ياسمين العقيدات
قال مستشار تحليل أسواق المال، والكاتب السعودي في الشأن السياسي والاقتصادي، صباح التركي إن أداء سوق الأسهم البحرينية إيجابي ومستمر منذ العام 2016 رغم صغر حجمه، مؤكداً ضرورة السعي لتطوير أداء البورصة وجذب المزيد من السيولة الخارجية.
وأضاف في حوار لـ"الوطن"، أن البحرين تمتلك عدة مقومات تؤهلها لدور فاعل اقتصادياً سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي والدولي رغم صغر مساحتها الجغرافية.
ولفت التركي، إلى أن أسواق الأسهم الخليجية تمر بحالة انتقالية من الأسواق المالية غير الكفوءة وتتقدم بتطور نحو الدخول إلى خانة الأسواق المالية الكفوءة، وما يميز معظم أسواق الخليج للأسهم هو ملاءتها المالية الجيدة وحركتها النشطة قياساً بالظروف السياسية الصعبة التي تواجه المنطقة منذ فترة.
وأكد أن الدول الصناعية الكبرى تضغط لبقاء أسعار النفط في معدل 60 دولاراً للبرميل، لتعيدها إلى النمو، مشيراً إلى أن مستوى الدين العالمي يفوق كثيراً الناتج المحلي الإجمالي العالمي وهو مسؤولية دولية مشتركة.
وشدد على ضرورة التركيز على دور الطاقات الشابة الكفؤة وإعطائها الفرصة الكافية للقيام بدورها والتعبير عن تطلعاتها الفكرية الاقتصادية وتعبيد الطريق لها لبلوغ أهدافها، مع ضرورة استغلال ذلك بتنشيط قطاعات كانت متفوقة إقليمياً كقطاع البنوك والسياحة والثقافة والمعرفة والمجال الحرفي وإعادة الحيوية إليها وإبرازها من جديد لتكون رافداً مهماً لجذب السيولة الخارجية وداعماً رئيساً للاقتصاد الكلي.. وفيما يلي نص الحوار:
- ما مدى تأثير الأحداث العالمية الجارية حالياً في الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي والإقليمي في الفترة المقبلة؟
دول العالم تتحرك ككتلة واحدة على غالب الأصعدة مع التفاوت فيما بينها من حيث نسبة التأثر والتأثير من وعلى الأخر وخاصة على الصعيد الاقتصادي بعد ترسخ أيقونة العولمة في السنوات الأخيرة، وبمعنى آخر أن ما يحدث هناك لا بد أن يؤثر هنا بشكل أو آخر والعكس صحيح، وهو التفسير العملي للمقولة الدارجة "أن العالم أصبح قرية صغيرة".
إن حالة عدم الاستقرار لأي دولة سواء لظروف داخلية أو محيطة فإن تأثير ذلك سيتجاوز داخلها إلى محيطها، وعطفاً على المفهوم السابق تظهر أهمية استقرار منطقة الشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً بالنسبة لبقية اقتصاديات دول العالم.
فالعلاقة، تبقى طردية بين الاستقرار وتحقق المصالح المشتركة بينهما ولو قربنا النظرة أكثر نحو منطقة دول الخليج العربي فهي تمثل لوحدها مصدراً رئيساً للطاقة في العالم "تتصدر دوله العالم من حيث الإنتاج والاحتياطي النفطي" ناهيك عن موقعها الجغرافي المميز والذي يعد رابطاً تجارياً حيوياً بين دول الشرق والغرب إضافة إلى أهمية سوقها كوعاء استهلاكي للسلع الواردة إليها من بقية العالم، فما البال لو وسعت النظرة، إلى المنطقة العربية ككل وما تحويه من ثروات طبيعية هائلة وممرات مائية دولية تمر خلالها معظم التجارة العالمية، حينها يمكن قياس مدى تأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي في حال عدم استقرار دولها أمنياً.
- اختفى الحديث عن التوتر التجاري بين أمريكا والصين، هل تم حل الأزمة؟ أم أن الأخبار عن التوترات العسكرية مع إيران طغت على الساحة؟
ربما كون التنافس والصراع الاقتصادي فيما بين الصين وأمريكا وصل إلى مناطق متقدمة جداً تلامس جدار هيمنة الاقتصاد الأمريكي وتهدد تفوقه العالمي هو ما سلط الضوء على الأولى دولياً في السنوات الأخيرة، فالصين لن تتوانى عن جهودها لفرض تفوقها الاقتصادي ومهما طرأت متغيرات سياسية فأنها تسير بالتوازي مع العوامل الاقتصادية، فجرت العادة دولياً أن من يتفوق اقتصادياً حتماً سيتسيد العالم سياسياً.
