة في المجتمع في صورة مختلفة إلا أن هذا الانفتاح لم يمتد إلى المجالس والديوانيات فظلت المجالس مقتصرة على الرجال، وفي الخمسينات بدأت تظهر بعض المجالس النسائية ومن هذه المجالس مجلس الحاجة عائشة المطروشي.
مجلس الحاجة عائشة المطروشي
يعتبر مجلس الحاجة عائشة المطروشي من أوائل المجالس النسائية في البحرين، فهو يقع في جزيرة المحرق في فريج الشيوخ أمام جامع الشيخ حمد بن عيسى حاكم البحرين قديماً، وقد كان إمامه الرسمي الشيخ عبدالله بن إبراهيم عجلان قرب قصر الشيخ حمد بن عيسى بن علي، والمجلس ملحق بمنزل الحاج أحمد يوسف بن محمد عبدالملك، وقد فتحت الحاجة عائشة هذا المجلس منذ عام 1950 حتى عام 2020، والمجلس عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل كبيرة المساحة، سقفه مزين بخشب قديم، وقد فرشت أرضيته بالسجاد الإيراني، ورص حول جدران المجلس "مساند ودوشق" وهي جلسة عربية تشبه المقاعد ولكن توضع على الأرض مباشرة فالمساند هي مخدات مصنوعة من القطن المضغوط، تسند إلى الجدران مباشرة، ويستند إليها الجالسين، وتوضع فوق "الدوشق"، وهو مفرش مصنوع من القطن يجلس عليه الجالسون، ويزين جدران المجلس بنقوش وزخارف بحرينية جميلة منحوته على شرائح من الجبس، ومعلق عليها مرايا هندية مزخرفة.
وقد كان النساء يجتمعن صباحاً ومساء في منزل الحاجة عائشة بنت محمد المطروشي ففي الصباح يجتمعن في المجلس وفي المساء يتجمعن في الليوان والليوان هو: مساحة تقع في "الحوش" "أي الحديقة الداخلية"، بالمنزل للاستمتاع بالهواء العليل.
اتصفت الحاجة عائشة بحبها لأهل البحرين، بسعة الصدر وبشاشة الوجه ودماثة الخلق ولباقة الطبع، وحسن الحديث ورجاحة الرأي، كما اتصفت بالكرم والجود وحب مساعدة الناس، مما شجع الكثيرات من النساء على ارتياد مجلسها، كما عرفت بحكمتها وحسن إدارتها للحوار فاستطاعت استقطاب واستيعاب النساء من مختلف الأطياف والمستويات الثقافية والاجتماعية والدينية سواء من أهالي الحي أو من خارجه.
"الوطن" التقت، نجل الحاجة عائشة بنت محمد المطروشي، الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية، عدنان أحمد يوسف، والذي حدثنا عن سيرة والدته ومجلسها:
يروي عدنان يوسف "ولدت الحاجة عائشة بنت الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن محمد سعيد البن ظهر المطروشي، رحمها الله، في عام 1936 من أحدى العوائل العريقة في منطقة الباطنة على الحدود الإماراتية العمانية وتحديداً في بلدة المرير المطاريش على ساحل بحر العرب، وهذه المنطقة يعرفها أهل البحرين القدماء "الهند الصغرى" فهي تشكل ميناء يقع بين البحرين والهند الكبرى لذا سميت بهذا الاسم. والمرير مأخوذ من كلمة المرور لمرور السفن بها باعتبارها منطقة متوسطة، ويقوم التجار بتخزين جزء من بضاعتهم فيها لحمايتها وتأمينها في حالة وقوع حوادث البحر ومن هذه المخازن، مخازن الدوي، مخازن سيادي، ومخازن فخرو".
ويتابع "هي زوجة المرحوم الحاج أحمد يوسف بن محمد عبدالملك رحمه الله كان من تجار البحرين آنذاك حيث كان يتاجر في العسل والتبغ والغزلان على مدى ستين عاما بين الباطنة والهند والبحرين، وهو من أبناء عمومتها، تزوجا في عام 1949، بعد وفاة زوجته الأولى وانتقلت معه للعيش في البحرين في جزيرة المحرق، وأنجبت منه تسعة من الأبناء "يوسف وعبدالرحمن رحمة الله عليهما، وعبدالعزيز، وعدنان، وعارف، وعادل، وعبدالحكيم، وعاطف و محمد".
