أكد المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، منذ فترة طويلة أن الولايات المتحدة لن ترضى أبداً عن التنازلات الإيرانية حتى إذا تنازلت طهران عن الجمهورية الإيرانية نفسها.



وتعبر هذه الرؤية عن الموقف السائد من أمد طويل بين المسؤولين الإيرانيين، وأنهم لن يجروا مفاوضات مع واشنطن تحت ضغوط، وفقاً لما جاء في مقال دينيس روس في "بلومبرغ".

واستطرد روس قائلاً إنه مما لا يثير الدهشة، أن الرد الإيراني على التصعيد الأخير لحملة "أقصى قدر من الضغط" لإدارة ترمب، كان عبارة عن جس نبض وكشف لحدود العزم الأمريكي، من خلال إطلاق سلسلة من الهجمات التخريبية بالوكالة، ضد ناقلات النفط في الخليج العربي واستهداف محطة ضخ للنفط في السعودية.



موقف مشترك

ومع تصاعد التوتر وإرسال الولايات المتحدة المزيد من القوات إلى المنطقة، كان من اللافت أن كلا من ترمب وخامنئي تحركاً لوقف الاندفاع نحو مواجهة مباشرة. وأوضح الرئيس ترمب أنه لا يريد حرباً، ويتحدث عن "الإمكانات الكبيرة لإيران"، ويحث قادة إيران على دعوته إلى "عقد صفقة"، فيما عقب المرشد الأعلى في تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي قائلاً: "لا نحن "طهران" ولا هم "واشنطن" نسعى لخوض حرب".



الإذعان لواشنطن

لكن لا يعني هذا التصريح أن الإيرانيين على استعداد للدخول في مفاوضات حالياً، حيث إن خامنئي، الذي قضى عقوداً يشكك في قيمة إجراء محادثات مع الولايات المتحدة، لا يريد أن يبدو كأنه خضع لأمريكا. إنه لا يزال يعتبر إجراء المفاوضات مثل تجرع "السم". ولخص الرئيس الإيراني حسن روحاني الموقف بقوله إن "الوضع غير مناسب للمحادثات، وخيارنا هو المقاومة فقط".



ضغط إيراني مضاد

ربما ينطوي تعبير "المقاومة"، بالنسبة لروحاني وخامنئي، على معنى التخلي عن الالتزام بالقيود المفروضة على إيران بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، ويشار إليها اختصاراً بـJCPOA. وبالفعل، أعلن الإيرانيون أنهم سيضاعفون معدلات تخصيب اليورانيوم 4 مرات، مما يعني أنهم سيتجاوزون 300 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب المسموح به بموجب شروط الصفقة.

وحدد روحاني مهلة للموقعين الأوروبيين على JCPOA بأنه في حالة عدم قيامهم بتعويض الإيرانيين اقتصادياً عن العقوبات الأمريكية بحلول 7 يوليو القادم، فسوف يستأنف الإيرانيون التخصيب بنسبة 20%، مما قد يضعهم على المسار لتحقيق قدرة التفجير النووي. وربما تكون هذه هي صياغة المرشد الأعلى لخطة "أقصى قدر من الضغوط" رداً على ترمب.



انهيار متواصل للاقتصاد الإيراني

لكن إلى أي مدى يمكن لخامنئي أن يمضي في هذا الأمر؟ إن إيران تعاني من ثقل العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب، حيث يواجه الاقتصاد الإيراني حالة من السقوط الحر، وأغلقت الشركات أبوابها بينما يشعر الإيرانيون يومياً بفقد قيمة مدخراتهم وارتفاع أسعار الاحتياجات الأساسية من سلع استهلاكية وأدوية.



تاريخ تنازلات إيرانية سابقة

من المرجح أن يصر خامنئي على عدم دخول إيران في مفاوضات تحت الضغط، لكن تاريخ إيران يشير إلى خلاف ذلك. في الماضي، عندما كانت الضغوط من الخارج مرتفعة بدرجة كبيرة، بما يهدد الاستقرار الداخلي، بحثت القيادة الإيرانية عن وسيلة لتخفيف تلك الضغوط والتكاليف ذات الصلة.

