بقلم د. أحمد الخُزاعي

مستشار سياسي



مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في دورته الخامسة نلاحظ تراجع دور الجمعيات السياسية وتصدر مستقلين مغمورين للساحة الانتخابية مع تصريحاتهم التي لا تمت للواقع بأية صلة تذكر. المرشحين المستقلين هذه المرة بعيدين كل البعد عن العمل السياسي، ولأول مرة نسمع عن أسمائهم الشخصية ومسمياتهم المهنية أيضاً؛ البعض أسمى نفسه خبير اقتصادي والآخر ناشط وطني، إعلامي، اجتماعي، أو حتى انستقرامي وهي للأسف ألقاب هم أطلقوها على أنفسهم ولم تعطِ لهم مقابل استحقاق أكاديمي أو عملي، في ظاهرة تعكس تراجع الوعي السياسي في مجتمع يفقه مواطنوه في كل مجالات الحياة والنتيجة كما نرى، في تراجع واضح.

أين تبخرت التنظيمات السياسية المرموقة التي كانت تنظم الندوات وتجاهر بأيدولوجياتها بل وتتسابق فيما بينها لتثقيف المواطنين بكل الطرق المتاحة. في رأيي، ظهور فئة المستقلين الجديدة والتي لا تفقه غالباً أبجديات العمل السياسي هو تراجع نتيجة انحسار الثقة بين الشارع والجمعيات السياسية من ناحية، وبين الجمعيات والنخب السياسية المستقلة من ناحية أخرى. أي أن ظهورهم هو نتيجة عدم ثقة وأيضاً لشح النتائج التي قدموها خصوصاً وأنهم ركزوا على المكاسب الحزبية الضيقة وقدموها على المشاريع الوطنية الجامعة.

الملاحظ أيضاً في هذه الدورة كثرة المترشحين وكثرة تصريحاتهم النارية الغير مدروسة والتي تشكل أكبر نسبة مخالفات انتخابية قبل فتح باب الترشح حتى اليوم! فأغلبهم بدأ يخاطب الدولة ويطالب ويثمن ويشجب! والبعض الآخر يعد بأمور ليست من اختصاصه "في حال وصوله طبعاً" وكأنما تحولت المجالس المنتخبة لمقاهي شعبية يتباهى فيها صغار العقول بمن يعرف من مسؤولين وكيف أنه يستطيع فرض عضلاته في اصلاح الاقتصاد.

من سمات هذه الدورة أيضاً كثرة القوائم الوهمية التي يدعي فيها قادتها المزعومون أنهم قاموا بالتنسيق مع شخصيات مرموقة سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً! وعند سؤالهم عن الميزانيات المرصودة لقائمتهم وما مصدرها وماهي برامجهم وكيف سيقومون باختراق صناديق الاقتراع، يأتي الرد بأنهم مازالوا لا يملكون أية ميزانيات، او أنهم لن يقوموا بتمويل أعضاء كتلتهم، أو حتى بدعمهم لوجستيا، وأنهم لم ينتهوا من وضع برنامجهم الانتخابي. أما الرد المفضل بالنسبة لي هو أنهم لم يخبروا أعضاء كتلتهم بعد بأنهم أعضاء فيها كتخطيط استراتيجي حسب زعمهم، وأنهم لن يخطروهم ببرنامج الكتلة وعن زملائهم في هذه الكتلة الا عند اقتراب موعد التصويت!

كل ما ذكر سابقاً يعزى لتردي العمل السياسي المنظم المتمثل في الجمعيات السياسية. فالعمل السياسي، والبرلماني لن يتطور إلا مع تطور عمل هؤلاء، فلا يوجد عمل سياسي يتقدم عن طريق مستقلين، ولا معنى للعمل البرلماني في ظل غياب تكتلات مبنية بشكل صحيح تحمل فكراً سياسياً وخبرات متراكمة تنسق فيما بينها لبناء برلمان وطني بامتياز بعداً عن تخبطات الخدمات وردود الأفعال، يسعى لإرضاء الرأي العام بدل قيادته.