منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، العام 1979، ذهب الناخبون إلى صناديق الاقتراع العديد من المرات، لاختيار رئيس للجمهورية، حيث سيكون أمام المواطنين المجال للإدلاء بأصواتهم للمرة الثالثة عشر، في يونيو القادم، ليتوج واحدٌ من سبع شخصيات تم تزكيتها من قبل "مجلس صيانة الدستور" رئيساً للدولة التي وإن كان نظامها جمهورياً، إلا أن لـ"الولي الفقيه" سلطات دستورية واسعة، تتجاوز رئيس الجمهورية.

التنافس الغائب!

على الأرجح، وكما عنونت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية "رئيسي مرشحٌ بلا منافس"، سيكون الرئيس الحالي لـ"السلطة القضائية" السيد إبراهيم رئيسي، هو "الحصان الرابح"، لا لكونه ينالُ شعبية واسعة، أو لبرنامجه الانتخابي العملي الذي يلبي احتياجات الإيرانيين، أو خبرته الإدارية؛ وإنما لأنه تمت إزاحة المنافسين له، وتحديداً الرئيس السابق لـ"مجلس الشورى الإسلامي" علي لاريجاني، والنائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري، فيما أُبقي على عدد محدود جداً من الأسماء، التي ليس من المتوقع أن تشكل تحدياً حقيقياً لرئيسي الذي يحظى بتأيد التيار "المتشدد"، ومؤسسة "الحرس الثوري" وأيضاً مباركة غير معلنة من مرشد الثورة آية الله علي خامنئي!

غياب التنافس، من شأنه التأثير على مستوى المشاركة الشعبية، وهو أمر حذّر منه، الأربعاء 26 مايو الجاري، الرئيس الإيراني حسن روحاني، عندما قال إنه "إذا سقطت المنافسة في الانتخابات، سقط الجسد"، ما يعني أن الروح ستكون غائبة، حيث من المتوقع أن تكون المشاركة في حدودها الدُنيا، عندما يذهب أنصار التيار "المتشدد" للتصويت لمرشحيهم!

حسن الخميني، حفيد زعيم الثورة الراحل آية الله الخميني، وبحسب ما نقله حساب "إيران إنترناشيونال" عبر منصة "تويتر"، رأى أن "الحكومة التي تنبثق عن هذه الانتخابات لن تكون قادرة على حل أي مشكلة، وستجد نفسها مسؤولة أمام الناس وأمام الله"، مضيفاً "لو كنت مكان المرشحين المؤهلين لسحبت ترشيحي".

رغم هذا النقد الواسع لطريقة إدارة الانتخابات، من أطياف لا يُشك في ولائها للثورة وقِيمها، إلا أن إبراهيم رئيسي، يبدو أنه يسير نحو سدة الحُكم، وأن "الحرس الثوري" غير عابئ بالانتقادات المتتالية، حتى لو جاءت من "رفاق الدرب والسلاح"، لأنه بحسب أحد الخبراء المتابعين للملف الإيراني "هذه الانتخابات لها هدف واحد: الإتيان بإبراهيم رئيسي، رئيساً للجمهورية، وفقط". وهذا الهدف رغم كُلفته العالية، إلا أن "الحرس الثوري والمتشددون، غير آبهين بذلك، وآخر ما يعنيهم هو رأي التيار المعتدل أو الإصلاحي"، لأنهم يرغبون في "حكومة ثورية، تتناغم مع سياسات مرشد الثورة، ومجلس الشورى، وتسير على ما يعتبرونه الأفكار الأصيلة للنظام"، ولهذا فهم "غير عابئين بحجم المشاركة الشعبية". إلا أن المُلفت للنظر بحسب الخبير الذي تحدثت معه "العربية.نت"، أن "مجلس صيانة الدستور لم يتوقف عند رأي المرشد الداعي لمشاركة شعبية واسعة، واتخذ قرارات نتيجتها عكس دعوة آية الله خامنئي، معتبرين أن المشاركة القليلة لن تؤثر على شرعية النظام ولا النتائج"، معتقداً أن "إبراهيم رئيسي وفق ذلك، تم اختيارهُ لرئاسة الجمهورية، ولم يتم انتخابه"!

