الشغف، بدرجاته المختلفة، هو أفضل دافع يحمسنا للعمل، والهوايات، والأنشطة، والإنجازات، وللحياة مكتملة. أحياناً يكون الشغف حالة ذاتية من طبيعة الفرد نفسه، ومن تلقاء ظروفه التي تجعله يتعلق بشيء ما، موضوع ما، فكرة ما، أو شخص ما. وأحياناً يكون مكتسباً يتدرب المرء عليه ويصنع له عالماً يُشغف به. وحين يفقد المرء شغفه السابق، أو لا يجد الشغف من أساسه، فإنه يعيش حالة انطفاء وانسحاب تحيط بها كآبة غامرة ربما لا يدرك هو نفسه أسبابها.

التحفيز الداخلي الذي يعبر عنه الشغف هو عنوان إنسانيتنا. نحن البشر لسنا آلات تعمل وفق برمجة محددة سلفة ومنضبطة الوقت والأداء. البشر يسود عملهم وتفاعلهم مع الحياة وأنشطتهم قطع كبيرة من العاطفة تربط بين الأشياء والأشخاص والأوقات. فبدون العاطفة التي تخلق الشغف يصبح استيقاظ الصباح للذهاب للعمل أمراً مزعجاً. ويصبح التعامل مع بعض الأشخاص نوعاً من العذاب. والعاطفة بكل تلوناتها وتحولاتها وتقلباتها هي الدافع للفكر كي يبدع في كتابته، ورسوماته ومنحوتاته، وأي مجال من مجالات الفن التي لا يمكن الإبداع فيها بدون الشغف.

ولا يقتصر الشغف على الانجذاب العاطفي فقط. بل يحتاج الشغف كي يشتعل ويستمر إلى مجموعة من الظروف المحيطة. مثل المكان والوقت والأشخاص المحيطين، والنتائج المرتقبة. الشغف حالة من تراكم السعادة، وتوالي التحديات التي تجلب المتعة وتحفز على الاستمرار في أي أمر كان عملا أو هواية أو تطوعاً. وحين تغيب بعض أو أكثر تلك العوامل السابقة. سواء من محيط مريح أو أشخاص جاذبين أو ظروف مواتية، فإن الشغف يتبدد ويتلاشى. فيتراجع حماس المرء ويتلاشى اندفاعه ويبدأ الملل يسود كل تفاصيل الحياة. وهي حاله يعاني منها الكثيرون سواء الذين تغيرت عليهم ظروف الحياة، أو الذين لم يستطيعوا أن يجدوا شغفهم بعد.

استعادة الشغف أو اختراعه صعب جداً، لكنه ليس مستحيلاً. سيتطلب الأمر من الإنسان نفسه أن يجتهد ليصنع عالماً موازياً أو ظروفاً افتراضية. إنه مجهود زائد على أي شخص يعاني من الإحباط أو معايشة الخسائر المتتالية. لكنه جزء من العمل من أجل تجميل الحياة وجعلها أفضل وأبسط وأكثر قابلية لإنتاج السعادة، التي هي هدف الإنسان في هذه الحياة.