طوال السنوات التي قضيتها على وسائل التواصل الاجتماعي لم أقتنع بأن أتطرق لتفاصيل يومياتي كثيراً، لدي قناعة أني مقدمة لمحتوى ثقافي، ولست ضيفة على الآخرين يتعين عليهم أن يعرفوا طبائعها وذوقها واهتماماتها الذاتية إلا بقدر ما يتسق مع التوجهات الثقافية والاجتماعية التي أطرحها. وبرغم السيل الجارف الذي نشاهده لأشخاص يعرضون علينا كل شيء يخصهم بمناسبة ودون مناسبة فلا عجب أن يتأثر الكثيرون بتلك السلوكيات لأنها، في عالم اللاوعي، وبالاستعراض المسرف للخصوصيات، سوف يخيل إليك أنه من الطبيعي أن تشارك الآخرين حياتك. وهي في الحقيقة، أو هكذا أظن، ليست حالاً طبيعياً.
اللوثة العقلية والسلوكية التي ضربت المجتمع بسبب تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي، واستغلال من يسمون بالمشاهير ومنهم الفنانون، لهذه التطبيقات وبث كل قصصهم الخاصة التافه منها والفضائحي، كسرت حاجز الخجل، وأضاعت المسافة بين ما ينبغي أن يقال وما ينبغي أن يظل بين الجدران. حكايات الطلاق، وعنف الآباء وعقوق الأبناء، مقاطع التقليد الكوميدية ومشاهد الرقص، ألوان «روب الحمام» وأثاث غرف النوم وشراشف الأسِرة.. كلها أصبحت أمراً مشاعا للمتابعين لأنهم صاروا حسب تعبير بعض المشاهير «أهل وحبايب». لكننا، وهذا تبرير غير مجدٍ اجتماعياً، نستطيع أن نتفهم لجوء الفنانين والمشاهير لمثل هذه الإثارة من أجل جذب المشاهدات واستقطاب الإعلانات للتربح المادي، أو البقاء على سدة الشهرة. أما أن تمتد هذه اللوثة إلى الأشخاص العاديين فهؤلاء بحاجة إلى عناية نفسية تخلصهم من وهم الشهرة والأهمية التي انجرفوا في غيابتها.
نعم، هناك من الأشخاص العاديين من ينشر قصص حبه وطلاقه. أو معاناته الأسرية والاجتماعية والمهنية أيضاً. قد نرى أن هؤلاء يبالغون في تغطية سيرتهم اليومية، كأن ينشر أحدهم صورته وهو في المستشفى ويده مغروس بها أنبوب المغذي، ويعلق: الحمدلله على كل حال. ثم يشكر جميع من سأل عنه وعن تطور صحته!! أن يصور يده «اليد مرة أخرى» وهو يحمل كوب قهوة من مقهى مشهور. ويضع يده على مقود السيارة الذي يكشف نوعها، وتكشف الصورة أيضا نوع الساعة التي يرتديها!! تصوير أجزاء المنزل والأبناء والآباء والمطاعم التي يرتادها، والتعبير الدائم عن حالات الفرح والانكسار أو الملل، أو طرح أسئلة فارغة لمجرد الشراكة مع المتابعين.
هناك أشخاص عاديون جداً يشاركون متابعيهم سيرتهم اليومية ابتداء من فتح ستار غرفة النوم، إلى أول كوب قهوة صباحية، إلى الأغاني التي يستمعون إليها في الطريق إلى عملهم. فضلاً عن صورة جهاز الحاسوب ومكتب العمل، وانتهاء بوجبة العشاء، وعبارة تصبحون على خير مع نهاية الرحلة اليومية عديمة المعنى. كلها سيميائيات تشير إلى اندماج الفرد في عالم وهمي، يستحيل أن يقبل في لحظة وعي وجود متابعيه في كل تفاصيل حياته الواقعية بهذه الكثافة.
إنه إحساس «وهمي» بتلاشي الخصوصية، وثقة زائفة بالنفس، واستحضار لشراكة لا توجد في الواقع. إنها علامات فراغ في الذات الفردية يُراد شغله بتحفيز حضور الذات الجماعية التي قد تجد التعبير عن نفسها في أساليب التسلية والمواساة والانشغال بالعالم الافتراضي.
اللوثة العقلية والسلوكية التي ضربت المجتمع بسبب تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي، واستغلال من يسمون بالمشاهير ومنهم الفنانون، لهذه التطبيقات وبث كل قصصهم الخاصة التافه منها والفضائحي، كسرت حاجز الخجل، وأضاعت المسافة بين ما ينبغي أن يقال وما ينبغي أن يظل بين الجدران. حكايات الطلاق، وعنف الآباء وعقوق الأبناء، مقاطع التقليد الكوميدية ومشاهد الرقص، ألوان «روب الحمام» وأثاث غرف النوم وشراشف الأسِرة.. كلها أصبحت أمراً مشاعا للمتابعين لأنهم صاروا حسب تعبير بعض المشاهير «أهل وحبايب». لكننا، وهذا تبرير غير مجدٍ اجتماعياً، نستطيع أن نتفهم لجوء الفنانين والمشاهير لمثل هذه الإثارة من أجل جذب المشاهدات واستقطاب الإعلانات للتربح المادي، أو البقاء على سدة الشهرة. أما أن تمتد هذه اللوثة إلى الأشخاص العاديين فهؤلاء بحاجة إلى عناية نفسية تخلصهم من وهم الشهرة والأهمية التي انجرفوا في غيابتها.
نعم، هناك من الأشخاص العاديين من ينشر قصص حبه وطلاقه. أو معاناته الأسرية والاجتماعية والمهنية أيضاً. قد نرى أن هؤلاء يبالغون في تغطية سيرتهم اليومية، كأن ينشر أحدهم صورته وهو في المستشفى ويده مغروس بها أنبوب المغذي، ويعلق: الحمدلله على كل حال. ثم يشكر جميع من سأل عنه وعن تطور صحته!! أن يصور يده «اليد مرة أخرى» وهو يحمل كوب قهوة من مقهى مشهور. ويضع يده على مقود السيارة الذي يكشف نوعها، وتكشف الصورة أيضا نوع الساعة التي يرتديها!! تصوير أجزاء المنزل والأبناء والآباء والمطاعم التي يرتادها، والتعبير الدائم عن حالات الفرح والانكسار أو الملل، أو طرح أسئلة فارغة لمجرد الشراكة مع المتابعين.
هناك أشخاص عاديون جداً يشاركون متابعيهم سيرتهم اليومية ابتداء من فتح ستار غرفة النوم، إلى أول كوب قهوة صباحية، إلى الأغاني التي يستمعون إليها في الطريق إلى عملهم. فضلاً عن صورة جهاز الحاسوب ومكتب العمل، وانتهاء بوجبة العشاء، وعبارة تصبحون على خير مع نهاية الرحلة اليومية عديمة المعنى. كلها سيميائيات تشير إلى اندماج الفرد في عالم وهمي، يستحيل أن يقبل في لحظة وعي وجود متابعيه في كل تفاصيل حياته الواقعية بهذه الكثافة.
إنه إحساس «وهمي» بتلاشي الخصوصية، وثقة زائفة بالنفس، واستحضار لشراكة لا توجد في الواقع. إنها علامات فراغ في الذات الفردية يُراد شغله بتحفيز حضور الذات الجماعية التي قد تجد التعبير عن نفسها في أساليب التسلية والمواساة والانشغال بالعالم الافتراضي.