سماهر سيف اليزل:
أكد خبراء أن النهوض بالأسرة وحمايتها من التفكك والانهيار أصبح مطلوباً من جميع الفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية على حد سواء، وأن التفكير في الأسر وحمايتها يتطلبان كثيراً من التأمل والتخطيط لجميع وسائل التشكيل الثقافي والتربوي، داعين إلى إقامة الدورات المتخصصة، وتضمين مبادئ العرف الأسري الصحيح.
وأضافوا في ندوة "الوطن" بعنوان "التفكك الأسري وأثره على الفرد والمجتمع" أن الأسرة تواجه تحديات كبيرة، وغزواً فكرياً يحتاج إلى صناعة قوية ومتوازنة ولا سيما أننا نعيش عصر العولمة، ومن مؤشراته سرعة التغير، التي أسهمت في ظهور مشكلات التفكك الأسري، ما يستوجب تضافر الجهود لحماية الأسرة من التفكك والضياع من خلال اتباع منظومة من الإجراءات الاحترازية، ومنها اهتمام الوالدين بكافة شؤون أفراد الأسرة، وتفقد أحوال الأبناء والبنات والأطفال داخل منظومة الأسرة، والقدوة الصالحة من خلال تصرفات الأمهات والآباء بأن يكونوا المثل الأعلى، في القيم السلوكية، والتسلح بالمبادئ الإسلامية الفاضلة النابعة من تعاليم الدين، والسنة النبوية الشريفة.
وشارك في الندوة كل من المختص في الشأن الأسري د. شمسان المناعي، والخطيب في إدارة الأوقاف السنية ومحاضر للعلوم الشرعية في وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ أحمد الدعيس، والمحامية فوزية جناحي.
وفيما قال المناعي: "إن الأسرة تمثل الوحدة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع وإن علينا جميعاً استرجاع شعار الأسرة، باعتبار أن صلاحها سبب رئيسي لنهوض المجتمع لأنها ركيزته الأساسية" دعا الدعيس إلى حسن اختيار كل من الزوجين وقيام العلاقة الزوجية على التفاهم، والحوار والاحترام المتبادل، والتعاون من أجل بناء أسرة متينة وقوية.
وأجمع المشاركون على ضرورة تقديم برامج مخصصة لتنمية المهارات لدى الزوجين لتجنب تفاقم المشكلات واستخدام الأساليب المناسبة لحلها بطريقة تحافظ على تماسك الأسرة وترابط أفرادها.. وفيما يأتي نص الندوة:
"الوطن": ما هو مفهوم التفكك الأسري؟
- المناعي: التفكك الأسري يعني بعد أفراد الأسرة الواحدة بعضهم عن بعض وعدم ارتباطهم بالأحاسيس والمشاعر والأفعال، والتفكك الأسري يؤثر على جميع أفراد الأسرة، وخاصة الأبناء وكذلك يؤثر على المجتمع بأكمله.
التفكك الأسري قد يكون مباشراً وغير مباشر؛ فالتفكك المباشر يكون بالطلاق أو وفاة أحد الوالدين، والتفكك غير المباشر يطلق على الأسر التي تعيش تحت سقف واحد ويعانون من غياب التواصل بينهم.
- الدعيس: التفكُّك الأُسري هو انهيار الوَحدة الأسرية، وانحلال بناء الأدوار الاجتماعيَّة المرتبطة؛ وذلك عندما يفشَل عضو أو أكثر في القيام بالتزاماتِه ودَوْره بصورةٍ جيِّدة، والتفكك لا يعني الطلاق؛ فالطلاق قد يكون نتيجة لسلبيات ناتجة عن التفكك الأسري.
