أبداً لم تكن أخلاق الإنسان بـ«التجمل»، ولا بـ«الادعاء»، وأيضاً ليست إطلاقاً هي تلك الناتجة عما يُسمى كذباً بـ«الدبلوماسية الاجتماعية»، بل الأخلاق الحقة هي تلك النابعة من داخل الإنسان عبر قناعته وانطلاقاً من تربيته وتنشئته ودينه.
رسولنا الكريم صلوات الله عليه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ذكر سيد البشر وأكرمهم عند ربه الأخلاق حتى قبل الرسالة والدين؛ لأن الأخلاق هي تتمة الدين، هذا الدين العظيم الذي كل تعاليمه تمثل منهاجاً للنفس البشرية، منهاجاً يزكيها وينقيها ويجعل أفرادها يمثلون أمة من خير الأمم.
تذكرت هذا الكلام وأنا في أحد المجالس مع معارف وأصدقاء من ذوي المكانة والنسب، فإذا بحديث يسود بشكل غريب، بدأه أحدهم مشبهاً آخر مازحاً بأنه (...)، أي شخص من جنسية آسيوية، في سعي منه للصق صفة الغباء به، ووسط ضحك الجميع، قلت لهم: ماذا لو أن شعوباً أخرى اتخذت من جملة «أنت بحريني» كأسلوب سخرية من مستوى إنسان آخر، ألن نتضايق ونزعل؟! أن نعتبرها إهانة وتمييزاً وعنصرية؟!
أجاب بعضهم بـ«نعم»، وآخر قال: «لا تكبر الموضوع، هي نكتة وبس»، فقلت: مصيبة بعض المزاح، وبعض الأقوال والتشبيهات التي نرميها جزافاً، إنها تجعلنا نخالف ما ندعيه من أخلاق، تحولنا إلى من يأخذ الدين لباساً ومظهراً له فقط، بينما في داخله هو يكفر بتعاليمه وأخلاقياته، والأدهى أنها تجعلنا نظهر «عنصرية دفينة» وهي ما اعتبرها رسولنا «جاهلية» يأثم صاحبها.
لا أزكي نفسي؛ فكل إنسان خطاء، لكننا ننسى كثيراً ما درسناه وتعلمناه من ديننا وموروثات مجتمعنا العربي القائمة على الأخلاق والنخوة والشهامة وحسن التعامل والإنسانية، نقوم لنصلي ونركع لله، ثم نعود لنعصيه ونخالف ما يأمرنا به.
قلت لهم: لنبحث عن العنصرية بداخلنا! نعم كل واحد فينا لديه عنصرية بداخله، وغالباً هي لا تكون بقصد، لكنها تخرج بعفوية، وفي مواقف نديرها بضحك وسخرية، وهنا لنسأل أنفسنا: ألم تصادفنا لحظة قللنا فيها من شأن بشر آخرين، سواء أكانوا من أعراق أخرى، أو من ذوي ألوان بشرة مغايرة؟! أولا يعقد الناس مقارنات يصنفون فيها البشر وفق تصنيفات مختلفة؟! أولسنا في بعض أحكامنا عنصريين، دون أن نعرف أنها عنصرية؟!
بعض البشر لا يترك صلاته ولا صيامه، لكنه قد يخسف بكل البشر الآخرين بسبب نسب أو عرق أو منصب أو جاه، وقد ترى في المقابل شخصاً مقصراً في دينه وواجباته، لكنه لا يقبل الإساءة لآسيوي ينظف الشارع، أو متسول يسأل الناس ما يشتري به قوته، فأيهم أسمى في الخلق هنا؟
لو كانت حظوة الإنسان في نسبه وماله ومنصبه وشكله وجنسيته لما قال رسولنا الكريم إنه سمع صوت سيدنا بلال الحبشي مؤذن الإسلام في الجنة قبله، ولما قال رسولنا الكريم موصياً أمته في خطبة الوداع: «يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى».
تذكر يا من غرتك الدنيا وغرك حسبك ونسبك ومنصبك وجاهك أنك من طين، وأن الدنيا زائلة، وأنك أمام الله واحد من خلقه لا ميزة لك على غيرك. وتذكر كلما أردت استخدام أي من ذلك في استصغار البشر أنك لا تسوى نعل سيدنا بلال الأسود الحبشي الذي جعل له الله مقاماً عالياً في جنته مع الصديقين والشهداء والأنبياء.
