استضاف مركز عيسى الثقافي على مدى يومين متتاليين أعمال ندوة "النظام العالمي في ظل جائحة كورونا" التي تنظمها الأمانة العامة لتحالف مراكز الفكر والثقافة العربية عبر تقنية الاتصال المرئي، بمشاركة واسعة من مسؤولين ومفكرين وخبراء على مستوى الوطن العربي.وقدّم السيد نبيل بن يعقوب الحمر مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام، خلال كلمته الرئيسية في افتتاح أعمال الندوة، نظرة تفاؤلية لما بعد وباء كورونا المستجد حيث أكد أنه وسط تتضارب الآراء المتفائلة والمتشائمة، تتجدد أحاسيس انسانية تحث على تبني النظريات التي من خلالها يمكن للعالم الخروج من هذا المأزق الكبير، ذاكرًا أن الإنسانية لا تقبل التراجع ولا تستسلم أبدا للتحديات المعيقة.وأضاف المستشار الحمر بأن التسابق العلمي الحثيث الذي يستهدف ابتكار الدواء لإنقاذ البشرية من الهلاك بعيدا عن الأنانية يشكل حالة فريدة من التعاون الدولي في مواجهة وباء الكورونا، قائلًا " منذ أكثر من عام انصبت كل المحادثات والمشاورات بين عواصم العالم على التنسيق وتبادل المعلومات العلمية لمكافحة الوباء، وكانت كل الندوات والمؤتمرات تتوجه في تناسق كوني نحو مقاتلة الوباء".وقال بأن الرصيد الإنساني الحضاري أثبت أنه غيّر بالفعل شروط حياة الإنسان إلى الأفضل، ذاكرًا أنه لا يمكن القول بأن النظام العالمي الحالي على وشك الانهيار بسبب الجائحة، بل ان التعاون المتبادل بين الدول في ظروف ما مرت به من تحدي في مواجهة وباء كورونا سيجعل من هذه الدول تتشبث أكثر بالنظام العالمي القائم وتطويره ومن خلال التعاون المتعدد الأطراف وإيجاد حلول للمشاكل والأزمات الكبرى بشكل جماعي وتكاملي يؤدي الى نظام عالمي اكثر أمنا وسلامًا.ومن جانبه، أشاد د. الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة نائب رئيس مجلس الأمناء المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي، خلال كلمته الترحيبية، بالجهود الإنسانية الوطنية الكبيرة التي يقودها صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للتصدي فيروس كورونا (كوفيد 1٩)، والتي قدمت من خلالها مملكة البحرين وعبر الفريق الوطني الطبي، نموذجًا رائدًا على المستوى الدولي، في سبيل توفير الرعاية الصحية والحفاظ على سلامة وصحة المواطنين والمقيمين.واستعرض د. الشيخ خالد، قراءة تاريخية استنتج فيها أن جائحة كورونا (كوفيد19) انفردت دون سواها من الجوائح التي مرت بها الإنسانية في تاريخها بعددٍ من الخصائص، مشيرًا إلى "أن تاريخ الأوبئة العابرة للقارات كانت ذاتَ طابعٍ نطاقيٍّ من حيثُ انتشارِها جغرافيًّا ، وهو ما ساهم إلى حدٍ ما في السيطرة عليها والتحكم في تَمدُّدِها وكَبْحِ جماحِها وانتشارِها، وذلك على عكس طبيعة جائحة كورونا التي تُعَدُّ من أسوأ الأوبئة التي اجتاحت الكرة الأرضية على الإطلاق" مضيفاً بأن ذلك أحدثَ موجةً جديدةً من التغيرات الجذرية في السلوك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي، وكشفَت عن حقيقة سياسات الدول تجاه مواطنيها والعالم.وتساءل عن جدوى النظام العالمي المنفتح بمصراعَيْهِ، وما سبَّبَهُ هذا النظام من اهتراء محدداتِ الإدارة المحلية وخصوصياتها في العديد من دول العالم، والعجز عن تطبيق أبسط المعايير الوقائية، بسبب أولويات النظام العالمي وأجندته المفروضة على تلك الدول، لافتا إلى أن البحرين جاءت ضمن أولى الدول عربيا في أمانها ضد جائحة كورونا، وذلك بفضل سياساتِها التي وازنت بين إكراهات النظام العالمي وبين خصوصيتها الانفتاحية، فوضعت المواطن والمقيم والزائر نصب عينيها، وجعلت وقاية المجتمع والحفاظ عليه مستقرا ومستديما من بين أولوياتها.