لعلك أيها القارئ تستغرب هذا العنوان، ومنذ الوهلة الأولى فأول ما يتبادر إلى ذهنك سمكة الزينة الحمراء التي تدور في إنائها الزجاجي ذهاباً وإياباً دونما هدف هل تراها تبحث عن مخرج أم أنها هكذا خلقت لتدور في ذات المكان، لكن لا تستغرب فنحن بالفعل اليوم أشبه ما نكون بتلك السمكة الحمراء.
في الحقيقة نحن مسمرون أمام شاشة الهاتف المحمول بضغطة زر نسجل إعجابنا بمنشور تلو الآخر حتى وإن كان المحتوى تافهاً إلى درجة تبعث على السماجة، وكأننا بتنا في سوق للنخاسة، نعيش اليوم في عالم افتراضي لا يمت للواقع بصلة نضع صوراً وعبارات نوهم أنفسنا بأننا نحن حقاً، نتسابق لنبرهن للعالم أننا نعيش في سعادة مطلقة نتابع الماركات العالمية ونفاخر بامتلاكنا تلك الحقيبة، ونروج للمطاعم نرتشف القهوة في أشهر المقاهي ونسابق الزمن في التقاط الصور لنزين بها منصات التواصل الاجتماعي.
منفصلون عن العالم لا ندرك أننا نعيش في ذلك الوهم منقادون إلى الشبكة العنكبوتية وسطوتها التي توغلت في أدمغتنا مشتتون ما بين تطبيقات من هنا وهناك ومواقع يتداخل محتواها ببعضها البعض، اختلط الحابل بالنابل حتى أصبحنا لا ندرك الواقع من الخيال، لأننا أمام سطوة العالم الرقمي وثورة الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يتوغل في أعماقنا، لا يعني ذلك محاربة الرقمنة وإنما التحكم فيها بطريقة تحفظ عقولنا.
إن ثورة الذكاء الاصطناعي هي الثورة الرابعة ضمن الثورات الصناعية الكبرى التي مرت بها البشرية عبر تاريخها ولا يمكن أن نعيش بمعزل عنها لكننا لم نعد العدة لمجابهة ذلك العملاق الرقمي، فنحن اليوم معرضون لآلاف المشاهدات والمحتوى لجذب الانتباه لخدمة أو سلعة معينة والذي يدخل في إطار مجالات الاقتصاد الحديث فيما يعرف باقتصاد الانتباه وهو ما تستخدمه الشركات الكبرى بهدف تحقيق إيرادات وأرباح من خلال ما تبثه من إعلانات ومشاهدات تشتت انتباه المستخدم بغية تحقيق الربح.
إن ثورة العالم الرقمي لا يمكن صدها أو التعرض لها فأنت اليوم تحمل المعلومة وكل بياناتك الشخصية وحساباتك البنكية في هاتف محمول، تمكن الإدمان منك لدرجة لا تستطيع أن تشيح بنظرك عن هاتفك لدقيقة واحدة، تخيل يوماً أن تعيش نصف يوم بدون هاتفك صدقني فلن تتحمل ذلك البعد عنه، فأنت وإن نسيته تشعر بالضياع فهل تساءلت يوماً لماذا أصبحت أسير تلك الشاشة الصغيرة؟ ولماذا أصبح من الأساسيات في حياتك في حين أنه كان من الكماليات؟ فهل لأن الكماليات أصبحت اليوم من الأساسيات؟ وبات عالمنا اليوم هو شاشة ضيقة نراها العالم على اتساعه؟
لا أطلب منك تركه فهو أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتك، فهو وإن كان ذا نفع وفائدة فلا تسيء استخدامه، لا تدع حياتك تدور في إطار شاشة لتصنع لك عالماً من وهم!
يقول الصحافي الفرنسي برونو باتينو في كتابه حضارة السمكة الحمراء: “الرجل على المنصة واثق من نفسه وفخور بما وجد، توجد خلفه شاشة، على هذه الشاشة الشاسعة سمكة حمراء توجه نظرها إلى الإناء الموجودة فيه، يتكلم عن السمكة الحمراء على الشاشة العملاقة عن ذاك الكائن الغبي الذي يدور دون توقف في إنائه الزجاجي متأكدون بأن ذاكرة هذا الحيوان بدائية وانتباهه متدنٍ جداً بحيث يكتشف عالماً جديداً في كل دورة له في الإناء الزجاجي.. ذاكرة السمكة الحمراء بدلاً من أن تكون مجرد لعنة، هي نعمة تحول دورانها إلى عالم متجدد كل مرة.. لكن السمكة عاجزة عن تركيز انتباهها لما يتجاوز ثماني ثوانٍ أي أن ذلك هو زمن الانتباه الفعلي لها...».