{{ article.visit_count }}
رسولنا الكريم صلوات الله عليه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ذكر سيد البشر وأكرمهم عند ربه الأخلاق حتى قبل الرسالة والدين؛ لأن الأخلاق هي تتمة الدين، هذا الدين العظيم الذي كل تعاليمه تمثل منهاجاً للنفس البشرية، منهاجاً يزكيها وينقيها ويجعل أفرادها يمثلون أمة من خير الأمم.
تذكرت هذا الكلام وأنا في أحد المجالس مع معارف وأصدقاء من ذوي المكانة والنسب، فإذا بحديث يسود بشكل غريب، بدأه أحدهم مشبهاً آخر مازحاً بأنه (...)، أي شخص من جنسية آسيوية، في سعي منه للصق صفة الغباء به، ووسط ضحك الجميع، قلت لهم: ماذا لو أن شعوباً أخرى اتخذت من جملة «أنت بحريني» كأسلوب سخرية من مستوى إنسان آخر، ألن نتضايق ونزعل؟! أن نعتبرها إهانة وتمييزاً وعنصرية؟!
أجاب بعضهم بـ«نعم»، وآخر قال: «لا تكبر الموضوع، هي نكتة وبس»، فقلت: مصيبة بعض المزاح، وبعض الأقوال والتشبيهات التي نرميها جزافاً، إنها تجعلنا نخالف ما ندعيه من أخلاق، تحولنا إلى من يأخذ الدين لباساً ومظهراً له فقط، بينما في داخله هو يكفر بتعاليمه وأخلاقياته، والأدهى أنها تجعلنا نظهر «عنصرية دفينة» وهي ما اعتبرها رسولنا «جاهلية» يأثم صاحبها.
لا أزكي نفسي؛ فكل إنسان خطاء، لكننا ننسى كثيراً ما درسناه وتعلمناه من ديننا وموروثات مجتمعنا العربي القائمة على الأخلاق والنخوة والشهامة وحسن التعامل والإنسانية، نقوم لنصلي ونركع لله، ثم نعود لنعصيه ونخالف ما يأمرنا به.
قلت لهم: لنبحث عن العنصرية بداخلنا! نعم كل واحد فينا لديه عنصرية بداخله، وغالباً هي لا تكون بقصد، لكنها تخرج بعفوية، وفي مواقف نديرها بضحك وسخرية، وهنا لنسأل أنفسنا: ألم تصادفنا لحظة قللنا فيها من شأن بشر آخرين، سواء أكانوا من أعراق أخرى، أو من ذوي ألوان بشرة مغايرة؟! أولا يعقد الناس مقارنات يصنفون فيها البشر وفق تصنيفات مختلفة؟! أولسنا في بعض أحكامنا عنصريين، دون أن نعرف أنها عنصرية؟!
بعض البشر لا يترك صلاته ولا صيامه، لكنه قد يخسف بكل البشر الآخرين بسبب نسب أو عرق أو منصب أو جاه، وقد ترى في المقابل شخصاً مقصراً في دينه وواجباته، لكنه لا يقبل الإساءة لآسيوي ينظف الشارع، أو متسول يسأل الناس ما يشتري به قوته، فأيهم أسمى في الخلق هنا؟
لو كانت حظوة الإنسان في نسبه وماله ومنصبه وشكله وجنسيته لما قال رسولنا الكريم إنه سمع صوت سيدنا بلال الحبشي مؤذن الإسلام في الجنة قبله، ولما قال رسولنا الكريم موصياً أمته في خطبة الوداع: «يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى».
تذكر يا من غرتك الدنيا وغرك حسبك ونسبك ومنصبك وجاهك أنك من طين، وأن الدنيا زائلة، وأنك أمام الله واحد من خلقه لا ميزة لك على غيرك. وتذكر كلما أردت استخدام أي من ذلك في استصغار البشر أنك لا تسوى نعل سيدنا بلال الأسود الحبشي الذي جعل له الله مقاماً عالياً في جنته مع الصديقين والشهداء والأنبياء.