سماح علام

«الصوم نظام حياتي دوري يضفي الهوية الإسلامية إلى الإنسان المسلم، وللصوم أثر عميق على الصحة الشاملة بأبعادها الأربعة البدنية والنفسية والاجتماعية والروحية».. هكذا بدأت خبير أول تعزيز صحة في اليونيدو ومؤسس ورئيس أسباير أكشن أجيفمنت للاستشارات د.أمل الجودر حديثها عن الصحة في رمضان.. وفي هذه الوقفة تفصل د.أمل بعض الجوانب الصحية ذات العلاقة بالشهر الكريم، فهي تثري بلفتاتها الصحية الوعي المجتمعي بالكثير من المعلومات حول الحياة اليومية في رمضان، وأسلوب التغذية الصحية، وتفاصيل الشهر الكريم من خيم وسهر وعادات تراثية وغيرها، فهذه المحاور وغيرها نوردها مفصلة في السطور التالية..

تقول د.الجودر: «على مستوى البدن يساهم الصوم في تخليص الجسم من الشحوم المتراكمة ويقي ويعالج السمنة، وهو فرصة لإعطاء المعدة والأمعاء والكلي والدورة الدموية فترات من الراحة. وهو فرصة متواتية لمن يريد التوقف عن التدخين فبإمكانه اختيار هذا الشهر للبدء في ذلك فمادام استطاع التوقف نهاراً فبإمكانه المواصلة، وبمنعه للسمنة والمساهمة في التوقف عن التدخين يكون ساهم في الوقاية من الأمراض المزمنة غير المعدية كأمراض القلب والسكرى والسرطان.. إلخ. وعلى الجانب النفسي فإن الصوم يقرب الإنسان إلى الله تعالى ويكثر من النوافل وقراءة القرآن مما يجعله يشعر بالأمن النفسي وتمتلئ نفسه البشرية بالراحة والاطمئنان في عصر أصبح القلق والتوتر سمة من سماته. وبهذا يساهم الصيام في منع التأثيرات السلبية الناتجة عن القلق والتوتر. وعلى الصعيد الاجتماعي يساهم الصيام في تجميع أفراد العائلة الواحدة على مائدة تناول الإفطار والتي قلما تجتمع في خلافه على وجبة واحدة بسبب اختلاف ظروف كل فرد منهم. كما يرتبط شهر رمضان بالزيارات العائلية وصلة الأرحام والشعور بحاجة الفقير والمسكين، فتكثر موائد الرحمن في جميع الأنحاء فتقوى الروابط الاجتماعية بين أفراد العائلة الواحدة والمجتمع ككل وتلبى احتياجات الفقراء والمحتاجين من خلال الصدقات والزكوات تقرباً لله عز وجل. وعلى الصعيد الروحي فالصوم يسمو بالروح لتستحضر معنى الحياة والغرض منها، ويذكرنا بدورنا في الحياة الدنيا كخلفاء لله في هذه الأرض، فنتعاون على البر والتقوى ونرتقي بأخلاقنا ومبادئنا الإسلامية لنكون نموذجاً وقدوة لغيرنا حتى نكون شهداء على غيرنا من الأمم كما أرادنا الله سبحانه وتعالى».

عدم الإسراف

في الطعام

وتنبه د.الجودر إلى ضرورة عدم الإسراف في الطعام، وعنه تقول: «من أجل الحصول على فوائد الصيام البدنية والنفسية على المسلم أن يلتزم بآداب الصيام. ويجدر الذكر بأن تمام تقوى اللّه في هذا الشهر أن يأكل المسلم ويشرب دون إسراف تصديقاً لقوله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).. إن عدم الالتزام بهذا النص القرآني كثيراً ما يؤدى إلى التخمة والمشاكل الهضمية المنتشرة في رمضان، وقد يتساءل البعض لماذا تزيد هذه المشاكل؟ أليس الصوم صحة فنرد عليهم بالقول نعم، ولكن هل التزم الصائمون بآدابه؟ هل شهر الصيام هو استبدال النهار بالليل واستمرار الأكل والسهر طوال الليل والشعور بالخمول والتخمة طوال النهار؟ ليس هذا ما أراده الإسلام ولن تكون هناك فائدة من الصيام بهذه الطريقة بل العكس هو الصحيح، وقد تفاجأ هذه الفئة من الناس بزيادة السكر والكوليسترول وارتفاع الضغط ومعدل أوزانهم، وبدلاً من أن يستفيدوا من التأثير الإيجابي للصوم على الصحة نراهم يضرون أنفسهم».

