من الأمور التي أحبها في السفر هي المحادثات العبثية مع الذين تتعامل معهم أثناء إقامتك، أو انتظارك في بعض الأماكن، طبعاً لا أقصد «الملاقيف» الذين يجب أن تتجنبهم خلال سفرك كي لا تبلش بهم ومن ثم تنكل الساعة التي قررت فيها أن تطيل محادثة عابرة.

خلال إقامتي في فندق من سلسلة عالمية مشهورة كنت كثيراً ما أسرق وقتاً متأخراً من الليل في محاولات كتابة بعد يوم طويل بعيداً عن ضوضاء العمل وتوتر الحياة، متنقلاً بين هاتفي وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وعودة لجهازي المحمول في محاولة كتابة أخرى حتى ما قررت الخروج من بهو الفندق والاتجاه إلى الحديقة الخارجية.

هناك وجدت أحد الموظفين في الفندق والذي يعمل في وظيفة حمل الحقائب « concierge»، رحب بي مباشرة وتذكر موعد وصولي حيث كان هو من استقبلني فور وصولي الفندق، تبادلت حديثاً مطولاً مع هذا الموظف والذي سأسميه هنا إدريس وهو من جنسية أفريقية، له ابتسامة جميلة ترتسم على محياه مع ختامه لكل جملة، وهي ابتسامة ساحرة تأتي بعد أن يطريك بلكنة إنجليزية لطيفة، إدريس صاحب شخصية جميلة جداً يشعر بلطافتها كل من يتعامل معه.

سألت إدريس عن وظيفته وطبيعتها الصعبة، خاصة وأنه يعمل في مجال السياحة وفي سلسلة عالمية شهيرة تستقطب ضيوفاً من شتى أنحاء العالم، وبابتسامة ساحرة:

أممممم.. سؤالك هذا فضفاض جداً ويحتاج إلى ساعات طويلة لأخبرك عما نتعرض له هنا بشكل يومي خلال تعاملنا مع النزلاء، ولكن اختر مجالاً معيناً لأجيبك بصورة دقيقة.

تبادر إلى ذهني موضوع البقشيش، هل هو جزء من الراتب وكيف تقيم الشخص الذي سيكرمك من الشخص الذي لن يفعل؟

وبابتسامة هادئة بدأ يخبرني عن طبيعة البقشيش برؤية اقتصادية حكيمة من وجهة نظر حامل حقائب، فقال:

لو نقسم السياح حسب الأعراق على سبيل المثال فالسياح الأمريكيون دائماً ما يكون البقشيش مضموناً معهم، وذلك لطبيعة أمريكا حسب ما أخبروني، أما الأوروبيون فهم يتفاوتون ولكن في الأغلب يجب عليك التلميح لذلك لتحصل على Tip معقول نسبياً، أما العرب فهم يتفاوتون كذلك، فدعنا نركز على الخليجيين بما أنك منهم، فهم أيضاً لهم تصنيفات لدينا، فالبعض منهم يدفع لك ليكرمك جراء مرافقتك له وخدمته، أما آخر فهو يزيد قليلاً في الدفع مع غمزة مما يعني أنك لازم تضبطني بأي شيء، وصنف ثالث فهو من يتحجج دائماً ويقول لمن معه لا تدفعوا له لأنه سيعتاد ذلك ولن يخدمنا إذا لم ندفع له، كما أن ما يفعله هو عمله ونحن دفعنا أجر هذه الخدمة.

طال الحديث مع إدريس كثيراً وتحدثنا عن سلوكيات مختلفة لا يشاهدها ويعايشها إلا من يعمل في قطاع السياحة في مختلف صناعاته، ولكن رسالته لي كانت واضحة وهي طلب مبطن لكل من يتعامل مع هؤلاء الموظفين، أن تكون إنساناً في التعامل مع كل من يقدم لك خدمة سواء كنت ستكرمه أم لا، فأقلها يكون سلوكك لطيفاً.