التنافس الاقتصادي العالمي قائم ولا نهاية له –يمثل طبيعة بشرية- وهو بمثابة المد والجزر بين دول العالم وبالرجوع إلى التاريخ نجد أنه في كل حقبة زمنية تتسلق أحد القوى -دولة أو كارتل من الدول- لتتصدر قائمة الهيمنة الاقتصادية والسياسية عالمياً إلا أن هذا التفوق بالبقاء في المقدمة غير دائم، وما يحدث اليوم من تنافس بين قوى اقتصادية صاعدة كالصين وأمريكا المتسيدة عالمياً إنما هو أحد الشواهد على أن المتغيرات "الجيوإقتصادية" تحدث نتيجة التفوق العلمي بالمرتبة الأولى ولا ترتبط بجغرافيا بعينها.
كما يجب إدراك أن الصين ليس وحدها من يسعى للهيمنة الاقتصادية عالمياً كمنافس للاقتصاد الأمريكي الحالي، بل إن دولاً أخرى تسعى أيضاً جاهدة لاحتلال موقع متقدم ضمن فعاليات الاقتصاد العالمي وأخذ نصيبها منه كالهند وتكتل دول البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب أفريقيا) مقابل محاولات من داخل الاتحاد الأوروبي كألمانيا.
- ما هو المتوقع لأسواق الأسهم الخليجية خلال الفترة المقبلة؟
بداية يجب التفريق مالياً كاصطلاح بين الأسواق المالية الكفوءة وغير الكفوءة "النشطة وغير النشطة" والمصطلح مالياً ينطبق على أسواق الأسهم، فأسواق الأسهم الكفوءة هي التي تتحلى بمعايير مالية ومحاسبية عالية ودقيقة -تتوافق والمعايير الدولية- وتطبق فيها أنظمة حوكمة الشركات والشفافية بدرجة عادلة جداً "تقلص دور الشائعات والأخبار العائمة".
كما أن حركتها اليومية غالباً ما تعتمد على نتائج شركاتها المالية "وليس على المضاربات العشوائية" وعلى حالة الاقتصاد بشكل عام ومن يشارك بها كقوة مالية مؤثرة في حركتها اليومية هي المؤسسات المالية المستقلة "وليس الأفراد أو القوى المالية الموجهة" كما تتصف بأحجام تداول عالية "ملاءة مالية جيدة" وانسيابية في ذات الوقت بينما على النقيض تقريباً تقف أسواق الأسهم غير الكفؤ.
وضمن هذا المفهوم يمكن اعتبار أسواق الأسهم الخليجية حالة انتقالية من الأسواق المالية غير الكفوءة وتتقدم بتطور نحو الدخول إلى خانة الأسواق المالية الكفؤ، وما يميز معظم أسواق الخليج للأسهم هو ملاءتها المالية الجيدة وحركتها النشطة قياساً بالظروف السياسية الصعبة التي تواجه المنطقة منذ فترة، وتعتبر أحجام تداولاتها متقدمة جداً مقارنة بأسواق المنطقة العربية .
- ما هو تقييمك لسوق الأسهم البحرينية؟
ما قد يجهله البعض أن سوق المالية البحريني "بورصة الأسهم" رغم صغر حجمه فإن أداءه كان إيجابياً منذ منتصف عام 2016 (وقتها كان المؤشر العام عند مستوى 1090 نقطة ووصل قبل أيام لمستوى 1612.05 نقطة، ومازال إلى الآن يتداول فنياً ضمن المنطقة الإيجابية العامة "كاتجاه عام" طالما بقي المؤشر العام فوق نقطة دعمه الرئيسة (1503.4) نقطة.
وما يجب إيلاؤه الاهتمام الكبير من قبل المسؤول البحريني هو السعي لتطوير نشاط ورفع فاعلية بورصة البحرين للأسهم (باعتبارها أحد روافد الاقتصاد الكلي للبلد وواجهته الاقتصادية) وذلك من خلال السعي الدؤوب لكافة السبل التي من شأنها جذب المزيد من السيولة الخارجية إليها.
