طمحت أن أصبح طبيباً بعد مرض والدتي بـ«الخبيث»

حسن الستري دفعه مرض والدته بـ«الخبيث» ووفاتها وهو ابن 13 عاماً للتخطيط لأن يصبح طبيباً، بيد أن الحظ لم يحالفه لدخول كلية الطب، ليجد نفسه طالباً عسكرياً مبتعثاً من قوة دفاع البحرين للدراسة في باكستان. تلك هي البداية لعضو مجلس النواب السابق محمد الجودر، الذي وجد صعوبة بالغة في العمل العسكري في بداية دراسته، وكان يخطط لترك العسكرية، لولا التصدّي الحازم لوالده له، مؤكداً أن قوة دفاع البحرين هي مصنع الرجال، حيث تعلّم قوة التحمّل والصبر، حتى نال أكثر من 48 شهادة، مشيراً إلى أن عبوره مثلث برمودا أثناء دراسته العسكرية كان أجمل رحلة في حياته. الجودر ذكر في حديثه لـ«الوطن» أنه تشبّع بالسياسة منذ طفولته، فقد كان خاله نائباً في السبعينات، وقد كان متأثراً بالفكر القومي والعروبي الذي كان منتشراً في تلك الفترة، لذلك اتّجه إلى خوض تجربة مجلس النواب عام 2014، وحالفه الحظ، وبعد تقاعده من قوة الدفاع دخل مجال التجارة، ولايزال يمارسها إلى اليوم، موضحاً أن لديه من الإخوة 11، ومن الأبناء 5؛ اثنان في قوة دفاع البحرين، وابنة تعمل كابتن طيار، وطالب بالجامعة، وابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة، مما جعله يلقي محاضرات عن متلازمة داون، لأن ابنته من هذه الفئة، كما أسّس جمعية أولياء أمور المعاقين، وهو عضو في جمعية متلازمة داون، وعضو بالاتحاد البحريني للمعاقين. وفيما يلي نص الحوار: حدثنا عن نشأتك؟ - أرجعتنا 60 سنة للوراء، نشأت في قلب المحرق، حيث الطيبة والمحبة والسلام والأخوّة، لا طائفية ولا غيرها، وتحديداً في فريج بن هندي، أو فريج الجودر، لا تهمني المسمّيات، ولكن تهمّني الحياة التي عشناها، والمحبة التي كنا نعيشها، ندخل من بيت إلى بيت. ولدت في 10 فبراير 1962، وعرفت ذلك من خلال صندوق للوالد، رأينا فيه التاريخ بالهجري، وحولته للميلادي، ولدت في البيت، حيث كانت الأمهات يضعن أطفالهن في البيوت في تلك الفترة، ولم نكن نعرف المستشفيات يومها، ودرست في مدرسة عمر بن الخطاب من الأول الابتدائي ولغاية الثاني الإعدادي. كيف كانت تربية الوالد؟ الوالد كان صارماً، وفي الوقت نفسه حنوناً، كان صارماً لمصلحتنا. كان يجبرنا على النوم ظُهراً بنظرة «العين الحمرة» منه بعد الغداء، وكلّنا ننام، حتى لو لم يكن يغلبنا النعاس. كان الوالد يعمل في السعودية، وعاد منها بعد وفاة والده، واستقرّ في البحرين، لأنه كان أكبر إخوته، فرجع إلى البحرين لكي يُنفق على إخوانه، وبعدها اشتغل في الجوازات، في فرضة المنامة، ونُقل إلى مطار البحرين، وبعدها إلى ميناء سلمان حتى أُحيل للتقاعد. والوالدة؟ - فقدت والدتي وأنا ابن 13 عاماً، وكانت مصابة بمرض الخبيث، ولم يُشخّص المرض إلا متأخراً في الهند، وتمّت معالجتها هناك، وعادت إلى البحرين، فجرت لها مضاعفات، لتسافر إلى الهند مرة أخرى، ثم فارقت الحياة. وبما أن الوالد كان صارماً، كانت الوالدة هي الحضن، ولكن بعد مرضها ووفاتها تزوّج بعدها، لكي ترعانا زوجة أبينا، لأن أغلبنا يومها كنا طلبة مدارس، وكانت لدينا أخت عمرها سنتان، فاضطر للزواج، وعشنا حياة جميلة إلى أن اختاره الله. كيف كانت مرحلة الدراسة؟ - المدرس كان الأب الثاني، كان المدرسون حازمين معنا، وذلك من أجل مصلحتنا، كنت من المتفوقين أثناء حياة الوالدة، إذ كانت تدفعنا للتعلم رغم أنها لم تدخل مدرسة، ولكنها كانت حافظة للقرآن، وكان أخونا راشد الابن والأخ للوالدة، وكان يعلمها القراءة والكتابة، وواصلنا مسيرة التعليم. الدراسة كانت صعبة، وكان أخونا راشد يضغط علينا للدراسة، وكان الذي يعلمنا إذا واجهنا أي مشكلة، فقد كان من المتفوقين، كنا 12 أخاً وأختاً، وكان أخونا يساعدنا جميعاً في الدراسة، رغم أنه كان يعمل في تلفزيون البحرين في ذلك الوقت. أين كانت دراستك في المرحلة الثانوية؟ - في مدرسة الهداية الخليفية، وتحديداً في المسار العلمي؛ لأنه كان لدي طموح أن أصبح طبيباً لكي أُعالج الناس، خصوصاً عندما مرضتْ والدتي، وكان المسار العلمي صعباً. كنا نذاكر في الامتحانات النهائية المنهج من بداية السنة لنهايته، وليس كما هو الحال تُقدّم الامتحان لفصل واحد. من هم أبرز زملائك في مرحلة الدراسة؟ - الموسيقار عصام الجودر، ونائب رئيس جامعة البحرين حسن شرف، ووكيل وزارة مساعد في البلديات عبدالله عبدالرحمن. تفرقنا، وأنا اليوم أجمعهم كل شهر، مرة واحدة، وتوقفت بسبب وفاة أخي، لأنه كان يجلس معنا، ونتمنى أن تعود لقاءاتنا من جديد. بعد التخرّج، أين اتجهت؟ - قدّمت أوراقي للالتحاق بجامعة بونا لدراسة الطب، كما قدّمت أوراقي للإمارات، حيث كانوا يقبلون البحرينيين، ولكن تمّ إيقاف القبول في تلك السنة. اشتغلت في تلفزيون البحرين. مساعد مخرج، وقالوا لنا في تلك الفترة إنهم يريدون مهندسين، فكانت لي فرصة، وكانت الدراسة في كلية الخليج التقنية، حيث جامعة البوليتكنك حالياً. درست فيها لأكثر من عام، وكان الوضع صعباً، كنا ندرس ونعمل ولم تكن لدينا سيارة يومها. بعدها رأيت إعلاناً لقوة دفاع البحرين لابتعاث طلبة ليتخرّجوا ضباطاً بحريين، فقدّمت أوراقي وتمّ قبولي سنة 1980، وبعد الفترة التدريبية في البحرين، ابتُعثت عام 1981 إلى باكستان. سافرت إلى باكستان، وكانت أول مرة أسافر بالطائرة، عندما ذهبت إلى باكستان اكتشفت صعوبة الأمر، حيث علّمونا الاعتياد على الحياة البحرية، وحلقوا شعورنا وشواربنا ولحانا. عشت 6 أشهر في باكستان «كرف»، وكنت أخطط لترك العسكرية، وحين رجعت للبحرين أردت الانسحاب، ولكن «جبروت الوالد» حال دون ذلك، وأسمعني كلاماً هزّني هزّاً، وكانت نظرة منه تخيفنا، وواصلت 4 سنوات ونصف حتى تخرّجت من الكلية الحربية. عملت مع طارق المؤيد حدّثنا عنه. - كان رجلاً قوياً، وكان يتابع كل شيء بنفسه، وكان شديداً، ويأتي متلثماً في وقت متأخر ليرى العمل. كيف كانت مرحلة الدراسة في باكستان؟ - النظام، أول سنتين تجلس في الأكاديمية لدراسة علوم نظرية والتدريب العسكري، من الساعة السادسة صباحاً ولغاية الساعة العاشرة مساء، ويطفئون الأنوار للنوم، ولكن لم نكن ننام، فكان القدامى يأتون ويسمعوننا كلاماً لاذعاً، بهدف أن يعلمونا التحمّل. فكانوا يحجزوننا ولكن في مصلحتنا، كانت عملية تهيئة للنفس، يعلمونا الشدّة والتحمّل، وبعد هاتين السنتين كنا نجلس سنة كاملة على متن السفن، وهذه كانت أجمل فترة في حياتي، أتذكر أرسلونا إلى فلادلفيا لنأتي بالسفينة من أمريكا إلى باكستان، عبرنا مثلث برمودا، ويومها كانت الشائعات عنه قوية، ولكن طمنونا بأنه لا عليكم من هذا