الالتزام بالسنّة النبوية

وتزيد د.الجودر في التفصيل عن آداب الصيام قائلة: «أمرنا رسول الله (ص) بأن نعجل بالفطور ونؤخر بالسحور وبذلك تقلل فترة الصيام إلى أقل فترة ممكنة. كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالسحور فقال «تسحروا ففي السحور بركة « ووجبة السحور ضرورية جداً، فهي تعوضنا عن وجبة الفطور في الأيام العادية. وبذلك يتمكن الصائم من الذهاب إلى عمله ويستطيع التركيز والإنجاز».

وتضيف: «من المهم جداً انسجام الجانب الصحي مع الجانب النفسي، وهو ما يتأتى بتلاوة القرآن والاستماع إليه يعود على القارئ والمستمع براحة نفسية كبيرة وتشعره بقربه إلى اللّه تعالى مما يقوى من صحته النفسية والروحية، وأيضاً ينطبق الأمر على صلاة التراويح، فبالإضافة إلى أجرها الكبير عند الله تعالى فصلاة التراويح تعود على الصحة بالفائدة العضوية التي تنتج من الحركات، والنفسية من قراءة القرآن والدعاء، والاجتماعية من التجمع في المساجد والصلاة في جماعة، والروحية من استشعار الصلة الوثيقة بين الله والعبد، إذن هي رياضة بدنية نفسية اجتماعية وروحية أي 4 فوائد من عمل واحد.

الحياة الاجتماعية

في رمضان

وتلفت محدثتنا د.الجودر إلى أهمية الاهتمام بالجانب الاجتماعي خلال شهر رمضان، وعنه تقول: «صلة الرحم من وصلها فقد وصل الله ومن قطعها فقد قطع صله الله، لذا فلنستثمر هذا الشهر المبارك بصلة أرحامنا خاصة من قطعنا، فالصلة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، أيضاً تأتي أهمية حضور الدروس الدينية، فهي استثمار للوقت في أمور تعود على الإنسان بالنفع في الدنيا والآخرة، فالدروس الدينية هي التي تلهمنا وتحفزنا لعمل الخير والإكثار منه، أيضاً علينا الابتعاد عما يسمى بالخيام الرمضانية، فللأسف الشديد انتشرت عادة دخيلة علينا في العقدين الأخيرين ألا وهي ما يطلق عليه بالخيام الرمضانية والتي أبعد ما تكون عن روح رمضان، فهي تجمع على الشيشة والأغاني والسهر ومنصة للغيبة والنميمة، كما أنها تشكل عبئاً اقتصادياً على ميزانية الأسرة، ولو كل فرد منا قاطع هذه الخيام لصارت في موقع النسيان، فلو لم يكن هناك طلب لما كان هناك عرض».

الغذاء المتوازن

تنصح د.الجودر بالغذاء المتوازن الذي عادة ما تكون فكرة الالتزام بالاعتدال فكرة ضعيفة أمام تعدد الأطباق وكثرة الطعام بأنواعه، ولكنها تبين أهمية إلزام النفس بالاعتدال في كل شيء، بوصف الاعتدال أسلوب حياة، وتقول: «ابدأ فطورك بالتمر اقتداءً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن للتمر فائدة كبيرة جداً، إذ يحتوى على نسبة عالية من السكر مما يجعله سهل الهضم والامتصاص، فيرفع نسبة السكر في الدم في وقت قصير، ثم اشرب كوباً من الماء أو عصير الفاكهة أو اللبن أو الشوربة، ثم بعدها قم لصلاة المغرب ثم عد للفطور على أن تأكل بالإضافة إلى السلطة الخضراء نوعاً واحداً من الأطباق الرئيسة، كأن تأكل يوماً الهريس فقط ويوماً آخر الرز فقط ويوماً ثالثاً الثريد فقط، لا أن تجمع الأنواع الثلاثة معاً كما هو دارج بين معظم الناس، فهو مضر من الناحية الصحية والمادية والدينية».

وتزيد قائلة: «أما بين الإفطار والسحور، حوالي العاشرة مساء يمكنك تناول وجبة خفيفة مثل الكستر أو بعض الحلويات الشعبية ولكن بدون الإكثار منها، وألا يكون الشخص يعاني من السمنة والسكرى. والأفضل من هذه الحلويات تناول الفاكهة الطازجة والروب في هذه الفترة، أما السحور فبالإمكان تناول الروب أو الأغذية التي تحتوي على الألياف كالفول والحمص والخبر الأسمر والشوفان بالإضافة إلى كوب من اللبن أو الحليب أو الشاي والقهوة إذا كنت من المتعودين عليها، فإن ذلك سيساعدك على تحمل العطش وقلة الإحساس بالجوع أو الصداع في اليوم التالي».