- في ظل الأحداث المتسارعة الدولية إلى أين ستصل أسعار النفط في العالم؟
أسعار النفط عالمياً تحكمها عدة عوامل، فمنها الاقتصادي كدرجة النمو والتوسعات الاقتصادية للدول والتي تنعكس بدورها على مستويات العرض والطلب، كما أن لأحجام الإنتاج ومقدار الاحتياطيات النفطية العالمية وتحديات النفط الصخري والطاقة البديلة والتنافس التجاري بين الدول الكبرى دوراً في تحديد الأسعار المستقبلية للنفط، كما أن لحالة التقلبات السياسية أو عدم استقرارها في الدول النفطية تأثيراً أيضاً، وبذلك يمكن فصل التأثير الجيوسياسي عن العامل الاقتصادي في تأثيره على أسعار الطاقة، والتماهي بينهما واضح.
وما يجب التنبه له بالدرجة الأولى من قبل الدول المصدرة للنفط "دون حصر الاهتمام بتوقع السعر المستقبلي لبرميل النفط" هو أن الدول الصناعية الكبرى تضغط وتبحث عن معدل أسعار للنفط تساعدها على تفادي حالة الركود الاقتصادي، وبمعنى آخر هي تبحث عن أسعار نفط ليست بالمرتفعة 60 دولاراً للبرميل فما دون (مستوى الدين العالمي يفوق كثيراً الناتج المحلي الإجمالي العالمي وهو مسؤولية دولية مشتركة).
ومن جانب آخر، على الدول التي تعتمد اقتصادياتها بشكل رئيس على استخراج النفط أن تعي تحديات المرحلة المقبلة والتي قد تكون أقرب كثيراً من التوقعات المعتمدة من قبلها من حيث طول فترة الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للطاقة في العالم.
فتقدم البحث العلمي الخاص بالطاقة البديلة "النظيفة" وصل إلى مراحل متقدمة جداً ويمكن حتى للإنسان غير المختص الشعور بهذا الأمر بوضوح حينما تصبح المركبات المعتمدة في تشغيل محركاتها على الكهرباء "بدل البنزين" أكثر دروجاً في العالم، وهو أمر ليس بالبعيد زمنياً.
- كيف تؤثر التوترات الجارية في المنطقة على اقتصاد الخليج، وهل نحن قادرون على تخطي هذه التوترات اقتصادياً؟
يمكن إيجاز الأمر بأن الحالة التي تمر بها المنطقة العربية وليس منطقة الخليج تحديداً أنها شكلت عامل استنزاف لمساحة كان من المفترض أنها مخصصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتطور والبحث العلمي لبلدان المنطقة وشعوبها، وتستطيع دول الخليج العربي التقلب على هذه الظروف التي داهمتها بتفعيل أدوات التكامل الاقتصادي بشكل حقيقي وفاعل فيما بينها. فشعوب المنطقة من نسيج واحد والأمر ليس بذاك الصعوبة متى ما تحققت الإرادة من الجميع.
يذكر أن مملكة البحرين لها مساهمات فاعلة نحو تحقيق الوصول لمفهوم التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي.
- في ظل الأحداث الجارية، ماذا تنصح المستثمرين سواء في دول الغرب أو الولايات المتحدة أو الدول العربية؟
عملية الاستثمار واحدة في كل العالم ولها متطلباتها المسبقة شأنها شأن أي عمل تجاري الذي يتطلب الخبرة العملية والعلمية في القطاع المراد العمل به، وهذا يعني عدم التوغل بأي قطاع إلا بعد تملك أدواته الأساسية الكفيلة بتوفير فرص النجاح به.
كما أن مسألة الاستثمار تتطلب ملازمة الثقافة المعرفية بالقطاع المستهدف ومتابعة تطوراته وظروفه المتجددة محلياً وعالمياً، كما تستوجب الوعي بالقوة النسبية بين قطاعات الأعمال "المقارنة بين القطاعات الأكثر نجاحاً وطلباً وما يستجد منها عالمياً" وتنويع مصادر الاستثمار هو احد الطرق الكفيلة بتقليل الخسائر.