الكلام. خرجنا ليلاً وواجهنا عواصف، رأيت الموت بعيني، حتى وصلنا إلى جزيرة برمودا، كنا نرى قاع البحر على عمق 12 متراً، وخرجنا من جزر برمودا إلى البرتغال، وبعدها إلى إسبانيا، ومنها إلى إيطاليا، ثم الإسكندرية وبور سعيد، ثم جدة، وذهبت للعمرة، وكانت أول عمرة في حياتي، ثم من جدة إلى باكستان، رحلة استغرقت 47 يوماً، كانت من أجمل الرحلات. بعد رحلة السفن نركّز على مرحلة التخصّص لسنة وشهرين، وأحياناً كانت تحدث قلاقل وتُغلق الجامعات، إلى أن تخرّجت عام 1985، وعُيّنت ملازماً أول في البحرية، وهنا ابتدأت حياتي من جديد. حدّثنا عن مرحلة حرب تحرير الكويت. - في سنة 1990 احتل العراق الكويت، وكان هذا شيئاً جديداً، فزمن ضم دولة لدولة بالقوة ولّى، فعشنا مرحلة الصدمة. خرجت سفن بحرية من الكويت إلى البحرين، حيث كانت تُعَدّ الخطط، نحن في البحرية لم نخض الحرب إلا في النهاية، وعشنا مرحلة استنفار في منطقة الخليج العربي، وهناك قوات برية شاركت في الجزيرة. ويوم حُرّرت الكويت، تم إعطاء المجال للسفن الكويتية للتقدّم، ونحن كنا في الخلف، كمشاركين، لكن سلاح الجو كان في الخط الأول، حتى تمّ تحرير الكويت. ونحن في دول مجلس التعاون، كانت هناك اتفاقية للتعاون العسكري، حتى في عام 1994 لمّا اقتربت القوات العراقية من الحدود، ذهبنا إلى الكويت. ماذا كانت رتبتك قبل التقاعد؟! تقاعدت عام 2008 برتبة مُقدّم. أتذكّر حين كنت نائباً بمجلس النواب، وصفتَ قوة الدفاع بمصنع الرجال، اشرح لنا هذه العبارة؟ - هي مصنع الرجال، بما تحمل الكلمة من معنى. كلنا كنا مدنيين، وعشنا الحياة المدنية. لما تتحوّل إلى الصفة العسكرية تدرك الفرق، حيث تتعلّم قوة التحمّل والصبر والسهر، كنا نجلس 3 أيام بالبحر، لأجل أن ينام المدنيون بأمان، كان دورنا تأمين الحدود البحرية، وكنّا العين الساهرة لخدمة الوطن. أليس تأمين الحدود البحرية مسؤولية خفر السواحل؟ - السواحل مسؤوليتهم السواحل والمياه الإقليمية، أما في عمق البحر، فهذا دور قوة دفاع البحرين، ونحن منطقتنا محدودة، فكان من السهل اكتشاف أي أمر بالرادار، وقوة الدفاع أسّسها جلالة الملك المعظّم بمعاونة القائد العام لقوة دفاع البحرين، وبتنا من الدول المتقدّمة في التكنولوجيا والتدريب، ولا أدلَّ على ذلك مشاركة البحرين في كثير من العمليات الإقليمية، فالبحرين بلد صغير، ولكنها شاركت في عمليات كبيرة، وتولي اهتماماً بالغاً بالعمليات العسكرية، والخطط التي تضعها القيادة. ماذا فعل محمد الجودر بعد التقاعد؟ - دخلت مجال التجارة في السعودية في المولدات والكاميرات، ووفقني الله فيها خلال فترة بسيطة. تاجرت في المولدات، بعدها اشتراها شخص سعودي ووفقه الله، ثم في الكاميرات، ودخلت في مناقصات عدة، ولم أُوفّق في أي منها، وصرفت النظر عنها، ثم استثمرت في العقارات والحمد لله مستمر على وضعي الحالي. وأنا في التجارة عملت في شركة الجنوب للسياحة كمدير تنفيذي لفترة من الزمن، وشعرت بأن مسألة السياحة مهمة للبحرين، فالبحرين تمتلك المقوّمات السياحية كلها، وحين كنت عضواً بمجلس النواب قدّمت مقترحاً، وأكدت أن المملكة تمتلك جميع المقومات السياحية. بعدها اتجهت إلى ممارسة العمل السياسي من خلال مجلس النواب، فهو في دمي منذ أن كنت صغيراً، وخالي محمد