"الوطن": ما هي أسباب التفكك الأسري؟
- المناعي: الأب الحاضر الغائب بأن يقضي معظم وقته خارج المنزل سواء في عمله أو مع أصدقائه ويحرم زوجته وأبناءه من الجلوس والحوار معه، والأم الحاضرة الغائبة بأن تكون منشغلة بعملها عن أسرتها وزوجها أو كثرة لقاءاتها مع صديقاتها متناسية دورها كزوجة وأم، وصراع الأدوار حيث يتنافس الزوج والزوجة ليحل أحدهما مكان الآخر حيث تسعى المرأة لأن تكون هي قائد السفينة وهو ما يتنافى مع فطرة وطباع الرجل.
أضف إلى ذلك ثورة الاتصالات الحديثة، حيث إن إفراط الفرد في استخدام وسائل التواصل الحديثة قد يؤدي غالباً إلى إهمال مسؤولياته وواجباته تجاه أسرته.
كما أصبحت الخادمة تحل محل الزوجة في كافة أمور المنزل ورعاية الأطفال، والوضع الاقتصادي للأسرة سواء بحالة الثراء أو الفقر فنجد الأغنياء ينشغلون بالمال عن أسرهم وفي حالة الفقر نجد الأب غير قادر على توفير احتياجات أسرته.
"الوطن": كيف يمكن الحفاظ على كيان الأسر من التشتت؟
- الدعيس: الأسرة السليمة هي الأسرة القائمة على معاني الحب والعطف والحنان، والاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الزوجات والأبناء، وتبادل الحب مع الأفراد والأبناء.
إذن الأسرة السليمة هي الأسرة المتعاونة، التي يكون فيها الزوج متعاوناً متساعداً، وهي الأسرة التي تقوم على رعاية الحقوق والقيام بالواجبات، حيث إن بعض الأزواج يظن أن الواجبات على المرأة فقط، ولكن هذا مفهوم مغلوط ولا يقتصر دور الرجل في تأمين المادة، بل يجب أن يكون دوراً تكاملياً، فيجب على الزوج أن يقوم بدور التوجيه والتعليم وغرس القيم العالية في الأبناء، فالوالد له قيمة نفسية على الأبناء.
- "الوطن": ما هي الآثار الناجمة عن التفكك الأسري؟
- المناعي: للتفكك الأسري عدة آثار سواء على الأبناء أو على المجتمع ككل، فبالنسبة إلى آثاره على الأبناء تتمثل في ضعف شعورهم بالأمان والاستقرار داخل الأسرة، حيث يعيش الأبناء في حالة اضطراب وقلق بشكل مستمرين، قد يتسبب في خلق حالة من العدائية عند الأبناء، وهناك علاقة وطيدة ما بين التفكك الأسري والسلوك الإجرامي، حيث إن غياب أحد الوالدين يؤدي إلى غياب السلطة الضابطة والتوجيهية ما يعرض الشخص للتوتر والقلق والحرمان والاضطهاد ويشكل لديه ميلاً لممارسة السلوك الإجرامي، أو أحياناً مرضاً عقلياً ونفسياً، كما يكونون أقل حساسية للقبول الاجتماعي وأقل قدرة على ضبط النفس وأكثر ضيقاً.
"الوطن": هل هناك حالات يعود فيها الزوجان إلى شيوخ الدين للإصلاح فيما بينهم من باب الوازع الديني؟
- الدعيس: نعم، يحصل هذا الأمر بكثرة، إلا أنني غالباً ما أحيلهم إلى المختصين، المعتنين باختصاصات الأسرة، كما أن أغلب الحالات تكون في بداية الزواج، وخاصة أن مشاكلهم كثيرة.
"الوطن" بحسب إحصائية لوزارة العدل في 2019 هناك نحو 5500 عقد زواج، مقابلها 2000 حالة طلاق، فما تعليقكم على هذه النسبة؟
- المناعي: تعود أسباب هذه النسب المرتفعة إلى التغيرات والتحولات أو العادات الدخيلة على المجتمع وخاصة تطور وسائل الاتصالات الإلكترونية؛ فالعولمة ألقت بظلال قاتمة السواد، وأسهمت في ظهور مشكلات التفكك الأسري رغم بعض إيجابياتها، التي يمكن استثمارها، وفقاً لقيمنا الإسلامية والعربية، حيث أدّت في كثير من الأحيان التكنولوجيا دوراً سلبياً في العلاقة بين الأزواج، فأصبح بعضهم يمضي وقتاً كبيراً على أجهزة الهاتف، ما يثير شعوراً بعدم الاهتمام من الطرفين ويؤدي ذلك إلى نشوب النزاع ومشاكل عديدة فيما بينهم وعدم رضا عن العلاقة.
