كان المخترع وعالم الكيمياء الألماني فريتز هابر، يوم الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 1915 حاضراً خلال معركة إيبرس الثانية، والتي جرت وقائعها أثناء الحرب العالمية الأولى، ليشهد تجربة واحد من أسوأ الاختراعات في تاريخ البشرية.
لم يكن هذا الاختراع سوى غاز الكلور السام، الذي عمل هابر على إنتاجه طيلة الفترة الماضية، حيث عرف عن هذا العالم الألماني تأييده المطلق لفكرة استخدام مثل هذه الأسلحة، التي كانت قادرة على إلحاق خسائر بشرية فادحة بالعدو خلال فترة وجيزة.
و أطلقت القوات الألمانية خلال هذه التجربة الأولى ما يعادل 168 طناً من هذا الغاز القاتل ضد القوات الفرنسية، لتتسبب بمقتل ما لا يقل عن 5 آلاف جندي، وإصابة 10 آلاف آخرين، وبالتزامن مع نجاح هذه التجربة، كسب السلاح الكيمياوي شهرة سريعة ليلقب العالم الألماني فريتز هابر إثرها بـ"أبو الحروب الكيمياوية".
وإضافة إلى هذا الجانب السييء الذي أضر كثيراً بسمعته، كان لعالم الكيمياء الألماني فريتز هابر المولود سنة 1868 ببروسيا، دور هام في إنقاذ البشرية عن طريق توفير كميات هائلة من الغذاء لها، ويعزى السبب في ذلك إلى نجاحه في إنتاج السماد النيتروجيني الصناعي.
يصنف النيتروجين إضافة إلى البوتاسيوم والفسفور والماء وأشعة الشمس، ضمن قائمة أهم 5 عناصر تحتاجها النبتة للنمو.
وعرف عن النيتروجين أنه كان متوفراً بشكل كاف بالسماد الطبيعي والذي استخرج أساساً من البقايا النباتية والحيوانية.
عانى كثير من الفلاحين مطلع القرن العشرين، في مختلف أصقاع العالم من نقص في الأسمدة، مما هدد المحصول الغذائي العالمي.
وأمام هذا الوضع، اتجه العالم فريتز هابر برفقة مساعده روبرت لي روسينيول للبحث عن طريقة جديدة للحصول على الأسمدة ومساعدة الفلاحين.
ومع حلول سنة 1909، حقق الكيمياوي الألماني مبتغاه، حيث نجح في تحويل غازات الهيدروجين والنيتروجين إلى الأمونيا اعتماداً على الضغط العالي والمحفّزات الكيمياوية، وهو الأمر الذي ساهم في إنتاج الأسمدة النيتروجينية التي هي حالياً أكثر أنواع الأسمدة استخداماً.
وخلال الفترة التالية، أقدمت مؤسسة باسف الألمانية المختصة في الصناعات الكيمياوية على شراء حقوق استخدام الاكتشاف الذي حققه هابر، وجاء ذلك قبل أن توكل للمهندس والكيمياوي كارل بوش، مهمة إنتاج وتصنيع الأمونيا انطلاقاً من الهيدروجين والنيتروجين على نطاق واسع.
وساهم اكتشاف فريتز هابر والذي عرف بعملية هابر – بوش في تراجع اقتصاد التشيلي التي صنفت حينها كأهم مصدّر للأسمدة، واستغل الألمان هذه العملية لإنتاج كميات كبيرة من الأمونيا، والتي استخدمت خلال الحرب العالمية الأولى لتعويض واردات البلاد من الأسمدة، ولم تتردد مصانع الأسلحة الألمانية في اعتماد هذه المادة لإنتاج القذائف والمتفجرات، وهو ما ساهم في إطالة مدة الحرب بشكل لافت للانتباه.
وحصل الفلاحون في مختلف أرجاء العالم على كميات وافرة من الأسمدة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع نسبة المحاصيل الغذائية، بفضل عملية هابر – بوش التي اكتشفت من قبل الكيمياوي الألماني فريتز هابر،
وشهد العالم خلال القرن العشرين نمواً ديموغرافياً هائلاً غير مسبوق على مر التاريخ البشري، بسبب توفر كميات كبيرة من الغذاء، حيث ارتفع عدد سكان الأرض من حوالي ملياري نسمة سنة 1920 ليبلغ 6 مليارات نسمة في حدود عام 1999.
وتكريماً لجهوده في ابتكار طريقة هابر – بوش، حصل فريتز هابر سنة 1918 على جائزة نوبل للكيمياء، الأمر الذي أثار غضب كثيرين ممن اعتبروه مجرماً بسبب إسهاماته الجبارة في إنتاج غاز الكلور السام، الذي استخدم خلال أول هجوم كيمياوي عرفه التاريخ.