في السابع عشر من سبتمبر عام 1928 اجتمع ثلاثة من كبار منتجي النفط العالميين في قلعة على المرتفعات الأسكتلندية، وقاموا بالتوقيع على اتفاق سري ينص على تقاسم السيطرة فيما بينهم على النفط العالمي، وعدم ترك الأمر لقوى السوق.
ببساطة، قرر مسؤولو شركات "ستاندرد أويل" (لاحقاً "إكسون") و"رويال داتش شل" وشركة النفط الأنجلو فارسية ( التي تغير اسمها إلى بريتش بتروليم والمعروفة حاليا باسم بي بي) وقف التنافس والقتال بينهما والبدء في تقاسم كل شيء تقريباً، ويشمل ذلك مناطق الإنتاج وتكاليف النقل وأسعار البيع. وهكذا بدأ كارتل كبير، كان الغرض منه السيطرة على العالم من خلال السيطرة على النفط.
الرغبة في السيطرة
وفي بداية القرن العشرين، تحول وقود سفن البحرية البريطانية من الفحم إلى النفط، وتزامن ذلك مع التطور السريع لصناعة السيارات، حيث كانت تباع الملايين من سيارات "فورد موديل تي"، وكان العالم متعطشاً للنفط، وهو ما أسهم في تورط شركات النفط في منافسة لا ترحم أدت إلى عدم استقرار السوق.
وسرعان ما انضمت شركات النفط الكبرى الأخرى إلى هذه المؤامرة (اتفاق أشناكاري)، وأصبح أعضاء هذا الكارتل يعرفون باسم الأخوات السبع: "إيسو" و"رويال داتش شل" و"بي بي" و"موبيل" و"شيفرون" و"جولف أويل" و"تكساكو").
ولم يكن هذا الاتفاق قانونياً، ولا حكومة من حكومات الشركات الثلاث يعرف أي شيء عن هذا الاجتماع، حتى الخمسينيات، أي بعد ما يزيد على 20 عاماً من انعقاده.
وبسبب إدراكهم للأهمية الإستراتيجية للنفط، كان أول فوج عسكري بريطاني يتم نشره خلال الحرب العالمية الأولى هو الكتيبة الثانية من فوج "دورست"، والتي تم إرسالها إلى البصرة في العراق لحماية حقول النفط هناك.
أما الألمان فقد قاموا بتشييد خط سكة حديد إلى إسطنبول (أورينت إكسبرس)، وكانوا يعتزمون مد خط آخر إلى بغداد، من أجل تأمين وصولهم إلى أسواق النفط هناك.
وقبل الحرب العالمية الأولى، اكتُشف النفط في إيران، وأنشأ البريطانيون شركة النفط الأنجلو فارسية، والتي اشترتها لاحقاً الحكومة البريطانية، حيث كان لتلك الشركة حق الوصول الحصري إلى النفط الإيراني، واستحوذت وحدها على 90% من أرباح البلاد من القطاع النفطي.
بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت مؤامرة الثلاث مؤامرة السبع، وتمكن هؤلاء من تقسيم السيطرة على سوق النفط فيما بينهم، وفي ذلك الوقت كانت الاضطرابات والفوضى جيدة بالنسبة لسوق النفط، فعندما تندلع الحروب في الشرق الأوسط وغرب إفريقيا وآسيا الوسطى وأجزاء أخرى من العالم، يزداد سعر النفط.
الأعداء الثلاثة
- كان للأخوات السبع أعداء ثلاثة هم، التأميم وشركات النفط الناشئة و"أوبك". فعندما تأسست منظمة الدول المصدرة للبترول كانت تشكل تهديداً كبيراً لهيمنة الأخوات السبع على سوق النفط.
ورغم ذلك استفادت الأخوات السبع من قيام "أوبك" بحظر النفط عن الولايات المتحدة وأوروبا عام 1973، وتمكنت من تحقيق أرباح هائلة بسبب ارتفاع الأسعار.
وفي عام 1951 قامت الحكومة الإيرانية برئاسة "محمد مصدق" بتأميم شركات النفط، في خطوة غير سارة بالنسبة للأخوات السبع وخاصة "بي بي"، لتتم الإطاحة بـ"مصدق" في عام 1953 في انقلاب بريطاني أمريكي، لتستعيد الأخوات السبع إمكانية الوصول إلى النفط الإيراني.
ورغم أن شركات النفط ليس لديها سياسة خاصة بها، إلا أن الأوضاع السياسية تؤثر عليها بشدة، فعلى سبيل المثال إذا كانت هناك حرب أهلية في غرب إفريقيا، ستحتاج الحكومة هناك إلى شراء أسلحة باهظة الثمن من أوكرانيا، وفي الغالب سيتم دفع ثمن هذه الأسلحة في صورة نفط، وبالتالي ستبحر السفن المحملة بالنفط الغرب إفريقي رافعة العلم الأوكراني مما يجعلها ملكية دولية لأوكرانيا.
أفول نجم الأخوات السبع
وفي البداية، حينما كانت مؤثرة سياسياً ومنظمة تنظيماً جيداً، كانت الأخوات السبع قادرة على التفاوض بصورة متماسكة ككارتل، ففي سنواتها الأولى تمكنت المجموعة من ممارسة سلطة كبيرة على منتجي النفط في العالم الثالث، غير أنها فقدت الجزء الأكبر من هيمنته في العقود الأخيرة بسبب عدة عوامل من بينها التأثير المتزايد لمنظمة "أوبك" (التي تأسست عام 1960 في بغداد وتوسعت باطراد حتى عام 1975)، وتراجع حجم احتياطيات النفط والغاز العالمية التي تحتفظ بها بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إضافة إلى ظهور شركات نفط قوية مملوكة لحكومات الاقتصادات الناشئة.
وفي عام 1946، كانت الأخوات السبع تسيطر على حوالي 90% من الإنتاج العالمي من النفط الخام، ولكن هذه النسبة تقلصت حالياً إلى 10% فقط، كما تراجع حجم احتياطياتها من الخام إلى ما يقرب من 3% من الاحتياطيات العالمية.
وأفل نجم "الأخوات السبع" في السبعينيات، بعد أن فاض الكيل بالدول المنتجة للنفط المسيطر على أصولها من قبل الأخوات السبع، لتنطلق حركات التأميم للأصول النفطية في عدد كبير من تلك البلدان، ويدخل العالم في مرحلة جديدة تنافس فيها شركات نفط وطنية على جزء من كعكة النفط.
واعتباراً من عام 2017، لم يبق على قيد الحياة من "الأخوات السبع" سوى "بي بي" و"إكسون موبيل" و"رويال داتش شل" و"شيفرون".
وفي مارس 2017، أشارت "فاينانشيال تايمز" إلى ظهور مجموعة "الأخوات السبع الجديدة" والتي تشمل شركات، "أرامكو" السعودية و"غازبروم" الروسية ومؤسسة البترول الصينية والشركة الوطنية الإيرانية للنفط و"بترول دي فنزويلا" و"بتروبراس" البرازيلية، و"بتروناس" الماليزية.
أما الفارق هنا أن هذه الشركات وطنية بالدرجة الأولى تحاول بأقصى طاقتها تحقيق مصالح الدول التي تنتمي لها، وليس بينها اتفاق غير معلن لتحقيق أطماع تتجاوز حدود أوطانها.