هذه التحولات التكنولوجية أفرزت تفاعلات جديدة للعلاقات الأسرية وأدت إلى تعزيز العزلة والتنافر بين أفرادها وتلاشي قيم التواصل الأسري، واستبدل الأبناء الإنترنت بآبائهم كمصدر للمعلومات وفقدوا الترابط الأسري والتصقوا بالحوار مع الغرباء إلى درجة الشعور بالغربة على مستوى الأسرة الواحدة.
- جناحي: أبرز حالات التفكك والطلاق تحدث من حديثي الزواج الذين لم يتعدوا 5 سنوات، وهناك أسباب منها البخل، وعدم التثقيف حول حقوق وواجبات الأزواج، ومفهوم الأمهات السائد للبحث عن زوجة صالحة للابن الفاسد لتسوية سلوكه وإجباره على الالتزام، وغياب التفاهم، وعدم التعامل في فترة الخطوبة بالوجوه الحقيقية، وجفاف العاطفة والمشاعر بين الاثنين، وقلة صبر الأزواج.
كما تعود الأسباب أيضاً إلى سوء معايير اختيار الزوجة والزوج، التي لا تبنى على أسس صحيحة، وضعف التوعية والتوجيه من قبل الآباء والأمهات، وغياب التواصل الفكري وعدم التوافق في الاتجاهات، والرغبة في التفاخر الاجتماعي ومباراة الموضة دون مراعاة الوضع الاقتصادي.
"الوطن": ما هي أهم الآليات التي تتخذ لحل النزاع الزوجي بشكل ودي؟
- جناحي: من أهم الآليات المقبولة مجتمعياً "آلية الوساطة الأسرية"، وغالباً ما يقوم بها بعض أقرباء الزوجين، بحيث ينقلون وجهات نظر كل طرف مع محاولة الوصول إلى إتفاق بين الزوجين.
وظهرت بعد ذلك مراكز متخصصة في الوساطة الأسرية، بفضل الله، ثم بفضل الدعم والجهد المبذول من المجلس الأعلى للمرأة تحت قيادة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، بالإضافة إلى مكاتب التوفيق الأسري التابعة لمحكمة الأسرة، وما يقوم به بعض المحامين من محاولة التوفيق بين الطرفين قبل رفع الدعوى.
"الوطن": هل تم تطبيق الوساطة في حل القضايا الزوجية؟
- جناحي: بصفة شخصية، أنا أقوم بأعمال الوساطة الأسرية قبل الدخول في أي نزاع قضائي، ويوجد عدد من الزملاء يفعلون نفس الأمر. وتمارس مكاتب التوفيق الأسري بالمحاكم الشرعية دور الوساطة الأسرية بقدر جيد من الاحترافية والحيادية.
"الوطن": ما هي الحلول الممكنة لتقليل أو تفادي هذا التفكك؟
- الدعيس: الحل يكمن في إقامة الدورات المتخصصة، وتضمين مبادئ العرف الأسري الصحيح، والتآلف والرحمة، وقيام الأسرة على الحب والتعاون في المناهج الدراسية لمراحل الثانوية والجامعة، وتخصيص مادة للتدريس، وتفعيل دور الإعلام المرئي، واستغلال أوقات الفراغ لدى الطلاب بإنشاء دورات متخصصة لهم وتوسيع مجال الإصلاح الأسري عبر المراكز المتخصصة.
