من السهل جداً التفاعل مع روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعيّ التوليديّ مثلChatGPT. يمكن التحدث معها في أيّ وقت، تستجيب على الفور، وتعكس بعض المشاعر والسلوكيّات البشريّة. ولكن هنا تكمن المشكلة: كلّما أصبح التفاعل مع روبوتات الدردشة هذه شبيهة بالبشر؛ أصبح من السهل على الناس أن ينسوا أنّها مجرّد خوارزميّات متطوّرة، وليست أصدقاء.

إنّ طمس الخطّ الفاصل بينها والعلاقات الحقيقيّة له مخاطره.

أحد أكبر مخاطر التعامل مع روبوتات الدردشة هذه كرفقة هو الميل إلى إسناد الخصائص البشريّة إليها.

لقد أتقنت ChatGPT وغيرها من التطبيقات المماثلة، مثل Replika، فنّ محاكاة الكلام البشريّ، وتغيير نبرة الصوت، وحتّى القهقهة والضحك؛ ممّا يخلق لدى المستخدم وهم الرفقة الحقيقيّة.

قد يبدو هذا الأمر غير مؤذٍ؛ إلّا أنّ مخاطر هذا الاعتماد العاطفيّ تتّضح بشكل متزايد.لننظر إلى الحالة المأساويّة الّتي حدثت الأسبوع الماضي، عندما قام صبيّ أمريكيّ يبلغ من العمر 14 عاماً بتكوين ارتباط عاطفيّ بشخصيّة ذكاء اصطناعيّ على تطبيق دردشة يسمّى «Character AI»، وقد أدّى ارتباط الصبيّ العميق بهذه الشخصيّة الافتراضيّة إلى انسحابه من التفاعلات في الحياة الواقعيّة، وانتهى به الأمر إلى الانتحار.

وتقوم والدته الآن بمقاضاة الشركة المطوّرة للتطبيق؛ متّهمةً إيّاها بتشجيعه على الانفصال عن الواقع.حتّى في الحالات القصوى؛ يمكن أن تؤدّي روبوتات الدردشة الذكيّة إلى خلق حالة من التبعيّة.

فقد صمّمت لتكون متاحة إلى ما لا نهاية وداعمة ومنتبهة، وهي صفات لا يمكن لأيّ إنسان الحفاظ عليها على مدار الساعة. ففي حين أنّ هذا قد يوفّر راحة مؤقّتة؛ إلّا أنّه يعزّز أيضًا فكرة أنّه يجب تلبية الاحتياجات العاطفيّة للفرد دونما حدود أو فواصل، ممّا يجعل العلاقات البشريّة في العالم الحقيقيّ، والّتي هي بطبيعة الحال محدودة بالوقت والطاقة؛ تبدو أقلّ جاذبيّة أو حتّى محبطة في بعض الأحيان.

إنّ هذا التعلّق لا يؤثّر فقط على السلوك الشخصيّ. فمع مرور الوقت، قد يقودك التفاعل مع روبوت الدردشة الآليّ الّذي يتوافق مع احتياجاتك باستمرار، ويمنحك الأولويّة لاحتياجاتك إلى تطوير توقّعات غير واقعيّة لعلاقاتك البشريّة.

قد تعتاد أن تكون دائمًا محطّ الاهتمام، وتحظى بالموافقة المستمرّة، ممّا قد يضعف قدرتك على التعامل مع الرفض في العالم الحقيقيّ أو الخلافات أو التفاعلات الاجتماعيّة المعقّدة.الخصوصيّة هي مصدر قلق آخر بالغ الأهمّيّة، فبينما قد تشعر بالأمان عند التحدث لهذه الروبوتات الذكيّة، من الضروريّ أن تتذكّر أنّ هذه التفاعلات تتمّ تسجيلها وتخزينها.

قد تَعِد الشركات المطورة لها بتوفير الأمان، ولكنّ انتهاك البيانات قد يحدث، ويمكن الوصول إلى السجلّات.

مع الأصدقاء البشر، على الأقلّ، تظلّ أسرارك خاصّة من خلال الثقة.

الحقيقة هي أنّ روبوتات الدردشة الآليّة الّتي تعمل بالذكاء الاصطناعيّ- بغضّ النظر عن مدى جودة محاكاتها - لا تزال منتجات مصمّمة لتحقيق الربح؛ تُسوقها الشركات مع وعود بالرفقة والدعم، ولكنّ هدفها الأساسيّ هو إشراك أكبر عدد من المستخدمين ولأطول فترة ممكنة.

يمكن أن تكون الروابط العاطفيّة الّتي يكونها الأشخاص مع هذه الروبوتات قويّة، ولكن للأسف؛ قد يمكن استغلالها بسهولة.

في حين أنّ هذا الرفيق الجديد له فوائد؛ إلّا أنّ هناك مخاطر حقيقيّة في التعامل معه كبديل عن التفاعل البشريّ. وحفاظاً على أجيالنا ومن نهتم بهم؛ من الضروريّ البقاء على دراية بالحدود الفاصلة بين الحياة الرقميّة والحياة الواقعيّة.