تشارك مملكة البحرين شقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية احتفالاها بيوم التأسيس"، الذي يصادف للثاني والعشرين من فبراير، انطلاقًا من العلاقات الأخوية التاريخية الوطيدة بين البلدين الشقيقين، واعتزازًا بمسيرة الخير والعطاء الممتدة لأكثر من ثلاثة قرون، منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، وصولاً إلى العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية حفظه الله.

وتستذكر مملكة البحرين والأمة العربية والإسلامية في هذه المناسبة التاريخية ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى بقيادة الإمام محمد بن سعود في 22 فبراير 1727م، وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وإسهاماته في إرساء الوحدة والأمن والاستقرار في الجزيرة العربية والاستقلال السياسي وتأمين طرق الحج والتجارة والتصدي للحملات المعادية والحرص على الاستقرار الإقليمي، وغيرها من المنجزات التي توجت باختيار "الدرعية" عاصمة للثقافة العربية للعام 2030 بقرار من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) في ديسمبر 2021، وتصنيف حي الطريف التاريخي بالدرعية في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو عام 2010.

وشكلت الدولة السعودية الأولى (1727-1818) اللبنة الأولى في تأسيس المملكة، بتحقيقها منجزات سياسية وثقافية وحضارية وعمرانية لا زالت شاهدة على عظمتها، واستمرارها في مسيرة البناء والتوحيد والتنمية، مرورًا بتأسيس الدولة السعودية الثانية (1824-1891) على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، وصولاً إلى قيام الدولة السعودية الثالثة في عام 1902 بقيادة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وتوحيدها وتسميتها باسم (المملكة العربية السعودية) في يوم 23 سبتمبر 1932م، ليفتح صفحة مضيئة من تاريخ الحضارة الإنسانية، وتأسيس دولة حديثة موحدة ومستقرة على نهج الشريعة الإسلامية، وتواصل رسالتها في تقدم الوطن وخدمة الإسلام والمسلمين.

أكثر من ثلاثة قرون من العراقة والأصالة والإرث الحضاري والإنساني سطرت تاريخ المملكة العربية السعودية، وغرست محبة قادتها وملوكها في أعماق شعبها والعالم العربي والإسلامي، بعدما تمكنوا منذ النشأة الأولى للمملكة، وبفضل حكمتهم وحنكتهم السياسية، من تغيير مجرى التاريخ وقيادة بلاد صحراوية واسعة في شبه الجزيرة العربية إلى دولة حديثة قوية موحدة ومزدهرة سياسيًا واقتصاديًا وعمرانيًا وعسكريًا على قواعد شامخة من العدل والشورى والحكمة، ومستقبل مشرق بالإنجازات الرائدة والمستدامة في ضوء رؤيتها التنموية 2030، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وعضده الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، حفظهما الله.

ولقد عبر خادم الحرمين الشريفين عن فخره بهذا التاريخ العريق والحضارة العظيمة بتأكيده: "إن هذه الدولة التي قامت منذ ثلاثة قرون تقريبًا أو أكثر هي دولة التوحيد التي قامت على أسس ثابتة من الكتاب والسنة .. لقد كان توحيد المملكة الواسعة الأرجاء في كيان واحد تسوده المساواة والعدالة والثقة كأول نموذج ثابت الأركان في العصر الحديث في منطقتنا"، وهو ما أكده ولي عهده الأمين بقوله: "لدينا عمق تاريخي مهم جدًا موغل بالقدم ويتلاقى مع الكثير من الحضارات".

ودائمًا ما تؤكد مملكة البحرين بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، أيده الله، اعتزازها بالمواقف الأخوية التاريخية المشرفة للمملكة العربية السعودية، كعمق استراتيجي وحيوي لأمتها، وحصن منيع للإسلام والعروبة، وخير داعم لأمن البحرين واستقرارها ومسيرتها التنموية، تجسيدًا لنهج القائد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود– طيب الله ثراه وتعبيره عن أسمى معاني الأخوة بمقولته الخالدة: "لو تفرقت الأجسام فالقلوب مجتمعة إلى يوم الدين".

وقد أكد صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه في لقاء مع جريدة "الرياض" السعودية يوم 1/2/2000 هذه الثوابت التاريخية بقوله: "إن أساس التمييز في العلاقات السعودية البحرينية هو الإيمان المشترك بأن البلدين بلد واحد والشعبين شعب واحد وذلك أبًا عن جد"، مشيدًا جلالته بالدور السعودي المهم في دعم البحرين، باعتباره امتدادًا "لدور القيادة السعودية التاريخي في بناء الجزيرة العربية وهو دور ممتد من الماضي إلى المستقبل"، وأشار جلالته إلى "التواجد المتبادل في القلب والعقل بين البلدين والشعبين، فأهل البحرين متواجدون في المملكة، والأخوة السعوديون متواجدون في البحرين وهذا ملموس في كل بيت سعودي وبحريني ويصعب وضع الحدود بينهما أو التفريق بين ما هو سعودي وما هو بحريني"، موضحًا جلالته إن "مسيرة التطوير والتقدم كانت مشتركة .. بالذات منذ عهد الملك عبد العزيز والجد الأكبر عيسى بن على آل خليفة .. فلقد كان الجد الشيخ عيسى بن على معجبًا بقدرات الملك الشاب الموحد واعتبره ابنًا متميزًا من أعز أبنائه".