وقال إن "الحاجة عائشة كرست، وهي الأمية في تعليمها، حياتها لتربية أبنائها حيث أنشأتهم على القيم والأخلاق الحميدة، وشجعتهم على التعلم واكتساب المعارف، وحرصت على دفع أبناءها على التمييز في دراستهم حتى تبوؤوا مناصب عالية ووضعوا في مواضع تحمل المسؤولية، ونظراً لكثرة سفر زوجها وانشغاله برحلات التجارة فقد وفر لها العديد من الخدم من رجال ونساء يساعدونها في تربية أبنائها وإدارة شؤون المنزل، وبالإضافة لدورها في رعاية أسرتها، كان لها دور اجتماعي واضح من خلال مجلسها النسائي".
الدور الاجتماعي لمجلس الحاجة عائشة
وتحدث عدنان يوسف عن مجلس والدته قائلاً "مجلس عائشة المطروشي مجلس يومي، يضم نساء من شرائح متنوعة ومستويات مختلفة، فهو بمثابة منتدى يجمع النساء سواء من أهل الحي و من خارجه على اختلاف مستوياتهن الاجتماعية والمادية، فتجد بينهن نساء من الأسر الغنية وذات مستوى اجتماعي عال مثل، زوجات التجار والنواخذه، وتجد من بينهن السيدات البسيطات من أسر متواضعة، كما تجد نساء من مختلف الجنسيات فبالإضافة للسيدات البحرينيات، تجد المجلس يضم نساء من جنسيات مختلفة مثل المصريات وهنديات وبريطانيات، ولبنانيات وغيرها من الجنسيات كما يضم المجلس نساء من مختلف الطوائف والأديان مثل: الشافعيات، والحنبليات، والجعفريات، واليهوديات، والمسيحيات، ويضم المجلس نساء من أعراق مختلفة فبينهم "الهولة" والهولة هم العرب الذين تحولوا للعيش في إيران لفترات طويلة نتيجة القحط في شبه الجزيرة العربية، كما يضم المجلس نساء من أصول عربية، ومن أصول أعجمية، هذا التنوع شكل انعكاساً للنسيج الاجتماعي البحريني آنذاك وكان المجلس يجمعهن رغم هذه الاختلافات لقدرة الحاجة عائشة على إدارة الحوار المتوازن، ومرونتها ولتقبلها للفكر الآخر، وإيمانها بأهمية التسامح والتعايش مع الثقافات الأخرى، وقد كانت تحرص على أن تطرح قضايا اجتماعية حياتية تلامس احتياجات الجميع رغم الاختلافات المذهبية والعقائدية، فشكل المجلس متنفساً للجميع لاسيما لغير البحرينيات ففيه العوض عن غياب الأهل ويخفف معاناة الغربة، ويسهل عليهن الاندماج في المجتمع، وكانت النساء يحرصن على زيارة هذا المجلس حتى أن بعض النساء الأجنبيات اللاتي كان يقطنّ الحي اعتدن على زيارة مجلسها، وواصلن هذه الزيارات حتى بعد أن تركن الحي".
وتابع أن "للمجلس دور اجتماعي فاعل فكان المجلس أشبه بنادي اجتماعي يتجمع به النسائي صباحا ومساء يتبادلن الأحاديث، وتثار فيه مختلف القضايا الاجتماعية، قضايا الساعة والمستجدات الاجتماعية آنذاك فتجد كل امرأة تدلي بدلوها ورأيها حول تلك المستجدات مثل ظهور السينمات، والمذياع، وفتح المدارس، والتعامل مع المستوصفات الصحية، وغيرها من مستجدات الحياة وهي كثيرة في تلك المرحلة فتلك المرحلة تشكل بدايات لعهد انفتاح وتغير في النمط الاجتماعي، كما كان للمجلس دور قوي في ترسيخ ثقافة "السنع"، "الآداب الاجتماعية"، لأجيال عديدة في البحرين على مدى العقود الماضية، وتمكنت من التفاعل مع متطلبات ومستجدات كافة المراحل التي مرت بالبحرين فكانت تساند أهالي الفريج على مواجهة التحديات، وتميزت بحضورها وعطائها المتواصل، فأصبحت لها مسيرة ثرية بعطائها.
ولمجلس الحاجة عائشة دور في الإرشاد الأسري، حيث تطرح القضايا الأسرية مثل قضايا تربية الأبناء والمشاكل الزوجية، والمستجدات التي تطرأ على الأسرة لاسيما بعد أن بدأت بعض العائلات ترسل بناتها للتعليم في المدارس النظامية وغيرها، وكم كانت تلجأ بعض الأسر للحاجة عائشة لمساعدتها في حل الخلافات الأسرية والزوجيه، والاستئناس برأيها، وذلك لحكمتها ورجاحة عقلها.