إلى ذلك، أكد معالي د. جمال سند السويدي نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية رئيس مجلس أمناء التحالف، في تصريح خاص له، على أهمية هذه الندوة الاستثنائية الافتراضية التي تدخل منعطفًا جديدًا من خلال استخدام التقنية الإلكترونية عن بعد في ظل الظروف العالمية والإقليمية الراهنة والاجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي من خلال طرح الدراسات المقدمة من المراكز البحثية والفكرية والثقافية والمفكرين والباحثين والإعلاميين الاعضاء في التحالف ومناقشتها وتوحيد الدراسات وإصدار بيان وتقرير مفصل من منتدى الفكر والثقافة وتقديمها الى متخذي القرار للنظر فيها لوضع الخطط والحلول والخيارات المناسبة.وتناولت الندوة الافتراضية على مدى يومين أربعة محاور للنظر في تأثير جائحة كورونا المستجد على أسس النظام العالمي المقبل، ومحددات وإكراهات الدولة الجديدة، إلى جانب محددات القوة في الجغرافيا السياسية العالمية الجديدة، فضلا عن تأثير ذلك على أسس العلاقات الاجتماعية الجديدة.وترأست جميلة علي سلمان النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى بمملكة البحرين الجلسة الأولى من الندوة، والتي تحدث فيها كل من الأستاذ أسامة هيكل وزير الإعلام المصري، و د. محمد أبو حمور أمين عام منتدى الفكر العربي بالأردن، والمفكر والأكاديمي المغربي د. عبدالحق عزوزي. فيما تحدث كل من د. أسعد الشملان أستاذ العلوم السياسية بمعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية بالسعودية، و د. محمد بن هويدن أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الإمارات، وخليل الذوادي الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون العربية والأمن القومي بجامعة الدول العربية، حيث أدار الجلسة محمد يوسف محمد رئيس الإعلام والنشر بمركز عيسى الثقافي.وفي اليوم الثاني، ترأس د. صالح المانع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود بالسعودية، التي تحدث فيها كل من حسين المجالي عضو مجلس الأعيان الأردني، و د. محمد توفيق ملين مدير عام المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بالمغرب، والأستاذ سامي النصف المحلل السياسي ووزير الإعلام الأسبق بالكويت.بينما استعرضت الجلسة الرابعة والأخيرة مشاركات كل من د. محمد العرابي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، والدكتور عايد المانع الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي، الكاتب الصحفي والإعلامي الإماراتي محمد الحمادي، وأدار الجلسة كايد هاشم مساعد الأمين العام لمنتدى الفكر العربي بالأردن.وفي ختام الندوة، أصدر المشاركون بيانا قدموا فيه شكرهم وتقديرهم للأمانة العامة، معربين عن بالغ الاعتزاز والشكر لمعالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي المؤسس الأول للتحالف والداعم الكبير لاستمراريته، مشيدين بالجهود المميزة لفريق العمل بمركز عيسى الثقافي بمملكة البحرين في انجاح تجربة الندوة الافتراضية عن بعد، من خلال استخدام التقنية الإلكترونية.وأكدوا على ضرورة تبني استراتيجيات فكرية من خلال إطلاق تحالفا فكريا لبلورة استراتيجية فاعلة للإجابة عن معضلات البناء التنموي والنهضوي والوحدوي في إطار عقلانية مرنة تعم الشكل والمضمون، والهياكل السياسية ومؤسساتها وعقلية وسلوك الجماعات والأفراد في الحاضر والمستقبل.ورأوا أن الذي يحدث يكمن في أن البيئة الدولية الجديدة أصبحت أكثر ضبابية وأكثر تعقيدا وأكثر غموضا من أي وقت مضى؛ فالقوة بالمفهوم القديم لن تصبح لها أي معنى، إذ تكفي حروب على شكل هجمات إلكترونية أو نشر أسلحة فيروسية لا ترى ويجهل مصدرها.ورحبت الأمانة العامة بدعوة المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بالمغرب لاستضافة النسخة القادمة من الندوة، بالتزامن مع إصدار المعهد تقريره الاستراتيجي السنوي حول موضوع "العالم الجديد ما بعد جائحة كوفيد 19" بالتركيز على مستقبل العالم العربي.