تعد مملكة البحرين، من أوائل دول المنطقة التي تساهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بها بنحو 30% من الناتج القومي الإجمالي، ما يجعل من المبادرات الفردية والقطاع الخاص محركاً مهماً من محركات النشاط الاقتصادي.كما إن المملكة تعد من أكثر الأسواق الخليجية انفتاحاً، بل وتمثل حلقة وصل وبوابة رئيسة لسوق تجاري كبير تقدر قيمة التبادلات فيه بنحو 1.6 تريليون دولار، وهو السوق الخليجية، فضلاً عن أنها تعد الأولى خليجيا من حيث البيئة المالية العامة، والثانية في الفاعلية القضائية، والثالثة في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2017، والثالثة عربياً في مؤشر تنافسية السفر والسياحة 2017 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.وللبحرين موقعها المتميز عالمياً على صعيد ريادة الأعمال والابتكار، وتقدم تجربتها الرائدة في هذا الشأن نموذجاً تحتذي به العديد من الدول التي تسعى لتنمية أصولها البشرية، وإتاحة المجال لمبادراتهم الفردية، وفتح الآفاق أمامهم للعمل والتطور، وتحقيق التنويع الاقتصادي، وتشجيع رواد الأعمال في القطاع الخاص على القيام بأدوارهم بجانب نظرائهم في القطاع العام لقيادة قاطرة النمو في النشاطات الاقتصادية والإنتاجية المختلفة.ويعود هذا الاهتمام الكبير بمجتمع ريادة الأعمال في مملكة البحرين إلى العناية الخاصة التي توليها القيادة الرشيدة للإنسان البحريني باعتباره موضوع وهدف التنمية الأساسي، واستثمارها الأهم، والركن الركين لمشروعاتها الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو العمل دونه، سيما أن أجهزة الدولة المختلفة توفر له فرص الإبداع والانطلاق لتطوير خبراته ومهاراته، وذلك عبر برامج التعليم والتدريب والتأهيل، وبما يمكنه من استيعاب المستجدات الحديثة، والتعاطي معها بكفاءة وفاعلية.وبدأت البحرين برنامجها الخاص بريادة الإعمال منذ أكثر من عقد على الأقل انطلاقا من إيمانها بضرورة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تساعد مشروعات ريادة الأعمال التي أطلقتها الدولة ووفرت لها البيئة الخصبة للتطور على خلق الوظائف وتقوية الاقتصاد ورفع المستوى المعيشي للمنخرطين فيها والوفاء باستحقاقات البعد الاجتماعي لعملية التنمية ودعم إبداع ومبادرات الأفراد التنافسية، فضلاً بالطبع عن إعادة تأهيل القطاع العام ليقوم بدور جديد كمنظم للاقتصاد وشريك للقطاع الخاص وليس فقط كمحرك رئيس له.والمتابع لحركة مجتمع ريادة الأعمال والابتكار في المملكة خلال السنوات الأخيرة، يمكن أن يلحظ عدة تطورات مهمة:أولها: إيمان متزايد بأن البحرين باتت دولة صديقة للأعمال، وتوفر بيئتها التنظيمية والقانونية المجال للتقدم والنمو، فضلاً عن الكسب وتحقيق الربح، خاصة مع اتساع رقعة المشروعات الفردية والخاصة، التي نجحت في تنمية قطاع واسع من أفراد المجتمع، سيما من الوافدين الجدد إلى سوق العمل والمتخرجين حديثا، وانتقلت بهم من مستوى لآخر، بل وكفلت للكثير منهم باباً جديداً للتوظف من ناحية وتشغيل العديد من الكوادر والكفاءات الوطنية من ناحية أخرى، وهو ما تم عبر حزمة ممنهجة من البرامج التدريبية والتمويلية والاستشارية والتسويقية التي مكنت أفراداً كُثر من تحويل أفكارهم لمشروعات ربحية وتنافسية على أرض الواقع.وأسهم هذا الإيمان العميق بجدوى ريادة الأعمال والابتكار إلى انتشار قيمها الثقافية داخل المملكة وخارجها على السواء، الأمر الذي جعل من البحرين واحدة من أكثر الأقاليم جذبا للاستثمار والمنافسة التجارية، وبخاصة عند النظر لحجم وطبيعة السياسات المدروسة التي اتخذت خلال السنوات القليلة الماضية، واستهدفت ليس فقط تشجيع الاستثمار والابتكار في ريادة الأعمال بالبلاد، وإنما جعْل البحرين الخيار الأمثل والموثوق والأكثر جاذبية في مجال الاقتصاد والتجارة أيضاً.