- جناحي: محاكاة النسخة الماليزية في جعل الدورات ما قبل الزواج إجبارية إلزامية الاجتياز، حيث إن المقدم لا يكون كافياً، وضرورة تسليط الضوء الإعلامي سواء المرئي والمقروء وعرض برامج توعوية تثقيفية تأسيسيه، ووجوب توجيه الفتيات وتعليمهن أساسيات الحياة الزوجية، وتهيئة الابنة والابن للزواج، والتوعية بالعلاقة الزوجية حقوقها وواجبتها، وتوعية لأولياء الأمور حول حدود تدخلهم وأدوارهم في الحفاظ على الأسر من التفكك.
"الوطن": كيف ساهم مكتب التوفيق الأسري في حل المنازعات الزوجية؟
- جناحي: مما لا شك فيه أن مكاتب التوفيق الأسري ساهمت في خفض عدد الدعاوى المنظورة أمام المحاكم، عن طريق الوساطة بين الزوجين وتقريب وجهات النظر، وبيان أضرار الطلاق على المحضون.
وهو دور إيجابي نثمنه، ونتمنى أن يتم تطوير دور الوساطة الأسرية، بحيث يكون لموظفي التوفيق الأسري حق معاينة مسكن الحضانة أو التواصل المباشر مع المحضون، لما في ذلك من فائدة في التعرف على الحلول المتاحة لأسباب الخلاف والشقاق بين الزوجين.
"الوطن": ما هي أهم التعديلات التي صدرت على قانون الإجراءات الشرعية لعام 2015؟
- جناحي: صدر القانون رقم (22) لسنة 2015 بتعديل قانون الإجراءات الشرعية، ومن أبرز هذه التعديلات:
1ـ تنظيم وإنشاء مكاتب التوفيق الأسري.
2ـ فتح باب الطعن بالتمييز في الأحكام الشرعية النهائية.
3ـ الاعتداد بمحاضر الصلح المحررة أمام مكاتب التوفيق ومنحها قوة السند التنفيذي.
4ـ كما تضمن هذا التعديل نصاً مهماً، بسريان قانون المرافعات وقانون الإثبات فيما لم يرد به نص في قانون الإجراءات الشرعية.
{{ article.visit_count }}
أكد خبراء أن النهوض بالأسرة وحمايتها من التفكك والانهيار أصبح مطلوباً من جميع الفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية على حد سواء، وأن التفكير في الأسر وحمايتها يتطلبان كثيراً من التأمل والتخطيط لجميع وسائل التشكيل الثقافي والتربوي، داعين إلى إقامة الدورات المتخصصة، وتضمين مبادئ العرف الأسري الصحيح.
وأضافوا في ندوة "الوطن" بعنوان "التفكك الأسري وأثره على الفرد والمجتمع" أن الأسرة تواجه تحديات كبيرة، وغزواً فكرياً يحتاج إلى صناعة قوية ومتوازنة ولا سيما أننا نعيش عصر العولمة، ومن مؤشراته سرعة التغير، التي أسهمت في ظهور مشكلات التفكك الأسري، ما يستوجب تضافر الجهود لحماية الأسرة من التفكك والضياع من خلال اتباع منظومة من الإجراءات الاحترازية، ومنها اهتمام الوالدين بكافة شؤون أفراد الأسرة، وتفقد أحوال الأبناء والبنات والأطفال داخل منظومة الأسرة، والقدوة الصالحة من خلال تصرفات الأمهات والآباء بأن يكونوا المثل الأعلى، في القيم السلوكية، والتسلح بالمبادئ الإسلامية الفاضلة النابعة من تعاليم الدين، والسنة النبوية الشريفة.
وشارك في الندوة كل من المختص في الشأن الأسري د. شمسان المناعي، والخطيب في إدارة الأوقاف السنية ومحاضر للعلوم الشرعية في وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ أحمد الدعيس، والمحامية فوزية جناحي.
وفيما قال المناعي: "إن الأسرة تمثل الوحدة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع وإن علينا جميعاً استرجاع شعار الأسرة، باعتبار أن صلاحها سبب رئيسي لنهوض المجتمع لأنها ركيزته الأساسية" دعا الدعيس إلى حسن اختيار كل من الزوجين وقيام العلاقة الزوجية على التفاهم، والحوار والاحترام المتبادل، والتعاون من أجل بناء أسرة متينة وقوية.