كما أن تخصيص احتياطيات مالية كسيولة هي أحد أهم الرافعات المالية لأي مستثمر والتي تتيح له مواصلة العمل حينما تواجهه أي عملية توسع أو إخفاق في عمله، وما يجب تداركه كتفكير استثماري أن ما قد ينجح لدى الغير من أعمال ليس بالضرورة أن ينجح في بيئتك، فلكل بلد متطلباته وظروفه، وإن كان من نصيحة عامة للمستثمرين فهي محاولة الاستفادة من التوجه العالمي واهتمامه بقطاع وعلم الخدمات الرقمية وتقنية البيانات والتخزين والتي تتوسع طردياً، كما أن مجال الاستثمار في إنتاج الطاقة النظيفة "البديلة" سيكون محور الاهتمام العالمي قريباً.
أما النصيحة البديهية للدول العربية فعليها الاهتمام بالاستثمار بمراكز البحث العلمي وتفعيل دور مراكز التفكير "Think tanks" لديها.
- ما الخطوات الداعمة التي تصب في مصلحة تنشيط الاقتصاد في مملكة البحرين؟
تمتلك البحرين عدة مقومات تؤهلها لدور فاعل اقتصادياً سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي والدولي رغم صغر مساحتها الجغرافية.
فالمساحة لم تعد تحدياً أمام التطور والبروز عالمياً - فهي تمتلك كفاءات بشرية محلية وموقعا جغرافيا حيوياً وقيادة تتطلع نحو المستقبل بتفاؤل وهي ركائز أساسية لإنجاح أي فعالية اقتصادية في أي بلد.
وكل ما يتطلبه الأمر هو التركيز على دور الطاقات الشابة الكفؤة وإعطاؤها الفرصة الكافية للقيام بدورها والتعبير عن تطلعاتها الفكرية الاقتصادية وتعبيد الطريق لها لبلوغ أهدافها.
وعطفاً على الموقع الاستراتيجي للبحرين -وفي ظل التسارع الزمني والتنافس الدولي- فينبغي استغلال ذلك بتنشيط قطاعات كانت متفوقة إقليمياً كقطاع البنوك والسياحة والثقافة والمعرفة والمجال الحرفي وإعادة الحيوية إليها وإبرازها من جديد لتكون رافداً مهماً لجذب السيولة الخارجية وداعماً رئيساً للاقتصاد الكلي.
قال مستشار تحليل أسواق المال، والكاتب السعودي في الشأن السياسي والاقتصادي، صباح التركي إن أداء سوق الأسهم البحرينية إيجابي ومستمر منذ العام 2016 رغم صغر حجمه، مؤكداً ضرورة السعي لتطوير أداء البورصة وجذب المزيد من السيولة الخارجية.
وأضاف في حوار لـ"الوطن"، أن البحرين تمتلك عدة مقومات تؤهلها لدور فاعل اقتصادياً سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي والدولي رغم صغر مساحتها الجغرافية.
ولفت التركي، إلى أن أسواق الأسهم الخليجية تمر بحالة انتقالية من الأسواق المالية غير الكفوءة وتتقدم بتطور نحو الدخول إلى خانة الأسواق المالية الكفوءة، وما يميز معظم أسواق الخليج للأسهم هو ملاءتها المالية الجيدة وحركتها النشطة قياساً بالظروف السياسية الصعبة التي تواجه المنطقة منذ فترة.
وأكد أن الدول الصناعية الكبرى تضغط لبقاء أسعار النفط في معدل 60 دولاراً للبرميل، لتعيدها إلى النمو، مشيراً إلى أن مستوى الدين العالمي يفوق كثيراً الناتج المحلي الإجمالي العالمي وهو مسؤولية دولية مشتركة.
وشدد على ضرورة التركيز على دور الطاقات الشابة الكفؤة وإعطائها الفرصة الكافية للقيام بدورها والتعبير عن تطلعاتها الفكرية الاقتصادية وتعبيد الطريق لها لبلوغ أهدافها، مع ضرورة استغلال ذلك بتنشيط قطاعات كانت متفوقة إقليمياً كقطاع البنوك والسياحة والثقافة والمعرفة والمجال الحرفي وإعادة الحيوية إليها وإبرازها من جديد لتكون رافداً مهماً لجذب السيولة الخارجية وداعماً رئيساً للاقتصاد الكلي.. وفيما يلي نص الحوار:
- ما مدى تأثير الأحداث العالمية الجارية حالياً في الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي والإقليمي في الفترة المقبلة؟
دول العالم تتحرك ككتلة واحدة على غالب الأصعدة مع التفاوت فيما بينها من حيث نسبة التأثر والتأثير من وعلى الأخر وخاصة على الصعيد الاقتصادي بعد ترسخ أيقونة العولمة في السنوات الأخيرة، وبمعنى آخر أن ما يحدث هناك لا بد أن يؤثر هنا بشكل أو آخر والعكس صحيح، وهو التفسير العملي للمقولة الدارجة "أن العالم أصبح قرية صغيرة".