وينطبق هذا الأمر على قرار إنهاء الحرب مع العراق عام 1988، ووقف حملات اغتيال المنشقين في أوروبا في تسعينيات القرن الماضي، وكذلك عندما تم التهديد بالعقوبات؛ لطرح صفقة نووية في عام 2003، بعدما هزم الجيش الأميركي نظيره العراقي في 3 أسابيع، وخشي الإيرانيون آنذاك أن يصيبهم الدور، وفي عام 2012، عندما وافقت إيران على الاتصالات عبر الوسطاء بعد أن كثفت إدارة أوباما العقوبات على مصرفها المركزي وتوقف الأوروبيون عن شراء النفط الإيراني.



سيناريوهات محتملة

هل يمكن أن يتكرر نفس السيناريو مع إدارة ترمب؟ تقول الحكمة التقليدية إن الإيرانيين يريدون الانتظار حتى يرحل ترمب والتعامل مع خليفته. ومن شبه المؤكد أن هذا هو ما يفضله خامنئي، لكن يتوقف هذا الاختيار بقدر كبير على مقدار الصعوبات الاقتصادية التي يعتقد أن الشعب الإيراني يمكنه تحملها.



وساطة بوتين

إذا شعر خامنئي أنه يجب عليه أن يخفف الضغط، ويختار المفاوضات، فمن المؤكد أنها ستكون مفاوضات غير مباشرة، حيث إن المحادثات المباشرة ستكون بمثابة اعتراف بالهزيمة. ومن المرجح أن استخدام وسيط مثل فلاديمير بوتين سيروق لكل من الرئيس الروسي وترمب.



ترمب لا يهدف لتغيير النظام

يتساءل روس في مقالته قائلاً: لكن ما نوع الصفقة التي يمكن أن يكون ترمب على استعداد لإبرامها؟ فمن غير المحتمل أن يتم التفاوض على أساس الـ12 شرطاً، التي وضعها وزير الخارجية مايك بومبيو للمفاوضات، والتي يعتبرها الإيرانيون شروطاً تهدف إلى تغيير النظام الإيراني. ولكن كان ترمب واضحاً، من خلال تصريحاته في اليابان، بأنه "لا يسعى إلى تغيير النظام"، بل وأوضح أن هدفه هو "عدم التسلح النووي"، مما يترك مجالاً للمناورة.

لكن يبدو، في الحقيقة، أن المعايير الوحيدة التي يمكن أن يقبل بها ترمب فيما يتعلق بالصفقة المرجحة، كما هو الحال بالنسبة لمعظم القضايا الرئاسية، هي أنها يجب أن تكون أفضل من تلك التي حصل عليها سلفه أوباما.



تعديل اتفاق أوباما

يتمثل أحد مقترحات التعديل الواضحة في خطة JCPOA في تمديد "أحكام الغروب" التي تحد من تخصيب اليورانيوم الإيراني، على سبيل المثال من عام 2030 لتصبح 2045. وهذا من شأنه إرجاء عامل تهديد التسلح النووي الإيراني المحتمل إلى المستقبل البعيد. لكن لن تتعاطى التعديلات على JCPOA مع التهديدات الإقليمية الناتجة عن الأنشطة الإيرانية لتوسيع نطاق وصولها ووسائلها القسرية ضد الأنظمة العربية وإسرائيل. وسيتطلب هذا الأمر إقناع طهران بضرورة الحد من وجودها العسكري في سوريا ووقف إمدادات الصواريخ والقذائف الموجهة بدقة لميليشيات حزب الله وغيرها من الوكلاء في لبنان وسوريا.



المقابل المحتمل لتنازلات طهران

لكن لن يقدم الإيرانيون مثل هذه التنازلات مجانًا، وإنما ستسعى طهران إلى رفع جميع العقوبات، النووية وغير النووية. وسيكون على ترمب، في هذا السياق، أن يقرر مدى استعداده للقبول برفع العقوبات، خاصة أن سلفه أوباما لم يكن على استعداد لرفع العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان والإرهاب.

ومن المرجح أن يتردد ترمب في القيام بذلك على الرغم من أنه ربما يخلص إلى أنه سيحقق إنجازاً كبيراً من خلال كسب الوقت "المتمثل في مد الأجل لـ15 عاماً إضافية" وتقليص احتمال نشوب حرب إقليمية.

لكن تكمن المفارقة الكبرى في أن أسلوب "أقصى قدر من الضغط"، كما يمارسه ترمب وخامنئي، ربما يدفع بهما في اتجاه عقد صفقة بهذا الشكل، ما لم يطرأ قبل ذلك أي سوء تقدير يقود إلى مواجهة على نطاق أكبر.