انكفاء الإصلاحيين!

الإصلاحيون، وبعد استبعاد مرشحيهم للسباق الانتخابي، أعلنت آذر منصوري، المتحدثة باسم "جبهة الإصلاحات في إيران"، أنه "حُرمنا من فرصة المشاركة الفعالة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولن يكون لدينا مرشح في هذه الانتخابات"، بحسب ما نقلته قناة "إيران إنترناشيونال"، ما يعني أن الفريق الداعم للمشاركة في الانتخابات من التيار "الإصلاحي" لن يشارك هو الآخر، لمعرفته أن اقتراعه لن يكون له أي أثر، فضلاً عن عدم وجود شخصية تمثل أفكارهم.

الإقصاء والضعف الذي يعاني منه "الإصلاحيون"، تناولته صحيفة "شرق" الإصلاحية، في مقال للكاتب مهرشاد إيماني، حمل عنوان "وداعاً للإصلاحات"، جاء فيه "ربما لم يعتقد حتى أكثر الناس تشاؤماً أن جبهة سياسية في البلاد ستُستثنى من الساحة الانتخابية بهذه الطريقة، وستمنع عملياً من المنافسة قبل الدخول رسمياً في الانتخابات"، معتبراً أن "إزالة جبهة الإصلاح من الدائرة السياسية ليس فقط على حساب القوى الإصلاحية، ولكن تحقيق الحد الأدنى من المشاركة هو أول وأكبر ضرر للمصالح الوطنية".

منافسون أقل قوة!

ضمن قائمة السبعة، التي أعلن عنها "مجلس صيانة الدستور"، كان هنالك اسمان يُصنفان على أنهما "إصلاحيان": محافظ البنك المركزي عبدالناصر همتي، والنائب السابق لرئيس الجمهورية محسن مهر علي زاده، إلا أن "الإصلاحيين" لا يعتبرانهما "مرشحان خالصان لهما"؛ فعلي زاده "لا يمثل إلا الإصلاحيين الآذريين، ولا يُمثل عموم التيار الإصلاحي"، بحسب خبير بالملف الإيراني، تحدثت معه "العربية.نت"، مضيفاً "هنالك وجهة نظر تعتقد أن مجلس صيانة الدستور قبل بترشح علي زاده كونه ضعيفاً، وسبق له أن ترشح للانتخابات وفشل.. إضافة للرغبة في منع حدوث أي سخط بين الآذاريين".

ماذا عن عبدالناصر همتي؟ يجيب المصدرُ قائلاً "بدأ التشكيك في همتي، بكونه ليس من جماعة الرئيس حسن روحاني، وهذا التشكيك أتى من شخصيات مقربة من روحاني، خصوصاً أن قرارات البنك المركزي هي من سلطات المرشد الأعلى، فضلاً عن كونه شخصية عليها إشكالات كثيرة".

رغم ذلك، يرى مراقبٌ أن محافظ البنك المركزي، عبد الناصر همتي، قد يكون "الحصان الأسود"، الذي يُنافس السيد إبراهيم رئيسي في الانتخابات، ويُعلل ذلك بأنه "قد تكون هنالك ردة فعل شعبية، تقود لصعود همتي"، إلا أن حصول ذلك "يعد حتى الساعة أمراً مستبعداً، في ظل احتمالية انسحاب عدد من المرشحين لصالح رئيسي، ومن بينهم الأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي".

هي انتخابات يبدو أنها معلومة النتائجِ سلفاً، إلا إذا حصلت مفاجآت في الأيام القادمة، في جمهورية تتقلبُ فيها الموازين والسياسات، دون سابق إنذار، وفق ما يُقرره عِليةُ القوم، أو تفرضه الظروف السياسة والاقتصادية والشعبية القاهرة، التي قد ينحني النظام أمامها جزئياً، وهي انحناءة لا تلوحُ في الأفق!