وأجمع المشاركون على ضرورة تقديم برامج مخصصة لتنمية المهارات لدى الزوجين لتجنب تفاقم المشكلات واستخدام الأساليب المناسبة لحلها بطريقة تحافظ على تماسك الأسرة وترابط أفرادها.. وفيما يأتي نص الندوة:
"الوطن": ما هو مفهوم التفكك الأسري؟
- المناعي: التفكك الأسري يعني بعد أفراد الأسرة الواحدة بعضهم عن بعض وعدم ارتباطهم بالأحاسيس والمشاعر والأفعال، والتفكك الأسري يؤثر على جميع أفراد الأسرة، وخاصة الأبناء وكذلك يؤثر على المجتمع بأكمله.
التفكك الأسري قد يكون مباشراً وغير مباشر؛ فالتفكك المباشر يكون بالطلاق أو وفاة أحد الوالدين، والتفكك غير المباشر يطلق على الأسر التي تعيش تحت سقف واحد ويعانون من غياب التواصل بينهم.
- الدعيس: التفكُّك الأُسري هو انهيار الوَحدة الأسرية، وانحلال بناء الأدوار الاجتماعيَّة المرتبطة؛ وذلك عندما يفشَل عضو أو أكثر في القيام بالتزاماتِه ودَوْره بصورةٍ جيِّدة، والتفكك لا يعني الطلاق؛ فالطلاق قد يكون نتيجة لسلبيات ناتجة عن التفكك الأسري.
"الوطن": ما هي أسباب التفكك الأسري؟
- المناعي: الأب الحاضر الغائب بأن يقضي معظم وقته خارج المنزل سواء في عمله أو مع أصدقائه ويحرم زوجته وأبناءه من الجلوس والحوار معه، والأم الحاضرة الغائبة بأن تكون منشغلة بعملها عن أسرتها وزوجها أو كثرة لقاءاتها مع صديقاتها متناسية دورها كزوجة وأم، وصراع الأدوار حيث يتنافس الزوج والزوجة ليحل أحدهما مكان الآخر حيث تسعى المرأة لأن تكون هي قائد السفينة وهو ما يتنافى مع فطرة وطباع الرجل.
أضف إلى ذلك ثورة الاتصالات الحديثة، حيث إن إفراط الفرد في استخدام وسائل التواصل الحديثة قد يؤدي غالباً إلى إهمال مسؤولياته وواجباته تجاه أسرته.
كما أصبحت الخادمة تحل محل الزوجة في كافة أمور المنزل ورعاية الأطفال، والوضع الاقتصادي للأسرة سواء بحالة الثراء أو الفقر فنجد الأغنياء ينشغلون بالمال عن أسرهم وفي حالة الفقر نجد الأب غير قادر على توفير احتياجات أسرته.
"الوطن": كيف يمكن الحفاظ على كيان الأسر من التشتت؟
- الدعيس: الأسرة السليمة هي الأسرة القائمة على معاني الحب والعطف والحنان، والاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الزوجات والأبناء، وتبادل الحب مع الأفراد والأبناء.
إذن الأسرة السليمة هي الأسرة المتعاونة، التي يكون فيها الزوج متعاوناً متساعداً، وهي الأسرة التي تقوم على رعاية الحقوق والقيام بالواجبات، حيث إن بعض الأزواج يظن أن الواجبات على المرأة فقط، ولكن هذا مفهوم مغلوط ولا يقتصر دور الرجل في تأمين المادة، بل يجب أن يكون دوراً تكاملياً، فيجب على الزوج أن يقوم بدور التوجيه والتعليم وغرس القيم العالية في الأبناء، فالوالد له قيمة نفسية على الأبناء.