ويروي ابن الحاجة عائشة المطروشي أن "من سمات هذا المجلس "كسر الحاجز بين المدرسة والحي" حيث كانت تحرص على التواصل مع مدرسة الحي وهي مدرسة أبو عبيدة بن الجراح، والتي تحولت إلى مدرسة للبنات فيما بعد فهي تؤمن بدور العلم في الارتقاء بالمجتمع فكانت تحفز جميع من في المدرسة سواء كانوا إداريين أو معلمين على التواصل معها، حيث ترسل لهم الضيافة مثل القهوة العربية والحلويات الشعبية مثل العصيدة والبلاليط، والخبيص وفاكهة الموسم كالرطب واللوز والبطيخ وغيرها وتتواصل معهم وتشجعهن على ارتياد المجلس لتتباحث معهن في القضايا الاجتماعية وفي هموم الحي، وكيفية معالجتها في الموقف التعليمي والتربوي، فهي تؤمن أن المدرسة لها رسالة تربوية وتسهم في التغير الاجتماعي".
وقال إن "للأطفال مساحة في مجلس الحاجة عائشة، فلا تستغرب من وجود الأطفال سواء كانوا بنات أم أولاداً، في هذا المجلس بل وتراهم يمرحون في أرجاء البيت كله سواء في الليوان أو الحوش، وهم الأطفال الذين يرافقون أمهاتهم في زيارتهن لها، وأطفال المدرسة المقابلة، لاسيما أصدقاء أبنائها حيث اعتادوا على ارتياد هذا البيت لما يلاقونه من كرم الضيافة وحسن المعاملة والترحيب، حيث كانت تقدم لهم الحلويات والمشروبات الباردة، وتتحاور معهم، وتستمع لأحاديثهم الجميلة. ومن هؤلاء الأطفال عبدالوهاب الحواج وهو الآن تاجر بحريني قديم، وتاجر الحلوى المعروف فؤاد شويطر، وخالد المعاودة، وعارف جمشير، ومن الأطفال الذين يرتادون هذا المجلس أطفال حي "فريج البناني" أي البناء وهم من أبناء الطائفة الجعفرية مثل ناجي حسين، أحمد جعفر، فريد ضيف.
وذكر أنه "قد عرف عن الحاجة عائشة الكرم فهي تكرم ضيوفها وتقدم أفضل أنواع الأطعمة، كما أنها تجزل العطاء للفقراء والمحتاجين، وبالطبع عطاؤها وكرمها يمتدان للأطفال والصغار الذين يرتادون مجلسها".
شاهد على العصر
ويؤكد عدنان يوسف أنه "لا يزال "البيت العود" منزل الحاج أحمد بن يوسف شاهداً على علم، في ذات المكان ليشهد على ذاك الزمان، وعلى الرغم من أن عمر هذا المبنى حوالي 150 عاماً إلا أن الأبناء قد اهتموا بصيانته مع الحفاظ على نفس معالمه وهيكله، فقد بني من حصى البحر، ومازال صامداً، متماسكاً أمام السنين، كما حافظوا على تصاميمه القديمة، وتقسم غرفة، وزخارفة، وقد جددت بأيدي فنانين ونحاتين مهرة من حي "البنائين" القديم الذين يقع قرب حي الشيوخ، وقد تم صيانة وتجديد هذا المنزل عدة مرات وقد كان آخر تجديد له عام 2015 حتى كاد أن يتحول لمعلم سياحي، فعندما تتجول في أرجاء البيت يسلب عقلك تصاميمه البحرينية القديمة الجميلة، وتتوزع في أرجاء المنزل صور لرجال ونساء كان هذا البيت مسكنهم، ويشدك وثائق تاريخية مصورة ومعلقة على الجدران، تلك الصور تحكي ذكريات قديمة لتلك العائلة، حتى وكأنك تسمع أصواتهم وتشعر بوجودهم.
ولا يزال هذا المسكن يحتضن مجلس اللنساء، ومجلسا آخر للرجال، حيث يتجمع فيها أبناء الحاجة عائشة لإحياء مجلس الرجال ليلة الجمعة من كل أسبوع، كما تحي الحاجة "الجازية بنت الشيخ محمد سعيد" ابنة خال الحاجة عائشة المطروشي المجلس النسائي، وزوجة أحد أبنائها. لايزال هؤلاء الرجال والنساء الذين قضوا طفولتهم في هذا المجلس وترعرعوا فيه يرتادونه ويحيون هذا المجلس، ليستعيدوا ذكريات طفولتهم فيه.