هل صدقت الآن.. أشبه ما يكون بالسمكة الحمراء!
{{ article.visit_count }}
في الحقيقة نحن مسمرون أمام شاشة الهاتف المحمول بضغطة زر نسجل إعجابنا بمنشور تلو الآخر حتى وإن كان المحتوى تافهاً إلى درجة تبعث على السماجة، وكأننا بتنا في سوق للنخاسة، نعيش اليوم في عالم افتراضي لا يمت للواقع بصلة نضع صوراً وعبارات نوهم أنفسنا بأننا نحن حقاً، نتسابق لنبرهن للعالم أننا نعيش في سعادة مطلقة نتابع الماركات العالمية ونفاخر بامتلاكنا تلك الحقيبة، ونروج للمطاعم نرتشف القهوة في أشهر المقاهي ونسابق الزمن في التقاط الصور لنزين بها منصات التواصل الاجتماعي.
منفصلون عن العالم لا ندرك أننا نعيش في ذلك الوهم منقادون إلى الشبكة العنكبوتية وسطوتها التي توغلت في أدمغتنا مشتتون ما بين تطبيقات من هنا وهناك ومواقع يتداخل محتواها ببعضها البعض، اختلط الحابل بالنابل حتى أصبحنا لا ندرك الواقع من الخيال، لأننا أمام سطوة العالم الرقمي وثورة الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يتوغل في أعماقنا، لا يعني ذلك محاربة الرقمنة وإنما التحكم فيها بطريقة تحفظ عقولنا.
إن ثورة الذكاء الاصطناعي هي الثورة الرابعة ضمن الثورات الصناعية الكبرى التي مرت بها البشرية عبر تاريخها ولا يمكن أن نعيش بمعزل عنها لكننا لم نعد العدة لمجابهة ذلك العملاق الرقمي، فنحن اليوم معرضون لآلاف المشاهدات والمحتوى لجذب الانتباه لخدمة أو سلعة معينة والذي يدخل في إطار مجالات الاقتصاد الحديث فيما يعرف باقتصاد الانتباه وهو ما تستخدمه الشركات الكبرى بهدف تحقيق إيرادات وأرباح من خلال ما تبثه من إعلانات ومشاهدات تشتت انتباه المستخدم بغية تحقيق الربح.
إن ثورة العالم الرقمي لا يمكن صدها أو التعرض لها فأنت اليوم تحمل المعلومة وكل بياناتك الشخصية وحساباتك البنكية في هاتف محمول، تمكن الإدمان منك لدرجة لا تستطيع أن تشيح بنظرك عن هاتفك لدقيقة واحدة، تخيل يوماً أن تعيش نصف يوم بدون هاتفك صدقني فلن تتحمل ذلك البعد عنه، فأنت وإن نسيته تشعر بالضياع فهل تساءلت يوماً لماذا أصبحت أسير تلك الشاشة الصغيرة؟ ولماذا أصبح من الأساسيات في حياتك في حين أنه كان من الكماليات؟ فهل لأن الكماليات أصبحت اليوم من الأساسيات؟ وبات عالمنا اليوم هو شاشة ضيقة نراها العالم على اتساعه؟
لا أطلب منك تركه فهو أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتك، فهو وإن كان ذا نفع وفائدة فلا تسيء استخدامه، لا تدع حياتك تدور في إطار شاشة لتصنع لك عالماً من وهم!
يقول الصحافي الفرنسي برونو باتينو في كتابه حضارة السمكة الحمراء: “الرجل على المنصة واثق من نفسه وفخور بما وجد، توجد خلفه شاشة، على هذه الشاشة الشاسعة سمكة حمراء توجه نظرها إلى الإناء الموجودة فيه، يتكلم عن السمكة الحمراء على الشاشة العملاقة عن ذاك الكائن الغبي الذي يدور دون توقف في إنائه الزجاجي متأكدون بأن ذاكرة هذا الحيوان بدائية وانتباهه متدنٍ جداً بحيث يكتشف عالماً جديداً في كل دورة له في الإناء الزجاجي.. ذاكرة السمكة الحمراء بدلاً من أن تكون مجرد لعنة، هي نعمة تحول دورانها إلى عالم متجدد كل مرة.. لكن السمكة عاجزة عن تركيز انتباهها لما يتجاوز ثماني ثوانٍ أي أن ذلك هو زمن الانتباه الفعلي لها...».
هل صدقت الآن.. أشبه ما يكون بالسمكة الحمراء!