سيادي كان عضواً بمجلس النواب في السبعينات، عشت معه وتشبعّنا بالفكر القومي والعروبي. راودتني فكرة الدخول لمجلس النواب، وكانت تجربة لقيتُ معارضة فيها، لأنه لم يكن يعرفني أحد، فنحن في المجال العسكري لم نكن ندخل المجالس ونشارك المدنيين، حتى بعد أن تركت العسكرية واجهت صعوبة في المجالس، فأنا لم أعتد أن يقاطعني أحد، ومع الأيام تأقلمت. دخلت مجلس النواب، وعائلتنا كبيرة في قلالي، وهذا أعطاني نوعاً من التفاؤل لأن أدخل وأمارس دوري الرقابي، وكنت الأول عليهم في الجولة الأولى، وهذا لم يكن متوقعاً، ودخلت الإعادة مع النائب الحالي خالد بوعنق، وفزت عليه بالجولة الثانية. ما هي الإنجازات التي حققتها بمجلس النواب؟ - خلال الأربع سنوات التي بالمجلس حققت نجاحات، ومررت بإخفاقات. دخلت المجلس، كان همّي نادي قلالي، فهو نادٍ قديم وعريق في منطقة المحرق، هناك أندية بَنَت نفسها في فترة لاحقة، والحكومة شيّدت لها ملاعب، لماذا نادي قلالي بدون ملعب، كان همي إنشاء ملعب للنادي. مشيت في الخطوات إلى أن صار لهم المبنى الإداري الموجود، ودخلت مع الوزير السابق هشام الجودر، وكانت عملية التواصل سهلة لإيجاد حلول، فزار النادي ووقف على الأمر، ولم تكن هناك أراضٍ، وجدنا أرضاً وسط البحر، وعرضت على مجلس الإدارة، ولكن مجلس الإدارة لم يكن راغباً فيها، قلت لهم خذوها، وغداً ساوموا عليه، وهم اليوم بدون أرض، ولكن لهم أسبابهم الخاصة، النائب الحالي يسعى لأن يوفر لهم أرضاً. تحدثت في إحدى الجلسات بأن قلالي لا يوجد بها مركز صحي، وقدّمنا مقترحاً، ووافقتْ عليه الحكومة، ولكن توقّف بسبب عدم وجود الميزانية، وهو في طور التنفيذ حالياً. وكانت لي مداخلة عن ساحل قلالي، وأشرت إلى أن منظر «العرشان» على البحر غير حضاري، بل لابد أن تكون هناك تنمية، فهي واجهة البلد. طرحت أفكاراً، ولكن لم تُنفّذ.. لماذا؟ - التنفيذ مرتبط بالميزانية كما تعلم، والعمل التشريعي والبلدي تراكمي، ومن يأتي بعدنا يُكمل المسيرة. ماذا فعلتَ بعد مجلس النواب؟ - رجعت إلى التجارة، وأنا بالأساس لم أتركها. هل لديك أنشطة في جمعيات خيرية؟ - قُدّمت لي عدة عروض لكي أكون رئيس جمعية، ولكنني رافض المبدأ، وأنا مازلت أسعى لخدمة الناس بعلاقاتي الاجتماعية والرسمية، فأنا مازلت أواصل المجالس، وأُلقي المحاضرات فيها، أُلقي محاضرات عن متلازمة داون، لأن ابنتي من هذه الفئة، أسّستُ جمعية أولياء أمور المعاقين، ومازلت عضواً في جمعية متلازمة داون، وعضواً بالاتحاد البحريني للمعاقين. حدّثنا عن هواياتك. - كانت لدىّ العديد من الهوايات، أحبّ السباحة، أسبح 300 متر ذهاب، ومثلها عودة، أوقفت نشاطاتي في الأندية الرياضية، ولكن لم أتوقف عن القراءة، وأحبّ قراءة الكتب السياسية. حدثنا عن أبنائك. - الحارث وحسن يعملان في قوة دفاع البحرين، هما متخرّجان ويقدّمان للماستر، وأمارس عليهما الضغط لكي ينالا الدكتوراه، لديَّ بنت كابتن طيار، ولديّ طلال يدرس بالجامعة ويعمل بالجمارك، والخامسة احتياجات خاصة، ونحن نضغط على أنفسنا لنراها في أعلى المراتب. كلمة أخيرة تودّ قولها. - أودّ الإشارة إلى أن قوة دفاع البحرين كان لها الفضل عليّ، فهي التي درّستني وعلّمتني، حتى نلت أكثر من 48 شهادة، ودرّست أبنائي، وأخرجتني من المدنية للعسكرية.