وعلى مر العقود والأزمنة، شكَّلت العلاقات البحرينية السعودية أنموذجًا في الأخوة التاريخية والشراكة الاستراتيجية المتنامية، والتي أرسى قواعدها الآباء والأجداد على أسس راسخة من وحدة الدين والتاريخ واللغة والدم ووشائج القربى والمودة والمصير الواحد المشترك، وبلغت أعلى مستوياتها من التكامل والترابط وتطابق المواقف خلال العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أيده الله ورعاه ، واكتسبت بُعدًا مؤسسيًا بإنشاء مجلس التنسيق البحريني السعودي في يوليو 2019 وتشكيله برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وأخيه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية حفظهما الله.

وفي إطار هذه الروابط الأخوية والتاريخية الراسخة، والعلاقات الثنائية المتميزة التي تجمع قيادتي البلدين وشعبيهما الشقيقين، وبناءً على توجيهات خادم الحرمين الشريفين، حققت الزيارة الرسمية الأخيرة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية إلى مملكة البحرين يومي 9-10 ديسمبر 2021 مكاسب عديدة في مسيرة التكامل التاريخي والاستراتيجي بين البلدين، وأثمرت المباحثات الرسمية والاجتماع الثاني لمجلس التنسيق البحريني السعودي عن تفاهمات مشتركة وتوقيع أربع مذكرات تفاهم للتعاون في مجالات: الأمن السيبراني، حماية حقوق الملكية الفكرية، التقييس والتجارة البينية، والبيئة، وإطلاق 65 مبادرة ضمن اللجان الفرعية الخمس للتنسيق السياسي، الأمني، الاقتصادي، الثقافي والإعلامي والسياحي والاجتماعي، والاستثماري والبيئي، بما في ذلك محاربة التطرف، ودعم الدبلوماسيين الشباب، تفعيلاً لأكثر من عشر اتفاقيات ثنائية موقعة منذ عام 1974 للتعاون الثقافي والإعلامي والأمني والدبلوماسي والقنصلي والنقل الجوي، وغيرها من الاتفاقيات الثنائية والخليجية والعربية.

وعززت المملكة العربية السعودية من موقعها كأكبر شريك اقتصادي لمملكة البحرين بمبادلات تجارية تتجاوز قيمتها 9 مليارات دولار أمريكي عام 2021، منها تجارة غير نفطية بقيمة 3.4 مليارات دولار، واستثمارات مباشرة بقيمة 9.96 مليارات دولار تعادل 30% من رصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البحرين بنهاية سبتمبر 2021، وتمثيلها نسبة 89% من السياحة الواردة إلى البحرين، إلى جانب إسهاماتها في دعم وتمويل العديد من مشروعات البنية التحتية، ومتابعة تنفيذ مدينة الملك عبدالله الطبية، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة والعمل على تدشين مشروع جسر الملك حمد للربط بين البلدين الشقيقين بطول 25 كيلومتر، وبموازاة جسر الملك فهد، على أربع مسارات للمركبات وربطه بشبكة سكك حديد دول مجلس التعاون الخليجي، بما يدعم ازدهار الحركة التجارية والسياحية والخدمات اللوجستية، والتعاون في مجال البيئة من خلال دعم البحرين لمبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر.

واتفق مجلس التنسيق البحريني السعودي في اجتماعه الثاني على عدة مبادرات ذات أبعاد تنموية واستراتيجية، منها: 10 مبادرات أمنية للتعاون في مجال الأمن السيبراني وتسهيل إجراءات العبور والتأشيرات والربط الشبكي المباشر، و11 مبادرة اقتصادية لتسهيل التداول في الأسواق المالية والتعاون في مجالات التقييس المختلفة وتقويم المطابقة للمنتجات البلاستيكية القابلة للتحلل والشراكة في مجال الملكية الفكرية وتعزيز التجارة البينية، و10 مبادرات في مجالات الاستثمار والبيئة والبنى التحتية، منها: تأهيل المطورين لجسر الملك حمد ومشروع السكك الحديدية، والربط المائي، والاستثمار المشترك في المشاريع، وتدوير النفايات والاستفادة منها، وغيرها من مجالات التعاون في شؤون الاقتصاد والتنمية البشرية والاستثمار في علوم المستقبل والفضاء والذكاء الاصطناعي.

وتتطلع المملكتان إلى تعزيز التكامل الخليجي في ضوء نتائج القمة الخليجية الثانية والأربعين بالرياض في 14ديسمبر 2021، وتأكيد القادة على مضامين إعلان العُلا الصادر في 5 يناير 2021 وأهميّة التنفيذ الدقيق والكامل والمستمر لرؤية خادم الحرمين الشريفين، واستكمال مُقوّمات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وتنسيق المواقف بما يُعَزِّز تضامن واستقرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويُحافِظ على مصالحها، ويُجنّبها الصراعات الإقليمية والدولية، ويُلَبّي تطلُّعات مواطنيها وطموحاتهم، ويُعَزِّز دورها الإقليمي والدولي.

إن مشاركة مملكة البحرين، ملكا وحكومة وشعبًا، في احتفالات المملكة العربية السعودية الشقيقة بيوم التأسيس إنما يجسد اعتزازها الدائم بتاريخها العريق وحضارتها العظيمة، وفخرها بتميز العلاقات الأخوية التاريخية، باعتبارها كما أكد صاحب الجلالة الملك المفدى في مباحثاته الأخيرة مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية، "نموذجًا مشرفًا للعلاقات المتميزة بين الأشقاء التي أرسى دعائمها الآباء والأجداد وسار على نهجهم الأبناء والأحفاد، وتستند الى أسس قوية من الأخوة والترابط والتعاون والتفاهم والتنسيق المشترك"، وتقديرها للدور السعودي "في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، والحفاظ على مصالح دولها وشعوبها والدفاع عن قضاياها العادلة"، مؤكدة وقوفها الدائم "في خندق واحد مع المملكة الشقيقة لإيمانها المطلق بوحدة الهدف والمصير الواحد".