في لحظة خاطفة داخل المسجد الحرام، شهد المعتمرون والمصلون موقفًا استثنائيًا جسّد معنى البطولة الحقيقية، حين اندفع الجندي السعودي ريان بن سعيد العسيري ليمنع سقوط شخص ألقى بنفسه من الطوابق العليا. لم يفكر العسيري في المخاطر، ولم يتردد في حماية حياة الآخر، مفضلاً روحه على سلامته الشخصية. أسلوبه الشجاع صدم الحاضرين وأبقى الأرواح في أمان، فيما لحظات ما قبل الاصطدام كانت كفيلة بصناعة مأساة لولا يقظته وسرعة بديهته.
إصابة وبطولة تحظى بالتقدير
أسفر الموقف عن إصابات وكسور تم على إثرها نقل العسيري إلى المستشفى، حيث يتلقى العلاج ويخضع للمتابعة الطبية. ورغم معاناته الجسدية، شهدت الواقعة موجة واسعة من الإشادة من المواطنين السعوديين الذين رأوا في ما فعله تجسيدًا حيًا لمعنى التفاني في حماية الناس، وركيزة أساسية لدور رجال الأمن في الحرمين الشريفين.
اتصال وزير الداخلية
تلقى العسيري اتصالاً هاتفياً من وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، اطمأن خلاله على حالته الصحية، مشيدًا بشجاعته ويقظته، مؤكدًا أن ما قام به يعد نموذجًا مشرفًا لتفاني رجال الأمن السعوديين. وأكد الوزير أن حماية الأرواح هي أولوية قصوى، وأن ما قام به العسيري يعكس الالتزام الراسخ لأمن الحرمين بالذود عن سلامة المصلين والمعتمرين.
رأي السديس: الإنسانية والشرع يجتمعان
من جانبه، علّق رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس على الواقعة، مؤكداً أن حفظ النفس مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، محذراً من مخاطر الإقدام على إيذاء النفس. وأشاد السديس بالموقف الإنساني الذي قدّمه العسيري وزملاؤه، معتبرًا أنه يعكس الرقي الأخلاقي والمسؤولية العالية التي يتحلى بها رجال الأمن في الحرمين الشريفين، وجعل منهم مثالاً يُحتذى به في التضحية والالتزام.
بطولات رجال الأمن تتواصل عبر السنوات
حادثة العسيري ليست منعزلة، بل تأتي ضمن سلسلة طويلة من البطولات التي سطرها رجال الأمن السعوديون في الحرمين الشريفين. فقد واجه الجندي محمد الزهراني في 2021 محاولة اقتحام منبر المسجد الحرام، وأفشلها بحزم وهدوء، بينما تعامل الرقيب أحمد علي العسيري مع شخص مسلح في صحن المطاف بنفس العام، مستخدمًا أقل الإمكانات لضمان سلامة المصلين. كما تصدى الجندي شاهر الهذلي عام 2014 للطعنات الغادرة أثناء أداء واجبه، وعاد فور تعافيه لمواصلة حماية المعتمرين.
عقيدة أمنية راسخة وتدريب عالٍ
تؤكد هذه المواقف أن ما يجري في الحرمين الشريفين ليس صدفة، بل نتيجة عقيدة أمنية راسخة، وتدريب متقدم، وإحساس عميق بالمسؤولية، يجعل رجال الأمن حاضر الذهن في أصعب اللحظات. كل موقف يُسجل كدرس في التضحية واليقظة، ويشكل مثالًا على الالتزام الأخلاقي والميداني الذي يميز قوة الأمن في المملكة.
أبطال المكان وحراس الأرواح
اليوم يرقد ريان العسيري على سرير الشفاء، متحملًا آثار التضحية الجسدية، لكن اسمه أصبح رمزًا جديدًا من رموز رجال الأمن الذين يؤمنون أن حماية الحرم المكي وأمن المصلين ليست مهمة عابرة، بل أمانة كبرى. هؤلاء الأبطال ليسوا مجرد حراس للمكان، بل حراس للأرواح، وسياج إنساني يحمي قدسية أطهر بقاع الأرض، ويجسد نموذجًا حيًا للوفاء والتفاني في خدمة الإنسانية والدين على حد سواء.