ولم تبخل أي جهة في مملكة البحرين بجهودها في بث وتنمية قيم ثقافة ريادة الأعمال والابتكار، حيث تتولى العديد من الجهات على رأسها وزارة التجارة والصناعة والسياحة ومجلس التنمية الاقتصادية وتمكين وغيرها قيادة هذه الجهود الجبارة، وذلك بالتعاون وبالشراكة مع مؤسسات عديدة أخرى كغرفة التجارة والصناعة والمجلس الأعلى للمرأة وبنك البحرين للتنمية، فضلاً عن الشركات الخاصة والأممية كاليونيدو ومكتبها العامل بالمملكة.ثانيها: تحركات القيادة المتعددة لتعزيز مكانة مجتمع ريادة الأعمال وثقافة الابتكار في المملكة، ومن ذلك صندوق دعم الأعمال "تمكين" الذي يقوم بتقديم مجموعة متكاملة من الخدمات لقطاعي الأفراد والشركات، وبرامج الدعم المالية والاستشارية للمؤسسات والشركات الناشئة، لتكون على مستوى المشاريع العالمية، من منطلق الإيمان بأهمية تهيئة بيئة حاضنة موفرة للأدوات اللازمة لنمو المشاريع المحلية وازدهارها.فضلاً عن "أسبوع ريادة الأعمال" الذي ينتظم في المملكة في نوفمبر سنوياً لتقديم وإبراز نجاحات الرواد في المجال وتقدير مجهوداتهم وإسهاماتهم في النشاطات الاقتصادية، وكذلك تنظيم أعمال "المنتدى العالمي لريادة الأعمال والاستثمار" الذي أقيم مؤخرا برعاية صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، فضلاً عن "جائزة البحرين لريادة الأعمال" التي تم الاحتفاء بانطلاق نسختها الـ3 مؤخراً برعاية من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.ثالثها: دور رواد الأعمال البحرينيين في الترويج لتجربة مملكة البحرين في مجال ريادة الأعمال والابتكار إلى دول العالم المختلفة. إذ إنه مع النجاح المتواصل لنموذج البلاد في هذا المجال، خاصة مع حجم الرواد المكرمين والمحتفين بهم عبر هذه البرامج والفعاليات السابق ذكرها، حيث كرمت "جائزة البحرين لريادة الأعمال" ـ مثلا ـ حتى الآن 14 رائد عمل متميز، وحظيت بمشاركة أكثر من 200 مشارك منذ نسختها الأولى، وجميعهم لهم اتصالاتهم وعلاقاتهم بنظراء لهم في الخارج.مع هذا النجاح، تمكنت المملكة من تطوير منظومتها الرئيسية لريادة الأعمال، واستطاعت جذب واستقطاب عدد كبير من صناع القرار والمؤثرين في هذه المنظومة العالمية إلى السوق المحلي، كما أنها نجحت في تنشيط الحركة التجارية في عدد من القطاعات، وذلك بالنظر إلى وصول العديد من رواد الأعمال البحرينيين بمنتجاتهم وخدماتهم إلى العالمية.ويبدو نجاح النموذج البحريني في تقدير أوساط عالمية عديدة له، والمعروف هنا أن المملكة تحتل مركزاً متقدماً "الـ 29 عالمياً والـ 3 عربياً" على سلم مؤشر ريادة الأعمال ومؤسسات التنمية لعام 2016، الصادر عن المعهد العالمي لريادة الأعمال والتنمية، ومقره واشنطن.وهذا المؤشر عبارة عن مشروع مشترك بين شبكة ريادة الأعمال العالمية ـ التي أُسست في مدينة كنساس الأمريكية عام 2007 والمعروفة اختصاراً بـ "GEN" ولها مؤتمر سنوي عقد في أكثر من دولة منذ عام 2009 ـ والمجتمعات والمنظمات والقادة من 162 دولة.كما أن البحرين نجحت في توفير منصة لرواد الأعمال العالميين والمحليين، لدى توقيعها على إعلان المنامة عام 2015 بهدف استضافة "المنتدى العالمي لرواد الأعمال والاستثمار"، كما احتضنت النسخة الثانية من هذا المنتدى في نوفمبر 2017 الجاري برعاية من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، مثلما أشير سلفاً، وصدر عنه إعلان البحرين الذي تم تقديمه في بيت الأمم المتحدة إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأسهم في تسليط الضوء على دعم المملكة لمجتمع ريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.