نشهد هذه الفترة إحدى أكبر المنعطفات التاريخية التي تمر على منطقة الخليج العربي، فقد كثفت الولايات المتحدة الأمريكية تواجدها العسكري، وقد حذر الخبراء العسكريون في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية من خطورة ذلك واصفين بأنه أي سوء تقدير سيؤدي إلى حرب إقليمية بين أمريكا وإيران.
إن هذا التخوف الذي يتم رصده لعله ليس هو الأول من نوعه، ففي السابق وبالتحديد الفترة الرئاسية لدونالد ترامب وبعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، قد حشدت أمريكا قواتها بالمنطقة وذلك تفادياً لرد الفعل الإيراني جراء عملية الاغتيال، ولكن الظروف كانت مختلفة تماماً عن ما يجري الآن، فإيران تمتلك حالياً مخزونات وتقنيات وتكنولوجيا حصلت عليها بفضل الأموال التي أتاحها الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وذلك كخطوة احتواء طهران، وهذا جعل التقديرات في البيت الأبيض كانت غير دقيقة لوجود تبعات قد ظهرت على أرض الميدان ومنها تمويل وتسليح الأذرع الإيرانية ومنها الحوثيون باليمن و«حزب الله» في لبنان والعراق وسوريا.
المسألة تغيرت كذلك، بعد أن تحركت إيران أكثر لكسب أطراف دولية ومنها الصين وروسيا وكوريا الشمالية وبعض الدول في قارة أمريكا الجنوبية وأفريقيا، وبالتالي فإن أي عملية تصعيدية من قبل واشنطن سيقابلها تصعيد في ساحة معركة أخرى، وهذا بالفعل ما يجري الآن في غزة، فعندما تقوم إسرائيل بضربات في غزة، يتم فتح نافذة أخرى في باب المندب أو مضيق هرمز أو جنوب لبنان وسوريا والعراق وبالمستقبل قد تكون الساحات المقبلة في أمريكا الجنوبية في فنزويلا وكوبا وغيرها من الدول.
إذاً نصل لنقطة محورية، فإن احتواء إيران ليس خياراً بل أصبح ذات أهمية في ظل المعطيات الحالية، فإن أي عملية تصعيدية من قبل الأطراف اللاعبة في منطقة الشرق الأوسط قد يولد لنا حرباً لا يعلم ما مصيرها.
خلاصة الموضوع، أن القرارات التي تتخذ في إدارة المعارك بالمنطقة ليست من باب الصدفة أو مبنية على معطيات غير مدروسة، فنظرة الاحتواء الأمريكية جاءت لأسباب عدة منها عدم اتخاذ إجراءات استباقية في كبح الأذرع وإضعافهم وإيقاف التمويل الإيراني، وكذلك الدفع بالحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي عززت أهمية طهران لدى دول كالصين وكوريا الشمالية وموسكو طبعاً، أضف إلى أنها استغلت العقوبات المفروضة على بعض الدول في أمريكا اللاتينية لتكون معها شراكات اقتصادية وعسكرية، وكل هذه الأسباب تستدعي أن تكون نظرة الاحتواء هي النظرة الواقعية، ولكن أي سوء تقدير سيجر المنطقة لحرب لا نعلم ما مصيرها وكيف ستنتهي؟