مصايف البحرين
اعتاد أهل البحرين أن يقضوا فصل الصيف في أحد المصايف التي تقع على البحر، مثل مصيف عراد، ومصيف القضيبية، حيث تميزت هذه المصايف بالجو العليل نتيجة قربها من البحر كما أنها ثرية بالمزارع والأشجار والنخيل، وعيون الماء العذبة، وبرك السباحة، فيقضون الناس ثلاثة أشهر من الصيف وهي شهر وجولاي وأغسطس وسبتمبر، في هذه المناطق حيث يسكنون في بيوت مصنوعة من سعف النخيل "تسمى العريش" تصنع بأيدي البحرينيين المهرة مصممة بطريقة إبداعية، بحيث تسمح للهواء للدخول لجميع العرشان بشكل متساوٍ ومن جميع الاتجاهات، ويحكم بناء هذه "العرشان" أعراف وآداب، حيث تبنى متراصة في خط واحد وارتفاع واحد وكأنها قاطرة طويلة، وذلك كي لا يحجب كل بيت الهواء عن البيت الآخر، إنها إبداعات هندسية تتناسب مع البيئة والطبيعة.
ويروي عدنا يوسف "عندما تطرق باب مجلس الحاجة عائشة في هذه الأشهر تجده مغلقاً شأنه شأن أبواب جميع بيوت منطقة المحرق فغالبية السكان ينتقلون لتلك المصايف، لاسيما المقتدرين منهم، وبالطبع تغلق الحاجة عايشه هذا المجلس صيفاً فهي تنتقل لقضاء فصل الصيف في مصيف عراد".
باقي الأثر
ربما رحلت الحاجة عائشة المطروشي، رحمها الله، بجسدها عن دنيانا ولكنها تركت لنا سيرة عطرة ومثالاً يحتذى به فهي مثال للمرأة التي حرصت على التفاعل الاجتماعي والتواصل بين السيدات، لا يزال مجلسها شاهداً على دور المرأة البحرينية الاجتماعي منذ القدم، لتسير على نهجها النساء جيلاً بعد جيل، فدعونا نواصل هذا الدرب، ودعونا نحيِ المجالس النسائية ونثرِها بتبادل الخبرات بين السيدات، وتفاعلهن الاجتماعي.
* دور بارز للمجلس في تبادل الآراء ومناقشة قضايا المجتمع
* مساحة كبيرة للأطفال في مجلس الحاجة عائشة المطروشي
* المجلس من أوائل المجالس النسائية الاجتماعية في البحرين
نجوى عبداللطيف جناحي
تعتبر المجالس والديوانيات جزءاً لا يتجزأ من ثقافة المجتمع الخليجي بصورة عامة والمجتمع البحريني بصورة خاصة، فهو موروث أصيل بحكم الطبيعة القبلية للمجتمعات الخليجية، والمجالس أو الديوانيات هي عبارة عن منتدى يتجمع فيه الرجال بشكل منتظم، سواء تجمع يومي أو أسبوعي أو شهري بحسب ما يحدده صاحب المجلس، وعادة تفتح المجالس من قبل وجهاء المجتمع مثل الحكام والنواخذة وكبار التجار وغيرهم من وجهاء البلد، وذلك لقدرتهم المادية على الإنفاق على مثل هذه المجلس مثل توفير المجلس الواسع للتجمع وتأثيثه وتنظيفه، وتقديم الضيافة، وغالباً ما يكون هذا المجلس يتبع منزل صاحب المجلس وتسمى باسمه أو اسم قبيلته، وفي كثير من الأحيان يخصص مبنى خاصاً لمجلس الحي أو القرية، وهو عبارة عن قاعة كبيرة مستطيلة الشكل مجهزة بجلسات عربية "مقاعد عربية"، وتقتصر هذه المجالس على الذكور فقط حيث يرتادها الرجال والشباب والأطفال منهم فقط.
وفي المجلس يتجمع رجال القبيلة أو الحي أو المنطقة للتشاور والتعبير عن الرأي والتباحث في القضايا المختلفة مثل القضايا الاجتماعية، وكيفية التعامل مع مستجدات ومتغيرات المجتمع، وتلعب هذه المجالس دوراً اجتماعياً وثقافياً ودينياً وسياسياً، وللمجالس أدوار اجتماعية متنوعة منها حل النزاعات حيث يحتكم فيها لدى هؤلاء الوجهاء لحل النزاعات قبل عرضها على القضاء، وكثيراً ما تحل هذه الخلافات في هذه المجالس. ولهذه المجالس أعراف، وآداب تحكمها وهي تحترم من قبل جميع مرتادي هذه المجالس، مثل أماكن جلوس الوجهاء، وكبار السن وطريقة استقبال كل فئة، وآداب الحديث في المجالس، وآداب الاستماع وغيرها.
وللمجالس دور تربوي حيث يدفع بالأطفال والناشئة والشباب لمخالطة الرجال في هذه المجالس ليكتسبوا منهم القيم والأخلاقيات و"السنع"، حتى قالوا قديماً "مجالسنا مدارسنا"، فهي المدرسة الحقيقية لتنشئة الشباب على عادات وآداب وقيم المجتمع، كما ينشأ الشباب على مهارات وآداب الحوار والتفاوض، وآداب الاستماع للمتحدثين والثقة بالنفس، وتنمية القدرة على الإقناع وسوق الأدلة والحجج والبراهين، علاوة على ما يكتسبونه من أهمية الحفاظ على التماسك والترابط الاجتماعي، وتقبل وجهات النظر المختلفة. وقد شهد المجتمع البحريني العشرات من هذه المجالس نذكر منها مجلس المناعي، ومجلس الذوادي وغيرها من المجالس العائلية.