إن حالة عدم الاستقرار لأي دولة سواء لظروف داخلية أو محيطة فإن تأثير ذلك سيتجاوز داخلها إلى محيطها، وعطفاً على المفهوم السابق تظهر أهمية استقرار منطقة الشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً بالنسبة لبقية اقتصاديات دول العالم.
فالعلاقة، تبقى طردية بين الاستقرار وتحقق المصالح المشتركة بينهما ولو قربنا النظرة أكثر نحو منطقة دول الخليج العربي فهي تمثل لوحدها مصدراً رئيساً للطاقة في العالم "تتصدر دوله العالم من حيث الإنتاج والاحتياطي النفطي" ناهيك عن موقعها الجغرافي المميز والذي يعد رابطاً تجارياً حيوياً بين دول الشرق والغرب إضافة إلى أهمية سوقها كوعاء استهلاكي للسلع الواردة إليها من بقية العالم، فما البال لو وسعت النظرة، إلى المنطقة العربية ككل وما تحويه من ثروات طبيعية هائلة وممرات مائية دولية تمر خلالها معظم التجارة العالمية، حينها يمكن قياس مدى تأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي في حال عدم استقرار دولها أمنياً.
- اختفى الحديث عن التوتر التجاري بين أمريكا والصين، هل تم حل الأزمة؟ أم أن الأخبار عن التوترات العسكرية مع إيران طغت على الساحة؟
ربما كون التنافس والصراع الاقتصادي فيما بين الصين وأمريكا وصل إلى مناطق متقدمة جداً تلامس جدار هيمنة الاقتصاد الأمريكي وتهدد تفوقه العالمي هو ما سلط الضوء على الأولى دولياً في السنوات الأخيرة، فالصين لن تتوانى عن جهودها لفرض تفوقها الاقتصادي ومهما طرأت متغيرات سياسية فأنها تسير بالتوازي مع العوامل الاقتصادية، فجرت العادة دولياً أن من يتفوق اقتصادياً حتماً سيتسيد العالم سياسياً.
التنافس الاقتصادي العالمي قائم ولا نهاية له –يمثل طبيعة بشرية- وهو بمثابة المد والجزر بين دول العالم وبالرجوع إلى التاريخ نجد أنه في كل حقبة زمنية تتسلق أحد القوى -دولة أو كارتل من الدول- لتتصدر قائمة الهيمنة الاقتصادية والسياسية عالمياً إلا أن هذا التفوق بالبقاء في المقدمة غير دائم، وما يحدث اليوم من تنافس بين قوى اقتصادية صاعدة كالصين وأمريكا المتسيدة عالمياً إنما هو أحد الشواهد على أن المتغيرات "الجيوإقتصادية" تحدث نتيجة التفوق العلمي بالمرتبة الأولى ولا ترتبط بجغرافيا بعينها.
كما يجب إدراك أن الصين ليس وحدها من يسعى للهيمنة الاقتصادية عالمياً كمنافس للاقتصاد الأمريكي الحالي، بل إن دولاً أخرى تسعى أيضاً جاهدة لاحتلال موقع متقدم ضمن فعاليات الاقتصاد العالمي وأخذ نصيبها منه كالهند وتكتل دول البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب أفريقيا) مقابل محاولات من داخل الاتحاد الأوروبي كألمانيا.
- ما هو المتوقع لأسواق الأسهم الخليجية خلال الفترة المقبلة؟
بداية يجب التفريق مالياً كاصطلاح بين الأسواق المالية الكفوءة وغير الكفوءة "النشطة وغير النشطة" والمصطلح مالياً ينطبق على أسواق الأسهم، فأسواق الأسهم الكفوءة هي التي تتحلى بمعايير مالية ومحاسبية عالية ودقيقة -تتوافق والمعايير الدولية- وتطبق فيها أنظمة حوكمة الشركات والشفافية بدرجة عادلة جداً "تقلص دور الشائعات والأخبار العائمة".