المريض والصوم

وعن المريض والصيام تبدأ د.أمل الجودر حديثها بآية من الذكر الحكيم، إذ قال الله تعالى « ومن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر»، والسؤال الذي يطرح نفسه من هو المريض ومن يحدده؟ تجيب د.الجودر قائلة: «بصفة عامة يستطيع المسلم نفسه أن يحدد مدى قدرته على الصوم من عدمه وليعلم بأن الله يعلم ما في القلوب. فلا يسرف المسلم في رخصة يعلم أنه لا يستحقها، وبالطبع على المريض أخذ رأى طبيبه المعالج سواء كان مسلماً أم لا فهو أعرف بمرضه ومدى تأثير المرض بطول فترة الجوع، كذلك كيفية أخذ العلاج أثناء الصوم، وهناك أمراض لا يرجى شفاؤها وهذه أباح اللّه لهم بالفطر وإخراج صدقة».

وتورد د.الجودر بعض الأمثلة على الأمراض التي تجيز الفطر وهم: «المصابون بالتهابات الجهاز الهضمي الحادة والمسببة نزيفاً أو إسهالاً شديداً أو تقيؤاً لما قد ينتج عنه من فقدان الاتزان المائي والملحي ويحتاج إلى تعويض الجسم بالسوائل، وتقرحات الجهاز الهضمي كقرحة المعدة والاثني عشر، والمصابون بداء السكرى النوع الأول المعتمد على الأنسولين خاصة الذين يتعاطون أكثر من حقنة أنسولين باليوم، وحالات الحمى وارتفاع درجة الحرارة فلا يقوى على جهد الصيام وتعطيه الإحساس بالضعف العام، والحمل وتعتمد على فترة الحمل والصحة العامة للمرأة الحامل ووجود أمراض أو مضاعفات أخرى، والمرضى المصابون بالسرطان المنتشر أو المصابون بقصور وظائف الأعضاء كالكلي، والمقيمون في المستشفى لأسباب طارئة كعمليات جراحية أو حوادث أو مرضى».

تفاصيل حياتية رمضانية

وتختم د.أمل الجودر بتوضيحات تخص صيام الأطفال والسهر والقرقاعون، وعنهما تفصل: «من المفيد أن يبدأ بتدريب الطفل السليم بدنياً على الصيام من سن التاسعة. حيث يكون صيامه بالتدريج أي يفطر فطوراً في الصباح ثم يصوم طوال الفترة الصباحية ثم يتغذى غذاء خفيفاً ويصوم حتى موعد الفطور حتى يستطيع الصوم يوماً كاملاً.. أما السهر في رمضان فهو من العادات المنتشرة في رمضان كالسهرات والغبقات التي تلاقي رواجاً كبيراً من الشباب، إلا أنها للأسف عادة غير صحية إذ يكثر فيها تناول الأغذية الدسمة والحلوة ويؤدي السهر إلى عدم حصول الجسم على كفايته من النوم. بالإضافة إلى قضاء معظم الأوقات في أمور غير مفيدة، والأجدر أن تتحول هذه الغبقة إلى سهرة مبكرة من التاسعة إلى الحادية عشرة ويتناول بها وجبات صحية مفيدة وتدور حول ذكر اللّه وتلاوة القرآن الكريم والمناقشات الاجتماعية الهادفة وممارسة الرياضة المفيدة، بدلاً من الجلوس ولعب الورق وتدخين الشيشة طوال ساعات الليل التي تؤدي إلى انتشار السمنة وأضرارها وأضرار التدخين».

وأخيراً تتحدث عن القرقاعون قائلة: «عادة القرقاعون من العادات الجميلة والشعبية في مملكه البحرين والخليج، حيث يزور الأطفال منازل الأهل والجيران ويغنون أغانيهم الخاصة ويعطون خلطة القرقاعون التي تحتوي على المكسرات والحلويات، وهناك أمور لا بد من التأكد منها كصلاحية القرقاعون حتى لا تحدث حالات تسم، ومراقبة الأطفال عند تناول القرقاعون خاصة الصغار منهم حتى لا يتعرضوا لحوادث اختناق وبلع الأجسام الغريبة وانزلاقها إلى مجرى التنفس، والتأكيد عليهم بأهمية مراقبة الشارع قبل العبور منعاً لأي حادث مروري. وكذلك على السائقين تخفيف سرعتهم خاصة عندما يكونون داخل المجمعات السكانية حيث يكثر الأطفال في هذه الليلة تحديداً».

كانت هذه إضاءات صحية قدمتها د.أمل الجودر لقراء «الوطن»، مع تهنئة ببلوغ الشهر الكريم وأمنيات تحقيق مفهوم الصحة الشاملة ونيل الأجر العظيم.