والمجالس نوعان، النوع الأول، مجالس اجتماعية عامة، والنوع الثاني، مجالس علماء الدين، حيث يقوم الشيخ "عالم الدين" بالجلوس في مجلسه لتعليم الناس بشؤون دينهم وتوعيتهم وتثقيفهم، ولتدريس الشباب علوم الدين المختلفة من علوم العقيدة، والفقه، وحفظ القرآن وتلاوته وتفسيره، حيث يتتلمذون على أيديهم، كما يشكل المجلس مكاناً للالتقاءعلماء الدين والواعظين حيث يجتمعون للتباحث في القضايا الدينية والشرعية والاجتهاد وربما الفتوى. ومن المجالس الدينية الشهيرة في البحرين مجلس فريج بن منصور والذي يقع في المحرق، ومجلس عبدالله بن عجلان، ومجلس الصحاف، ومجلس قاسم المهزع.
ومازالت المجالس مستمرة في المجتمع البحريني، وتلعب الدور نفسه الذي كانت تقوم به المجالس والديوانيات منذ عشرات السنين، إلا أنه طرأ عليها في العصر الحديث بعض من التغير الذي يتناسب مع طبيعة المجتمع مثل ظهور المجالس الرمضانية، والمجالس الشبابية، والمجالس النسائية، كما بدأ يتجه دورها للدور الثقافي حيث يُستقطب المحاضرون والمتحدثون في تخصصات مختلفة مثل الطب والصحة، والرياضة، والفنون، وممثلو الجهات الحكومية لمناقشتهم والتعرف على الخدمات التي تقدمها هذه الجهات، فما زالت هذه المجالس تلعب دوراً اجتماعياً فاعلاً.
المجالس النسائية في المجتمع البحريني
يعتبر المجتمع البحريني مجتمعاً محافظاً شأنه شأن المجتمعات الخليجية، فقد كانت دور المرأة الاجتماعي في بداية القرن التاسع عشر دوراً متواضعاً، حيث يقتصر دورها على تربية الأبناء وإدارة شؤون المنزل، كما أن التجمعات النسائية آنذاك تجمعات بسيطة ومحدودة تتمثل في تبادل الزيارات وتجمعات غير منتظمة بين نساء الحي، وفي فترة الخمسينات، وتحديداً مع ظهور التعليم النظامي للبنات في البحرين عام 1928 بتأسيس أول مدرسة نظامية في البحرين وهي مدرسة خديجة الكبرى، حيث سبقها تأسيس أول مدرسة وهي الهداية الخليفية في البحرين عام 1919، بدأت مشاركة المرأة في المجتمع في صورة مختلفة إلا أن هذا الانفتاح لم يمتد إلى المجالس والديوانيات فظلت المجالس مقتصرة على الرجال، وفي الخمسينات بدأت تظهر بعض المجالس النسائية ومن هذه المجالس مجلس الحاجة عائشة المطروشي.
مجلس الحاجة عائشة المطروشي
يعتبر مجلس الحاجة عائشة المطروشي من أوائل المجالس النسائية في البحرين، فهو يقع في جزيرة المحرق في فريج الشيوخ أمام جامع الشيخ حمد بن عيسى حاكم البحرين قديماً، وقد كان إمامه الرسمي الشيخ عبدالله بن إبراهيم عجلان قرب قصر الشيخ حمد بن عيسى بن علي، والمجلس ملحق بمنزل الحاج أحمد يوسف بن محمد عبدالملك، وقد فتحت الحاجة عائشة هذا المجلس منذ عام 1950 حتى عام 2020، والمجلس عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل كبيرة المساحة، سقفه مزين بخشب قديم، وقد فرشت أرضيته بالسجاد الإيراني، ورص حول جدران المجلس "مساند ودوشق" وهي جلسة عربية تشبه المقاعد ولكن توضع على الأرض مباشرة فالمساند هي مخدات مصنوعة من القطن المضغوط، تسند إلى الجدران مباشرة، ويستند إليها الجالسين، وتوضع فوق "الدوشق"، وهو مفرش مصنوع من القطن يجلس عليه الجالسون، ويزين جدران المجلس بنقوش وزخارف بحرينية جميلة منحوته على شرائح من الجبس، ومعلق عليها مرايا هندية مزخرفة.
