أيمن شكل
يُعدّ المانع الأدبي، أحد أهم القيود التي تؤثر في طرق الإثبات أمام القضاء، إذ يمثل حالة نفسية أو اجتماعية تحول دون قيام شخص ما بأخذ دليل كتابي من الطرف الآخر، على الرغم من وجود معاملة أو اتفاق يستلزم ذلك.
وتبرز أهمية هذا المانع في الحياة العملية، وخصوصاً في الروابط الأسرية والاجتماعية التي قد تمنع أحد أطراف العلاقة من مطالبة الآخر بتوثيق حقه كتابة.
وفي ورقة بحثية له، لفت المحامي محمد الشرعبي إلى أن التشريعات العربية اختلفت في نطاق تطبيق المانع الأدبي وأثره على حجية الإثبات، وقدم مقارنة بين القانون البحريني ونظيره المصري.
وبين الشرعبي مفهوم المانع الأدبي في القانون المصري، حيث كرس القانون المدني المصري فكرة المانع الأدبي كاستثناء على القاعدة العامة التي تقضي بعدم جواز الإثبات بشهادة الشهود فيما يخالف أو يجاوز دليل كتابياً إذا زاد الدّين على النصاب القانوني. وقال: «اعتبر المشرع المصري أن وجود مانع أدبي بين الخصوم يسقط شرط الكتابة، ويبيح اللجوء إلى البينة والقرائن وفق تقدير المحكم».
واستخلص من أحكام محكمة النقض المصرية، أن المانع الأدبي يتحقق كلما وجدت علاقة تجعل من غير الملائم، أو من غير الممكن مطالبة الطرف الآخر بتحرير محرر كتابي، منوهاً إلى أن أحكام النقض استقرت على أن الروابط الأسرية القوية، والعلاقات العاطفية، وصلات المصاهرة، وعلاقة التبعية بين العامل وصاحب العمل، قد تمثل مانعاً أدبياً متى ثبتت للمحكمة.
وأشار الشرعبي إلى مرونة الاتجاه المصري حيث يعتمد على تقدير القاضي دون حصر للصور التي تشكل مانعا أدبيا، مع ضرورة أن يقدم المدعي من القرائن ما يقنع المحكمة بوجود ذلك المانع.
مفهوم المانع الأدبي في القانون البحريني
وحول المفهوم في القانون البحريني، لفت الشرعبي إلى أن تنظيم المانع الأدبي في البحرين يأتي أكثر تحفظاً من حيث نطاق تطبيقه. فالمانع الأدبي مقبول أمام المحاكم البحرينية متى ثبت للمحكمة أن ظروف العلاقة بين الطرفين تجعل المطالبة بالكتابة أمراً محرجاً أو غير لائق اجتماعياً.
وأوضح أن محكمة التمييز البحرينية، تناولت هذه الفكرة في عدة أحكام، مؤكدة أن حالات القرابة المباشرة، والعلاقات التي تقوم على الود والثقة، والعلاقات الأسرية الضيقة، تمثل نماذج للمانع الأدبي، غير أنها تشدد على ضرورة أن يثبت المدعي وجود معاملة قانونية أصلية أولا، ثم يثبت وجود مانع أدبي حال دون الكتابة، ولا يكفي مجرد الادعاء بالعلاقة.
ويميل الاتجاه البحريني، إلى تضييق نطاق تطبيق المانع الأدبي مقارنة بالاتجاه المصري، إذ تشترط المحاكم دقة في الإثبات، وتطلب قرائن قوية تدعم وجود المانع.
وفند الشرعبي أوجه التشابه بين المانع في القانونين، حيث يتفق النظامان المصري والبحريني في عدة نقاط أساسية، أهمها:
1. كلاهما يعتبر المانع الأدبي استثناء على شرط الكتابة في الإثبات.
2. كلاهما يسند تقدير وجود المانع الأدبي إلى قناعة محكمة الموضوع.
3. كلاهما يعد الروابط الأسرية والعلاقات الخاصة من أهم صور المانع الأدبي.
4. كلاهما يشترط أن يقدم المدعي دلائل كافية تشير إلى وجود علاقة تمنعه من تحرير محرر كتابي.
وعلى الرغم من التشابه في الأساس النظري، إلا أن الشرعبي وجد اختلافات تطبيقية واضحة بين النظامين لخصها فيما يلي:
1- أن القانون المصري أكثر مرونة واتساعاً في قبول ادعاء المانع الأدبي، فمحكمة النقض توسع من صوره، وتقبل قرائن متنوعة، بينما في البحرين، فالنهج أكثر تحفظاً، ويشترط وضوح العلاقة وقيام قرائن قوية، ما يجعل إثبات المانع الأدبي أكثر صعوبة.
2- في القانون المصري، يكفي للمدعي تقديم قرينة ترجح وجود المانع لتنتقل المحكمة إلى بحث أصل الحق، بينما في البحرين، يجب إثبات العلاقة وإثبات التعامل وإثبات المانع معا، مما يضاعف مسؤولية المدعي في الإثبات.
3- في القانون المصري، توسعت المحاكم لتشمل العلاقات العاطفية والاجتماعية والوظيفية ضمن المانع الأدبي، بينما في البحرين، غالبا ما تقتصر الحالات على الروابط الأسرية المباشرة أو الثقة الخاصة الواضحة.
الأثر العملي للمانع الأدبي في النزاعات المدنية
وأكد الشرعبي، أن الاعتراف بالمانع الأدبي يؤدي إلى تمكين الأفراد من إثبات حقوقهم على الرغم من عدم وجود محرر كتابي، وهو أمر مهم خصوصاً في البيئات التي تسودها الاعتبارات الاجتماعية والأسرية.
ففي القانون المصري، يسهل هذا الاستثناء على أصحاب الحقوق المطالبة بمستحقاتهم، بينما في البحرين، يعطي النظام حماية أكبر للمراكز القانونية المستقرة، ويحد من الادعاءات غير الجدية.
ويرى بعض الفقهاء، أن التشريعات التي تتوسع في المانع الأدبي قد تفتح الباب للدعاوى الكيدية، في حين أن تضييق نطاقه قد يضيع حقوقاً حقيقية نشأت فعلاً، لكن دون كتابة. ومن ثم، يظل التوازن القضائي هو الضابط الحقيقي لهذا الاستثناء في كلا التشريعين.
وخلص الباحث، إلى أن المانع الأدبي في القانون المصري يتمتع باتساع ومرونة تسمح بتقديره في نطاق واسع من العلاقات، مما يجعل دور القاضي محوريا في تحقيق العدالة. أما القانون البحريني، فيتجه إلى نهج أكثر تحفظا، يوازن بين الضرورة الاجتماعية لإثبات الحق وبين ضرورة استقرار المعاملات المدنية والمحافظة على المراكز القانونية والحد من الدعاوى الكيدية.
وقال: «على الرغم من اختلاف التطبيق، يظل المانع الأدبي ركناً مهماً من أركان الإثبات في التشريع المدني العربي، إذ يعكس اعتراف التشريعات بالبعد الإنساني والاجتماعي للعلاقات القانونية، ويمنح القضاء سلطة تقديرية واسعة لتحقيق العدالة في الحالات التي يتعذر فيها الحصول على محرر كتابي.