كما أن حركتها اليومية غالباً ما تعتمد على نتائج شركاتها المالية "وليس على المضاربات العشوائية" وعلى حالة الاقتصاد بشكل عام ومن يشارك بها كقوة مالية مؤثرة في حركتها اليومية هي المؤسسات المالية المستقلة "وليس الأفراد أو القوى المالية الموجهة" كما تتصف بأحجام تداول عالية "ملاءة مالية جيدة" وانسيابية في ذات الوقت بينما على النقيض تقريباً تقف أسواق الأسهم غير الكفؤ.
وضمن هذا المفهوم يمكن اعتبار أسواق الأسهم الخليجية حالة انتقالية من الأسواق المالية غير الكفوءة وتتقدم بتطور نحو الدخول إلى خانة الأسواق المالية الكفؤ، وما يميز معظم أسواق الخليج للأسهم هو ملاءتها المالية الجيدة وحركتها النشطة قياساً بالظروف السياسية الصعبة التي تواجه المنطقة منذ فترة، وتعتبر أحجام تداولاتها متقدمة جداً مقارنة بأسواق المنطقة العربية .
- ما هو تقييمك لسوق الأسهم البحرينية؟
ما قد يجهله البعض أن سوق المالية البحريني "بورصة الأسهم" رغم صغر حجمه فإن أداءه كان إيجابياً منذ منتصف عام 2016 (وقتها كان المؤشر العام عند مستوى 1090 نقطة ووصل قبل أيام لمستوى 1612.05 نقطة، ومازال إلى الآن يتداول فنياً ضمن المنطقة الإيجابية العامة "كاتجاه عام" طالما بقي المؤشر العام فوق نقطة دعمه الرئيسة (1503.4) نقطة.
وما يجب إيلاؤه الاهتمام الكبير من قبل المسؤول البحريني هو السعي لتطوير نشاط ورفع فاعلية بورصة البحرين للأسهم (باعتبارها أحد روافد الاقتصاد الكلي للبلد وواجهته الاقتصادية) وذلك من خلال السعي الدؤوب لكافة السبل التي من شأنها جذب المزيد من السيولة الخارجية إليها.
- في ظل الأحداث المتسارعة الدولية إلى أين ستصل أسعار النفط في العالم؟
أسعار النفط عالمياً تحكمها عدة عوامل، فمنها الاقتصادي كدرجة النمو والتوسعات الاقتصادية للدول والتي تنعكس بدورها على مستويات العرض والطلب، كما أن لأحجام الإنتاج ومقدار الاحتياطيات النفطية العالمية وتحديات النفط الصخري والطاقة البديلة والتنافس التجاري بين الدول الكبرى دوراً في تحديد الأسعار المستقبلية للنفط، كما أن لحالة التقلبات السياسية أو عدم استقرارها في الدول النفطية تأثيراً أيضاً، وبذلك يمكن فصل التأثير الجيوسياسي عن العامل الاقتصادي في تأثيره على أسعار الطاقة، والتماهي بينهما واضح.
وما يجب التنبه له بالدرجة الأولى من قبل الدول المصدرة للنفط "دون حصر الاهتمام بتوقع السعر المستقبلي لبرميل النفط" هو أن الدول الصناعية الكبرى تضغط وتبحث عن معدل أسعار للنفط تساعدها على تفادي حالة الركود الاقتصادي، وبمعنى آخر هي تبحث عن أسعار نفط ليست بالمرتفعة 60 دولاراً للبرميل فما دون (مستوى الدين العالمي يفوق كثيراً الناتج المحلي الإجمالي العالمي وهو مسؤولية دولية مشتركة).
ومن جانب آخر، على الدول التي تعتمد اقتصادياتها بشكل رئيس على استخراج النفط أن تعي تحديات المرحلة المقبلة والتي قد تكون أقرب كثيراً من التوقعات المعتمدة من قبلها من حيث طول فترة الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للطاقة في العالم.
فتقدم البحث العلمي الخاص بالطاقة البديلة "النظيفة" وصل إلى مراحل متقدمة جداً ويمكن حتى للإنسان غير المختص الشعور بهذا الأمر بوضوح حينما تصبح المركبات المعتمدة في تشغيل محركاتها على الكهرباء "بدل البنزين" أكثر دروجاً في العالم، وهو أمر ليس بالبعيد زمنياً.