وقد كان النساء يجتمعن صباحاً ومساء في منزل الحاجة عائشة بنت محمد المطروشي ففي الصباح يجتمعن في المجلس وفي المساء يتجمعن في الليوان والليوان هو: مساحة تقع في "الحوش" "أي الحديقة الداخلية"، بالمنزل للاستمتاع بالهواء العليل.
اتصفت الحاجة عائشة بحبها لأهل البحرين، بسعة الصدر وبشاشة الوجه ودماثة الخلق ولباقة الطبع، وحسن الحديث ورجاحة الرأي، كما اتصفت بالكرم والجود وحب مساعدة الناس، مما شجع الكثيرات من النساء على ارتياد مجلسها، كما عرفت بحكمتها وحسن إدارتها للحوار فاستطاعت استقطاب واستيعاب النساء من مختلف الأطياف والمستويات الثقافية والاجتماعية والدينية سواء من أهالي الحي أو من خارجه.
"الوطن" التقت، نجل الحاجة عائشة بنت محمد المطروشي، الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية، عدنان أحمد يوسف، والذي حدثنا عن سيرة والدته ومجلسها:
يروي عدنان يوسف "ولدت الحاجة عائشة بنت الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن محمد سعيد البن ظهر المطروشي، رحمها الله، في عام 1936 من أحدى العوائل العريقة في منطقة الباطنة على الحدود الإماراتية العمانية وتحديداً في بلدة المرير المطاريش على ساحل بحر العرب، وهذه المنطقة يعرفها أهل البحرين القدماء "الهند الصغرى" فهي تشكل ميناء يقع بين البحرين والهند الكبرى لذا سميت بهذا الاسم. والمرير مأخوذ من كلمة المرور لمرور السفن بها باعتبارها منطقة متوسطة، ويقوم التجار بتخزين جزء من بضاعتهم فيها لحمايتها وتأمينها في حالة وقوع حوادث البحر ومن هذه المخازن، مخازن الدوي، مخازن سيادي، ومخازن فخرو".
ويتابع "هي زوجة المرحوم الحاج أحمد يوسف بن محمد عبدالملك رحمه الله كان من تجار البحرين آنذاك حيث كان يتاجر في العسل والتبغ والغزلان على مدى ستين عاما بين الباطنة والهند والبحرين، وهو من أبناء عمومتها، تزوجا في عام 1949، بعد وفاة زوجته الأولى وانتقلت معه للعيش في البحرين في جزيرة المحرق، وأنجبت منه تسعة من الأبناء "يوسف وعبدالرحمن رحمة الله عليهما، وعبدالعزيز، وعدنان، وعارف، وعادل، وعبدالحكيم، وعاطف و محمد".
وقال إن "الحاجة عائشة كرست، وهي الأمية في تعليمها، حياتها لتربية أبنائها حيث أنشأتهم على القيم والأخلاق الحميدة، وشجعتهم على التعلم واكتساب المعارف، وحرصت على دفع أبناءها على التمييز في دراستهم حتى تبوؤوا مناصب عالية ووضعوا في مواضع تحمل المسؤولية، ونظراً لكثرة سفر زوجها وانشغاله برحلات التجارة فقد وفر لها العديد من الخدم من رجال ونساء يساعدونها في تربية أبنائها وإدارة شؤون المنزل، وبالإضافة لدورها في رعاية أسرتها، كان لها دور اجتماعي واضح من خلال مجلسها النسائي".
الدور الاجتماعي لمجلس الحاجة عائشة
وتحدث عدنان يوسف عن مجلس والدته قائلاً "مجلس عائشة المطروشي مجلس يومي، يضم نساء من شرائح متنوعة ومستويات مختلفة، فهو بمثابة منتدى يجمع النساء سواء من أهل الحي و من خارجه على اختلاف مستوياتهن الاجتماعية والمادية، فتجد بينهن نساء من الأسر الغنية وذات مستوى اجتماعي عال مثل، زوجات التجار والنواخذه، وتجد من بينهن السيدات البسيطات من أسر متواضعة، كما تجد نساء من مختلف الجنسيات فبالإضافة للسيدات البحرينيات، تجد المجلس يضم نساء من جنسيات مختلفة مثل المصريات وهنديات وبريطانيات، ولبنانيات وغيرها من الجنسيات كما يضم المجلس نساء من مختلف الطوائف والأديان مثل: الشافعيات، والحنبليات، والجعفريات، واليهوديات، والمسيحيات، ويضم المجلس نساء من أعراق مختلفة فبينهم "الهولة" والهولة هم العرب الذين تحولوا للعيش في إيران لفترات طويلة نتيجة القحط في شبه الجزيرة العربية، كما يضم المجلس نساء من أصول عربية، ومن أصول أعجمية، هذا التنوع شكل انعكاساً للنسيج الاجتماعي البحريني آنذاك وكان المجلس يجمعهن رغم هذه الاختلافات لقدرة الحاجة عائشة على إدارة الحوار المتوازن، ومرونتها ولتقبلها للفكر الآخر، وإيمانها بأهمية التسامح والتعايش مع الثقافات الأخرى، وقد كانت تحرص على أن تطرح قضايا اجتماعية حياتية تلامس احتياجات الجميع رغم الاختلافات المذهبية والعقائدية، فشكل المجلس متنفساً للجميع لاسيما لغير البحرينيات ففيه العوض عن غياب الأهل ويخفف معاناة الغربة، ويسهل عليهن الاندماج في المجتمع، وكانت النساء يحرصن على زيارة هذا المجلس حتى أن بعض النساء الأجنبيات اللاتي كان يقطنّ الحي اعتدن على زيارة مجلسها، وواصلن هذه الزيارات حتى بعد أن تركن الحي".