- "الوطن": ما هي الآثار الناجمة عن التفكك الأسري؟
- المناعي: للتفكك الأسري عدة آثار سواء على الأبناء أو على المجتمع ككل، فبالنسبة إلى آثاره على الأبناء تتمثل في ضعف شعورهم بالأمان والاستقرار داخل الأسرة، حيث يعيش الأبناء في حالة اضطراب وقلق بشكل مستمرين، قد يتسبب في خلق حالة من العدائية عند الأبناء، وهناك علاقة وطيدة ما بين التفكك الأسري والسلوك الإجرامي، حيث إن غياب أحد الوالدين يؤدي إلى غياب السلطة الضابطة والتوجيهية ما يعرض الشخص للتوتر والقلق والحرمان والاضطهاد ويشكل لديه ميلاً لممارسة السلوك الإجرامي، أو أحياناً مرضاً عقلياً ونفسياً، كما يكونون أقل حساسية للقبول الاجتماعي وأقل قدرة على ضبط النفس وأكثر ضيقاً.
"الوطن": هل هناك حالات يعود فيها الزوجان إلى شيوخ الدين للإصلاح فيما بينهم من باب الوازع الديني؟
- الدعيس: نعم، يحصل هذا الأمر بكثرة، إلا أنني غالباً ما أحيلهم إلى المختصين، المعتنين باختصاصات الأسرة، كما أن أغلب الحالات تكون في بداية الزواج، وخاصة أن مشاكلهم كثيرة.
"الوطن" بحسب إحصائية لوزارة العدل في 2019 هناك نحو 5500 عقد زواج، مقابلها 2000 حالة طلاق، فما تعليقكم على هذه النسبة؟
- المناعي: تعود أسباب هذه النسب المرتفعة إلى التغيرات والتحولات أو العادات الدخيلة على المجتمع وخاصة تطور وسائل الاتصالات الإلكترونية؛ فالعولمة ألقت بظلال قاتمة السواد، وأسهمت في ظهور مشكلات التفكك الأسري رغم بعض إيجابياتها، التي يمكن استثمارها، وفقاً لقيمنا الإسلامية والعربية، حيث أدّت في كثير من الأحيان التكنولوجيا دوراً سلبياً في العلاقة بين الأزواج، فأصبح بعضهم يمضي وقتاً كبيراً على أجهزة الهاتف، ما يثير شعوراً بعدم الاهتمام من الطرفين ويؤدي ذلك إلى نشوب النزاع ومشاكل عديدة فيما بينهم وعدم رضا عن العلاقة.
هذه التحولات التكنولوجية أفرزت تفاعلات جديدة للعلاقات الأسرية وأدت إلى تعزيز العزلة والتنافر بين أفرادها وتلاشي قيم التواصل الأسري، واستبدل الأبناء الإنترنت بآبائهم كمصدر للمعلومات وفقدوا الترابط الأسري والتصقوا بالحوار مع الغرباء إلى درجة الشعور بالغربة على مستوى الأسرة الواحدة.
- جناحي: أبرز حالات التفكك والطلاق تحدث من حديثي الزواج الذين لم يتعدوا 5 سنوات، وهناك أسباب منها البخل، وعدم التثقيف حول حقوق وواجبات الأزواج، ومفهوم الأمهات السائد للبحث عن زوجة صالحة للابن الفاسد لتسوية سلوكه وإجباره على الالتزام، وغياب التفاهم، وعدم التعامل في فترة الخطوبة بالوجوه الحقيقية، وجفاف العاطفة والمشاعر بين الاثنين، وقلة صبر الأزواج.
كما تعود الأسباب أيضاً إلى سوء معايير اختيار الزوجة والزوج، التي لا تبنى على أسس صحيحة، وضعف التوعية والتوجيه من قبل الآباء والأمهات، وغياب التواصل الفكري وعدم التوافق في الاتجاهات، والرغبة في التفاخر الاجتماعي ومباراة الموضة دون مراعاة الوضع الاقتصادي.