- كيف تؤثر التوترات الجارية في المنطقة على اقتصاد الخليج، وهل نحن قادرون على تخطي هذه التوترات اقتصادياً؟
يمكن إيجاز الأمر بأن الحالة التي تمر بها المنطقة العربية وليس منطقة الخليج تحديداً أنها شكلت عامل استنزاف لمساحة كان من المفترض أنها مخصصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتطور والبحث العلمي لبلدان المنطقة وشعوبها، وتستطيع دول الخليج العربي التقلب على هذه الظروف التي داهمتها بتفعيل أدوات التكامل الاقتصادي بشكل حقيقي وفاعل فيما بينها. فشعوب المنطقة من نسيج واحد والأمر ليس بذاك الصعوبة متى ما تحققت الإرادة من الجميع.
يذكر أن مملكة البحرين لها مساهمات فاعلة نحو تحقيق الوصول لمفهوم التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي.
- في ظل الأحداث الجارية، ماذا تنصح المستثمرين سواء في دول الغرب أو الولايات المتحدة أو الدول العربية؟
عملية الاستثمار واحدة في كل العالم ولها متطلباتها المسبقة شأنها شأن أي عمل تجاري الذي يتطلب الخبرة العملية والعلمية في القطاع المراد العمل به، وهذا يعني عدم التوغل بأي قطاع إلا بعد تملك أدواته الأساسية الكفيلة بتوفير فرص النجاح به.
كما أن مسألة الاستثمار تتطلب ملازمة الثقافة المعرفية بالقطاع المستهدف ومتابعة تطوراته وظروفه المتجددة محلياً وعالمياً، كما تستوجب الوعي بالقوة النسبية بين قطاعات الأعمال "المقارنة بين القطاعات الأكثر نجاحاً وطلباً وما يستجد منها عالمياً" وتنويع مصادر الاستثمار هو احد الطرق الكفيلة بتقليل الخسائر.
كما أن تخصيص احتياطيات مالية كسيولة هي أحد أهم الرافعات المالية لأي مستثمر والتي تتيح له مواصلة العمل حينما تواجهه أي عملية توسع أو إخفاق في عمله، وما يجب تداركه كتفكير استثماري أن ما قد ينجح لدى الغير من أعمال ليس بالضرورة أن ينجح في بيئتك، فلكل بلد متطلباته وظروفه، وإن كان من نصيحة عامة للمستثمرين فهي محاولة الاستفادة من التوجه العالمي واهتمامه بقطاع وعلم الخدمات الرقمية وتقنية البيانات والتخزين والتي تتوسع طردياً، كما أن مجال الاستثمار في إنتاج الطاقة النظيفة "البديلة" سيكون محور الاهتمام العالمي قريباً.
أما النصيحة البديهية للدول العربية فعليها الاهتمام بالاستثمار بمراكز البحث العلمي وتفعيل دور مراكز التفكير "Think tanks" لديها.
- ما الخطوات الداعمة التي تصب في مصلحة تنشيط الاقتصاد في مملكة البحرين؟
تمتلك البحرين عدة مقومات تؤهلها لدور فاعل اقتصادياً سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي والدولي رغم صغر مساحتها الجغرافية.
فالمساحة لم تعد تحدياً أمام التطور والبروز عالمياً - فهي تمتلك كفاءات بشرية محلية وموقعا جغرافيا حيوياً وقيادة تتطلع نحو المستقبل بتفاؤل وهي ركائز أساسية لإنجاح أي فعالية اقتصادية في أي بلد.
وكل ما يتطلبه الأمر هو التركيز على دور الطاقات الشابة الكفؤة وإعطاؤها الفرصة الكافية للقيام بدورها والتعبير عن تطلعاتها الفكرية الاقتصادية وتعبيد الطريق لها لبلوغ أهدافها.
وعطفاً على الموقع الاستراتيجي للبحرين -وفي ظل التسارع الزمني والتنافس الدولي- فينبغي استغلال ذلك بتنشيط قطاعات كانت متفوقة إقليمياً كقطاع البنوك والسياحة والثقافة والمعرفة والمجال الحرفي وإعادة الحيوية إليها وإبرازها من جديد لتكون رافداً مهماً لجذب السيولة الخارجية وداعماً رئيساً للاقتصاد الكلي.