وتابع أن "للمجلس دور اجتماعي فاعل فكان المجلس أشبه بنادي اجتماعي يتجمع به النسائي صباحا ومساء يتبادلن الأحاديث، وتثار فيه مختلف القضايا الاجتماعية، قضايا الساعة والمستجدات الاجتماعية آنذاك فتجد كل امرأة تدلي بدلوها ورأيها حول تلك المستجدات مثل ظهور السينمات، والمذياع، وفتح المدارس، والتعامل مع المستوصفات الصحية، وغيرها من مستجدات الحياة وهي كثيرة في تلك المرحلة فتلك المرحلة تشكل بدايات لعهد انفتاح وتغير في النمط الاجتماعي، كما كان للمجلس دور قوي في ترسيخ ثقافة "السنع"، "الآداب الاجتماعية"، لأجيال عديدة في البحرين على مدى العقود الماضية، وتمكنت من التفاعل مع متطلبات ومستجدات كافة المراحل التي مرت بالبحرين فكانت تساند أهالي الفريج على مواجهة التحديات، وتميزت بحضورها وعطائها المتواصل، فأصبحت لها مسيرة ثرية بعطائها.
ولمجلس الحاجة عائشة دور في الإرشاد الأسري، حيث تطرح القضايا الأسرية مثل قضايا تربية الأبناء والمشاكل الزوجية، والمستجدات التي تطرأ على الأسرة لاسيما بعد أن بدأت بعض العائلات ترسل بناتها للتعليم في المدارس النظامية وغيرها، وكم كانت تلجأ بعض الأسر للحاجة عائشة لمساعدتها في حل الخلافات الأسرية والزوجيه، والاستئناس برأيها، وذلك لحكمتها ورجاحة عقلها.
ويروي ابن الحاجة عائشة المطروشي أن "من سمات هذا المجلس "كسر الحاجز بين المدرسة والحي" حيث كانت تحرص على التواصل مع مدرسة الحي وهي مدرسة أبو عبيدة بن الجراح، والتي تحولت إلى مدرسة للبنات فيما بعد فهي تؤمن بدور العلم في الارتقاء بالمجتمع فكانت تحفز جميع من في المدرسة سواء كانوا إداريين أو معلمين على التواصل معها، حيث ترسل لهم الضيافة مثل القهوة العربية والحلويات الشعبية مثل العصيدة والبلاليط، والخبيص وفاكهة الموسم كالرطب واللوز والبطيخ وغيرها وتتواصل معهم وتشجعهن على ارتياد المجلس لتتباحث معهن في القضايا الاجتماعية وفي هموم الحي، وكيفية معالجتها في الموقف التعليمي والتربوي، فهي تؤمن أن المدرسة لها رسالة تربوية وتسهم في التغير الاجتماعي".
وقال إن "للأطفال مساحة في مجلس الحاجة عائشة، فلا تستغرب من وجود الأطفال سواء كانوا بنات أم أولاداً، في هذا المجلس بل وتراهم يمرحون في أرجاء البيت كله سواء في الليوان أو الحوش، وهم الأطفال الذين يرافقون أمهاتهم في زيارتهن لها، وأطفال المدرسة المقابلة، لاسيما أصدقاء أبنائها حيث اعتادوا على ارتياد هذا البيت لما يلاقونه من كرم الضيافة وحسن المعاملة والترحيب، حيث كانت تقدم لهم الحلويات والمشروبات الباردة، وتتحاور معهم، وتستمع لأحاديثهم الجميلة. ومن هؤلاء الأطفال عبدالوهاب الحواج وهو الآن تاجر بحريني قديم، وتاجر الحلوى المعروف فؤاد شويطر، وخالد المعاودة، وعارف جمشير، ومن الأطفال الذين يرتادون هذا المجلس أطفال حي "فريج البناني" أي البناء وهم من أبناء الطائفة الجعفرية مثل ناجي حسين، أحمد جعفر، فريد ضيف.
