قد يكون الجواب الذي جاء على لسان وزير الاتصالات السعودي وتقنية المعلومات المهندس عبد الله بن عامر السواحة لا يقف عند مجال الاتصالات فحسب بل إنه يعبر عن ماهية السياسة الخارجية السعودية بالكامل.
فالسواحة يقول «إن السعودية تركز على سد الفجوة الرقمية من أجل إيصال جميع أطياف المجتمع بالشبكة غير الأرضية للتعرف على «كيف يمكن للفضاء إيصال الإنترنت إلى 2.7 مليار شخص ليست لديهم إمكانية الوصول إلى الشبكة»، مضيفاً: «لتوسيع نطاق هذه الحلول وضعنا خريطة طريق مع ما نسميه العناصر الثلاثة: الأطر المشتركة والعمل الجماعي والأدوات التشاركية، ونعتقد أن المملكة يمكنها أن تكون قوة عالمية للتكامل والشريك الأمثل لسد هذه الفجوات» لذلك تبدو المملكة العربية السعودية وكأنها تجمع بين النقيضين وتجسر العلاقة بينهما على الأقل فيما يخدم مصالحها.
نقيضان يبدوان في الأفق هما العلاقة الأمريكية السعودية وكأنهما خطان متوازيان لا يلتقيان إلا من خلال دبلوماسية التي هي أقرب للاعب الأكروبات الماهر الذي تقوده سياسة المملكة العربية السعودية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.
خط يسير لتحسين العلاقة وتمتينها وزيادة روابطها، تصريحات تعزز من قوة هذه العلاقة واستدامتها جاءت على لسان العديد من المسؤولين السعوديين وآخرهم السفيرة لدى واشنطن ريما بنت بندر بن سلطان التي أكدت: «تجمعنا شراكة استراتيجية وصداقة تاريخية مع الولايات المتحدة تمتد لأكثر من 80 عاماً، وكنا دائماً داعمين لبعضنا في الأوقات والظروف المهمة»، مضيفة: «تنعكس أهمية هذه العلاقة ليس على البلدين فحسب، وإنما تخلق أيضاً مزيداً من الاستقرار العالمي».
والأمر يتعدى التصريحات هناك جهود تبذل من أجل تجسير تلك العلاقة من جديد بعدما أفسدتها إدارة بايدن قبل الانتخابات وبعد الرئاسة واجتماعات تجري بين وزارتي الخارجية لتلافي ما خلفته سياسة هذه الإدارة من ضرر على العلاقة بين الدولتين، وتصريحات من الجناح العسكري الممثل بالبنتاغون وقائد القوات المشتركة.
بالمقابل الخط المتوازي المناقض الذي يباعد بين المصلحتين الأمريكية والسعودية ويأتي على رأسها تصريح احتمال وانفتاح السعودية على فك ارتباط البترودولار والتعامل بالعملات الأخرى كاليوان الصيني أو غيره لبيع النفط، فذلك يعد من أخطر التصريحات التي قلبت الموازين وهزت شباك الاقتصاد الأمريكي.
ورغم التعامل الحذر لهذا التصريح من الإعلام الأمريكي، إلا أن ذلك التصريح يمثل إعلان حرب من شأنه أن يهبط بقيمة الدولار الذي يعتمد اعتماداً كبيراً في قوته على حجم التبادلات التجارية به.
من جهة أخرى الإصرار على سقف استمرار برفض زيادة الإنتاج النفطي رغم الحاجة الأمريكية لهذا القرار مما دفع الإدارة الأمريكية باتهام السعودية بأنها هي التي تقف وراء قرار أوبك بلاس واستفزازها بقرارات تشريعية للحد من احتكارها القرار كقانون «نوبك» وانتقادها لعدم خضوعها لقرارات العقوبات على روسيا التي تريد أمريكا أن يلتزم العالم كله بها، جميعها تسير في خط التباعد والتناقض بين المصالح الأمريكية السعودية.
أما التقارب الصيني السعودي فذلك آخر ما تريده أو تتوقعه الولايات المتحدة فما بالك بمناقشة الانضمام لمنظمة «بريكس» فهذا ما سيكون له الأثر الكبير على توازن القوى الصيني الأمريكي لصالح الصين، فتخيل قوة الطرف الذي تكون السعودية في صفه، وهنا يطرح السؤال نفسه أي الخطين يمثل مستقبل العلاقة الأمريكية السعودية؟ إلى أين تتجه هذه العلاقة؟ إلى أي صف تنضم السعودية في هذا النظام العالمي الجديد الذي لم تتضح معالمه بعد؟
أعتقد أن الوفد السعودي أجاب على كثير من هذه التساؤلات في أعمال اليوم الثالث من المنتدى الاقتصادي العالمي 2023 المنعقد في دافوس السويسرية خلال الجلسة الحوارية التي كانت بعنوان «تحول المملكة في سياق المتغيرات العالمية»، إذ تمحورت حول التحول الاقتصادي السريع للسعودية ودورها العالمي في تحقيق الاستقرار على المدى القريب وقيادة التحول على المدى البعيد، وقدّم فيها عدد من أعضاء وفد الرياض رؤاهم حول أثر الاستثمارات الاستراتيجية السعودية وبناء الجسور الجيوسياسية والتصنيع في التحول إلى نموذج اقتصادي يدعو للتفاؤل وسط تحديات الاقتصاد العالمي.
السعودية تحاول أن تكون قطب التجسير الجيوسياسي كما هي قطب لتجسير الاتصالات فتستفيد لا أن تفيد فقط من هذه القطبية، بالرغم من صعوبة هذه الاستراتيجية إلا أنه يبدو أن القطبين مضطران لقبول هذا التناصف فلا أحد يريد أن يخسر ما تقدمه السعودية من أثر ودور في استقرار الاقتصاد العالمي والأمن الدولي.