بلومبرغ يتمتَّع مستثمرو الفضاء مثل جيف بيزوس بشغفهم الزائد لاكتشاف الخيال العلمي مثلما كان في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، لكنَّ المستثمرين الحاليين يزيدوا على من سبقهم بأنَّهم مقتنعون بأنَّ مستقبل البشرية يرتبط بالنجوم.أحد الاختلافات الرئيسية أيضاً، أن من كانوا في حقبة السبعينيات لم يكن لديهم ما يزيد عن 200 مليار دولار من الثروة، وسفينة فضاء صاروخية سوف تنقل يوم الثلاثاء أغنى شخص في العالم إلى ما وراء خط كرمان.بالإضافة إلى ما يتمتَّعون به من دعم متداولي منصة "روبن هود" التي تدفعهم لمزيد من النجاح نتيجة الإقبال على شراء الأسهم والأوراق المالية المتعلِّقة بصناعة الفضاء.صناعة بـ1.4 تريليون دولارجعلت صناديق الاستثمار المتداولة، والشركات الناشئة، وتكنولوجيا التداول الجديدة مراهنة الناس على مستقبل الاقتصاد خارج كوكب الأرض أسهل من أيِّ وقت مضى.يقدِّر بنك "أوف أمريكا" قيمة صناعة الفضاء بنحو 415 مليار دولار مع إمكانية نموها إلى 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2030.جذبت أنباء رحلة "بيزوس" القادمة يوم الثلاثاء وزميله الملياردير ريتشارد برانسون في وقت سابق من هذا الشهر انتباه المستثمرين لما هو أبعد وأكبر من رحلاتهم. فقد أطلقت كاثي وود مديرة الاستثمار الرائدة في مارس الماضي صندوق المؤشرات المتداولة "أرك سبيس إكسبلوريشن" (ARKX) كأول صندوق جديد لتداول المؤشرات تطلقه الشركة منذ عامين، إذ تتعقَّب شركة إدارة الاستثمارات النشطة شركات استكشاف الفضاء والابتكار. وقد نجحت في جذب أكثر من 600 مليون دولار من الأصول في أول ظهور لها هذا العام.بدأت شركة خدمات إطلاق الأقمار الصناعية "أسترا سبيس" Astra Space Inc في وقت سابق من هذا الصيف الإدراج والتداول في "بورصة ناسداك" بعد اندماجها مع شركة "الشيكات على البياض" "هوليسيتي" Holicity Inc.كما أعلنت شركات أخرى، مثل شركة الإطلاق "روكيت لاب" Rocket Lab USA Inc و"ريدواير" Redwire للبنية التحتية عزمهما طرح أسهم الشركتين للجمهور. ويتزامن ذلك كله مع سعادة المستثمرين الأفراد المقتنعين باكتشافات الفضاء.قال أليكس غرينفيلد كاتب السيناريو البالغ من العمر 48 عاماً، وأحد مستثمري الفضاء الجدد الذي يعيش في ماونت سنو في فيرمونت: "ربما يكون من الصعب لمن في عمري الذهاب للفضاء، ولكن كان بإمكاني مساعدة الصناعة، فقد لعبت أعمال "حرب النجوم"، و"ستار تريك " دوراً مهماً في نشأة هذه الثقافة الشعبية، وكان ذلك مثيراً بالنسبة لي".بدأ غرينفيلد كالعديد من الأمريكيين الاستثمار بنشاط لأول مرة العام الماضي باستخدام منصة "روبن هود" للتداول بالتزامن مع جائحة كوفيد19. لكنَّه وعلى عكس العديد من الأمريكيين يقول، إنَّ أوَّل تحرُّك له، ودخوله السوق تمَّ عندما كان منتشياً أثناء مشاهدة سلسلة الخيال العلمي "ويستوورلد"، ويفكر عما يتطلبه بناء روبوت.لقد قاده ذلك في النهاية للفضاء. اشترى غرينفيلد في يناير وثائق بقيمة 500 دولار في صندوق "بروكيور سبيس" للمؤشرات المتداولة في البورصة التي تبلغ قيمتها 120 مليون دولار، وتتركَّز أصوله في شركات تجني غالبية إيراداتها من الصناعات المرتبطة بالفضاء.عاد غرينفيلد ليستثمر 150 دولاراً إضافية أثناء هبوط السوق، ثم اشترى بقيمة 500 دولار أسهم في صندوق "وودز أركس" بعد إطلاقه ليزيد استثماره إلى نحو 1000 دولار هذا الصيف.يعرف غرينفيلد أنَّ الاستثمار في الفضاء يتطلَّب (جرأة وشاعرية). لكن كاتب السيناريو يقول، إنَّه يأمل في أن تؤدي التقنيات الجديدة التي لا تبدو للوهلة الأولى أنَّها تتمحور حول الفضاء إلى النهوض بهذا القطاع.كما أبدى تفاؤله بشكل خاص بشأن الطباعة ثلاثية الأبعاد في الفضاء، التي يمكن أن تقلل بشكل كبير من تكلفة شحن البضائع اللازمة لبناء بيئات بشرية على كواكب أخرى.يقول غرينفيلد: "سوف يستثمر البعض الأموال المناسبة في شركة ناشئة جديدة بقيمة تريليون دولار، وسيكون أطفال هؤلاء الأشخاص هم كارنيجيز".فرصة نمو هائلتتوافق الرؤية طويلة الأجل مع توصيات بعض المستشارين الماليين تجاه صناعة الفضاء واعتقاهم فيما تنطوي عليه من إمكانات.