"الوطن": ما هي أهم الآليات التي تتخذ لحل النزاع الزوجي بشكل ودي؟
- جناحي: من أهم الآليات المقبولة مجتمعياً "آلية الوساطة الأسرية"، وغالباً ما يقوم بها بعض أقرباء الزوجين، بحيث ينقلون وجهات نظر كل طرف مع محاولة الوصول إلى إتفاق بين الزوجين.
وظهرت بعد ذلك مراكز متخصصة في الوساطة الأسرية، بفضل الله، ثم بفضل الدعم والجهد المبذول من المجلس الأعلى للمرأة تحت قيادة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، بالإضافة إلى مكاتب التوفيق الأسري التابعة لمحكمة الأسرة، وما يقوم به بعض المحامين من محاولة التوفيق بين الطرفين قبل رفع الدعوى.
"الوطن": هل تم تطبيق الوساطة في حل القضايا الزوجية؟
- جناحي: بصفة شخصية، أنا أقوم بأعمال الوساطة الأسرية قبل الدخول في أي نزاع قضائي، ويوجد عدد من الزملاء يفعلون نفس الأمر. وتمارس مكاتب التوفيق الأسري بالمحاكم الشرعية دور الوساطة الأسرية بقدر جيد من الاحترافية والحيادية.
"الوطن": ما هي الحلول الممكنة لتقليل أو تفادي هذا التفكك؟
- الدعيس: الحل يكمن في إقامة الدورات المتخصصة، وتضمين مبادئ العرف الأسري الصحيح، والتآلف والرحمة، وقيام الأسرة على الحب والتعاون في المناهج الدراسية لمراحل الثانوية والجامعة، وتخصيص مادة للتدريس، وتفعيل دور الإعلام المرئي، واستغلال أوقات الفراغ لدى الطلاب بإنشاء دورات متخصصة لهم وتوسيع مجال الإصلاح الأسري عبر المراكز المتخصصة.
- جناحي: محاكاة النسخة الماليزية في جعل الدورات ما قبل الزواج إجبارية إلزامية الاجتياز، حيث إن المقدم لا يكون كافياً، وضرورة تسليط الضوء الإعلامي سواء المرئي والمقروء وعرض برامج توعوية تثقيفية تأسيسيه، ووجوب توجيه الفتيات وتعليمهن أساسيات الحياة الزوجية، وتهيئة الابنة والابن للزواج، والتوعية بالعلاقة الزوجية حقوقها وواجبتها، وتوعية لأولياء الأمور حول حدود تدخلهم وأدوارهم في الحفاظ على الأسر من التفكك.
"الوطن": كيف ساهم مكتب التوفيق الأسري في حل المنازعات الزوجية؟
- جناحي: مما لا شك فيه أن مكاتب التوفيق الأسري ساهمت في خفض عدد الدعاوى المنظورة أمام المحاكم، عن طريق الوساطة بين الزوجين وتقريب وجهات النظر، وبيان أضرار الطلاق على المحضون.
وهو دور إيجابي نثمنه، ونتمنى أن يتم تطوير دور الوساطة الأسرية، بحيث يكون لموظفي التوفيق الأسري حق معاينة مسكن الحضانة أو التواصل المباشر مع المحضون، لما في ذلك من فائدة في التعرف على الحلول المتاحة لأسباب الخلاف والشقاق بين الزوجين.
"الوطن": ما هي أهم التعديلات التي صدرت على قانون الإجراءات الشرعية لعام 2015؟
- جناحي: صدر القانون رقم (22) لسنة 2015 بتعديل قانون الإجراءات الشرعية، ومن أبرز هذه التعديلات:
1ـ تنظيم وإنشاء مكاتب التوفيق الأسري.
2ـ فتح باب الطعن بالتمييز في الأحكام الشرعية النهائية.
3ـ الاعتداد بمحاضر الصلح المحررة أمام مكاتب التوفيق ومنحها قوة السند التنفيذي.
4ـ كما تضمن هذا التعديل نصاً مهماً، بسريان قانون المرافعات وقانون الإثبات فيما لم يرد به نص في قانون الإجراءات الشرعية.