وذكر أنه "قد عرف عن الحاجة عائشة الكرم فهي تكرم ضيوفها وتقدم أفضل أنواع الأطعمة، كما أنها تجزل العطاء للفقراء والمحتاجين، وبالطبع عطاؤها وكرمها يمتدان للأطفال والصغار الذين يرتادون مجلسها".
شاهد على العصر
ويؤكد عدنان يوسف أنه "لا يزال "البيت العود" منزل الحاج أحمد بن يوسف شاهداً على علم، في ذات المكان ليشهد على ذاك الزمان، وعلى الرغم من أن عمر هذا المبنى حوالي 150 عاماً إلا أن الأبناء قد اهتموا بصيانته مع الحفاظ على نفس معالمه وهيكله، فقد بني من حصى البحر، ومازال صامداً، متماسكاً أمام السنين، كما حافظوا على تصاميمه القديمة، وتقسم غرفة، وزخارفة، وقد جددت بأيدي فنانين ونحاتين مهرة من حي "البنائين" القديم الذين يقع قرب حي الشيوخ، وقد تم صيانة وتجديد هذا المنزل عدة مرات وقد كان آخر تجديد له عام 2015 حتى كاد أن يتحول لمعلم سياحي، فعندما تتجول في أرجاء البيت يسلب عقلك تصاميمه البحرينية القديمة الجميلة، وتتوزع في أرجاء المنزل صور لرجال ونساء كان هذا البيت مسكنهم، ويشدك وثائق تاريخية مصورة ومعلقة على الجدران، تلك الصور تحكي ذكريات قديمة لتلك العائلة، حتى وكأنك تسمع أصواتهم وتشعر بوجودهم.
ولا يزال هذا المسكن يحتضن مجلس اللنساء، ومجلسا آخر للرجال، حيث يتجمع فيها أبناء الحاجة عائشة لإحياء مجلس الرجال ليلة الجمعة من كل أسبوع، كما تحي الحاجة "الجازية بنت الشيخ محمد سعيد" ابنة خال الحاجة عائشة المطروشي المجلس النسائي، وزوجة أحد أبنائها. لايزال هؤلاء الرجال والنساء الذين قضوا طفولتهم في هذا المجلس وترعرعوا فيه يرتادونه ويحيون هذا المجلس، ليستعيدوا ذكريات طفولتهم فيه.
مصايف البحرين
اعتاد أهل البحرين أن يقضوا فصل الصيف في أحد المصايف التي تقع على البحر، مثل مصيف عراد، ومصيف القضيبية، حيث تميزت هذه المصايف بالجو العليل نتيجة قربها من البحر كما أنها ثرية بالمزارع والأشجار والنخيل، وعيون الماء العذبة، وبرك السباحة، فيقضون الناس ثلاثة أشهر من الصيف وهي شهر وجولاي وأغسطس وسبتمبر، في هذه المناطق حيث يسكنون في بيوت مصنوعة من سعف النخيل "تسمى العريش" تصنع بأيدي البحرينيين المهرة مصممة بطريقة إبداعية، بحيث تسمح للهواء للدخول لجميع العرشان بشكل متساوٍ ومن جميع الاتجاهات، ويحكم بناء هذه "العرشان" أعراف وآداب، حيث تبنى متراصة في خط واحد وارتفاع واحد وكأنها قاطرة طويلة، وذلك كي لا يحجب كل بيت الهواء عن البيت الآخر، إنها إبداعات هندسية تتناسب مع البيئة والطبيعة.
ويروي عدنا يوسف "عندما تطرق باب مجلس الحاجة عائشة في هذه الأشهر تجده مغلقاً شأنه شأن أبواب جميع بيوت منطقة المحرق فغالبية السكان ينتقلون لتلك المصايف، لاسيما المقتدرين منهم، وبالطبع تغلق الحاجة عايشه هذا المجلس صيفاً فهي تنتقل لقضاء فصل الصيف في مصيف عراد".
باقي الأثر
ربما رحلت الحاجة عائشة المطروشي، رحمها الله، بجسدها عن دنيانا ولكنها تركت لنا سيرة عطرة ومثالاً يحتذى به فهي مثال للمرأة التي حرصت على التفاعل الاجتماعي والتواصل بين السيدات، لا يزال مجلسها شاهداً على دور المرأة البحرينية الاجتماعي منذ القدم، لتسير على نهجها النساء جيلاً بعد جيل، فدعونا نواصل هذا الدرب، ودعونا نحيِ المجالس النسائية ونثرِها بتبادل الخبرات بين السيدات، وتفاعلهن الاجتماعي.