يقول نوح دامسكي مؤسس شركة "مارينا" لاستشارات إدارة الأصول، ومقرّها لوس أنغلوس: "إنَّها فرصة لتحقيق نمو هائل بطرق لا يمكننا حتى تخيلها. مثل الـ"بتكوين" منذ عدة سنوات عندما كان شيئاً لا يمكننا حتى فهمه".يقول لريان جريزر المخطط المالي في شركة "أوبولوس"للاستشارات استشارية في دويلستون فيبنسلفانيا، يمكن أن يؤدي الدخول مبكراً في قطاع ناشئ إلى تعزيز العوائد الإجمالية للمحفظة.ويعتقد جريزر أنَّ تقارب بعض التقنيات قد ينطوي على فرصة، إذ قد يدفع ذلك إلى تسارع الاتجاهات التي قد تجعل من السفر إلى الفضاء أكثر ربحية. ومن بين تلك التكنولوجيا، تقارب تكنولوجيا الفضاء مع الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، ورقائق الاستشعار.مخاطر متوقعةتبقى هناك مخاطر تلوح في الأفق، وقد تفشل الصواريخ. فقد رفعت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية دعوى قضائية في 13 يوليو ضد شركة الشحن الفضائي "مومنتوس"، وشركة الشيكات على بياض "ستابل روود أكويزيشن"، إذ اتهمت الجهة التنظيمية "مومنتوس" بالتحايل بشأن التقنية الخاصة بالشركة، وأنَّ نظام الدفع الخاص بها قد "تمَّ اختباره بنجاح" في الفضاء.كما أقرَّت اللجنة تكرار "ستابل روود أكويزيشن" ادعاءات "مومنتوس" المضللة في افصاحها الخاص بالاكتتاب دون التحقق من ذلك.يحذِّر المستشارون الماليون أيضاً من أنَّ الفضاء قطاع ناشئ، لذلك؛ فإنَّ احتمالات التقلُّبات والخسارة مرتفعة. وعلى سبيل المثال، قد سجَّلت أسهم شركة "فيرجين غلاكتيك هولدنغ" المملوكة لبرانسون تراجعاً في كلِّ أيام التداول منذ بدء رحلته الفضائية، مما أدى إلى محو مكاسبها كافةً منذ مطلع يونيو. الأمر الذي أدى إلى مواصلة صناديق الاستثمار المتداولة في الفضاء نزيف خسائرها خلال الشهرين الماضيين.يختلف المستثمرون حول طبيعة الاستثمار في الفضاء. فقد فوجئ بعضهم باستثمار صندوق "وودز أركس" على سبيل المثال في أسهم "نتفليكس"، "أمازون"، "ألفابيت"، وحتى في شركة "ديري" المصنعة للجرارات الزراعية الكبيرة.يقول كايل والتون الذي درس الهندسة الصناعية البالغ من العمر 30 عاماً من ويتشيتا بولاية كنساس، الذي يدير مجموعة "فيسبوك" للاستثمار في الفضاء، ويمتلك وثائق في صندوق "أرك سبيس إكسبلوريشن" بنحو 2000 دولار: "لقد صنعنا الكثير من الميمات والنكات عن جون ديري".يشير والتون إلى منحه صندوق "أرك سبيس إكسبلوريشن" عاماً آخر للتحقق من شكوكه حول استثماره في الفضاء في الوقت الذي يؤكِّد فيه على تفضيله الاستثمار في صندوق "بروكيور سبيس" UFO، إذ يعدّه أكثر انكشافاً على القطاع نتيجة متطلَّباته الأكثر صرامة في التركيز على الاستثمارات بصناعة الفضاء. يستثمر والتون حوالي 3700 دولار في "بروكيور سبيس".قال تود روزنبلوث مدير أبحاث صناديق المؤشرات المتداولة في "سي إف أر إيه": "هناك أكثر من طريقة لتطبيق استراتيجية استثمارية مرتبطة بالفضاء واستكشافه. لقد طبَّقت "أرك سبيس إكسبلوريشن" استراتيجية أوسع لاستكشاف الشركات التي يمكن أن ترتبط بالقطاع، التي تشمل شركات أقل وضوحاً".وبالتطبيق على "جون ديري" على سبيل المثال. فطبيعي أنَّ الشركة لن تطلق الجرارات نحو السماء في وقت قريب. ولكنَّها عملت مع مختبر الدفع النفَّاث التابع لوكالة "ناسا" لتطوير تقنية الجرارات ذاتية القيادة. كما أنَّ "ديري" تستثمر بشكل مكثَّف في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والطائرات بدون طيار التي تنطوي في الغالب على تطبيقات فضائية.ومثلما هو الحال في باقي الصناعات؛ قد تتصدَّر شركات الاستهلاك الدعائية عناوين الصحف، إذ تخطط "فيرجين غلاكتيك" لبدء نقل الركاب إلى الفضاء شبه المداري العام المقبل بسعر يزيد عن 250 ألف دولار للمقعد الواحد. ولكن الشركات التي تكون بعيدةً عن الأضواء والشركات، التي تركِّز على أنشطة أعمالها، تكون لديها القدرة على جني الأموال الطائلة.يقول تيس هاتش الشريك في "بيسمر فينتشر بارتنرز" التي تركِّز على الاستثمار في الفضاء: "السياحة الفضائية تحظى بالكثير من الحديث. لكن هذا الاقتصاد يشمل قطاعاً بالكامل يتضمَّن الصواريخ، والأقمار الصناعية، والبنية التحتية للتواصل وتصنيع الأقمار الصناعية، باختصار، الأشياء التي ستجعل الحياة اليومية ممكنة في إمبراطورية المجرَّة المستقبلية".