ذات يوم سأل أحدهم الشاعر الكبير معروف الرصافي، من أشعر، أنت أم أحمد شوقي؟ فأجابه: شوقي أشعر مني، لأنه يعيش في «كرمة ابن هانئ»، وأنا أعيش في «الصابونجية» ثم سكت لحظات تنهد بعدها وقال: أعطني كرمته، أعطك مجداً وشعراً خالداً.
كرمة ابن هانئ، هو اسم لقصر فخم بناه الشاعر أحمد شوقي على ضفاف نهر النيل في الجيزة بالقاهرة، وكان مسكنه ومجلسه الأدبي في آن واحد، أطلق عليه كرمة ابن هانئ لفرط حبه في الشاعر الحسن بن هانئ «أبو نؤاس»، وكان قصراً متميزاً بموقعه وإطلالته وكل ما فيه، أما الصابونجية، فهي اسم لأحد الأحياء الصغيرة الشعبية ذات الدروب الضيقة في بغداد القديمة، كان لهذا الحي بريقه أيام الدولة العباسية، أما قبل مئة سنة في الفترة التي سكن فيه الشاعر معروف الرصافي، فكان حياً رثاً سيء الصيت، بيوته قديمة وصغيرة وبالية، لا يحمل أي مشهد جمالي.
إنتاج الشعر عملية إبداعية، والإبداع ناتج عن التفكير المفضي إلى أفكار أو حلول وأو مفاهيم جديدة، وهو غير مختص بجانب واحد من جوانب الحياة، إنما هو شامل لكل جوانب الحياة، فيظهر في الأدب والفن والتكنولوجيا والعلوم وكل ما يتعلق بالحياة اليومية، ولكي يكون الإنسان مبدعاً، لا بد له من محفز، وليكون التحفيز حاضراً يحتاج الإنسان إلى عناصر عدة، لا مجال لذكرها هنا، ولكن سأذكر منها البيئة، وهذه على قسمين، الفيزيائية والاجتماعية، تتمثل البيئة الفيزيائية بالمساحات الواسعة والمفتوحة والمريحة، التي يمر فيها الهواء وفيها إضاءة طبيعية، وألوان مختلفة ومناسبة توثر إيجاباً على نفس الإنسان، وتحتوي على المواد والموارد اللازمة لتنفيذ الأفكار والتجارب، وفيها تواصل مع الطبيعة المتمثلة بالنباتات والماء والحيوانات، وتوفر القدرة على التحكم بالضوضاء والصوت، فهذه تحفز الحواس وتوفر الراحة لساكنها، أما القسم الثاني فهي البيئة الاجتماعية، والمتمثلة بالمجتمع الذي يقدر التجربة والمحاولة ويشجع صاحبها على خوض غمار المخاطرة، ويعترف بالإنجازات ويعزز عزم الأشخاص، ويتبادل معهم الأفكار، ويكون مجتمعاً متنوعاً، فالبيئة بقسميها تعد أحد أهم عناصر الإبداع.
تحسر الصافي بعد سؤال صاحبه لأنه كان يعرف قدراته الإبداعية ويعرف جيداً أن عائق ظهورها كان البيئة غير الملائمة، وهذا يشمل غيره من قبله وبعده في كل التخصصات، فإذا أردت أن تقتل الإبداع في فرد، بل في شعب كامل فما عليك إلا أن تفقدهم البيئة المناسبة، وتحافظ على وجودهم في بيئة غير ملائمة وستحصل على ما تريد.
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية
كرمة ابن هانئ، هو اسم لقصر فخم بناه الشاعر أحمد شوقي على ضفاف نهر النيل في الجيزة بالقاهرة، وكان مسكنه ومجلسه الأدبي في آن واحد، أطلق عليه كرمة ابن هانئ لفرط حبه في الشاعر الحسن بن هانئ «أبو نؤاس»، وكان قصراً متميزاً بموقعه وإطلالته وكل ما فيه، أما الصابونجية، فهي اسم لأحد الأحياء الصغيرة الشعبية ذات الدروب الضيقة في بغداد القديمة، كان لهذا الحي بريقه أيام الدولة العباسية، أما قبل مئة سنة في الفترة التي سكن فيه الشاعر معروف الرصافي، فكان حياً رثاً سيء الصيت، بيوته قديمة وصغيرة وبالية، لا يحمل أي مشهد جمالي.
إنتاج الشعر عملية إبداعية، والإبداع ناتج عن التفكير المفضي إلى أفكار أو حلول وأو مفاهيم جديدة، وهو غير مختص بجانب واحد من جوانب الحياة، إنما هو شامل لكل جوانب الحياة، فيظهر في الأدب والفن والتكنولوجيا والعلوم وكل ما يتعلق بالحياة اليومية، ولكي يكون الإنسان مبدعاً، لا بد له من محفز، وليكون التحفيز حاضراً يحتاج الإنسان إلى عناصر عدة، لا مجال لذكرها هنا، ولكن سأذكر منها البيئة، وهذه على قسمين، الفيزيائية والاجتماعية، تتمثل البيئة الفيزيائية بالمساحات الواسعة والمفتوحة والمريحة، التي يمر فيها الهواء وفيها إضاءة طبيعية، وألوان مختلفة ومناسبة توثر إيجاباً على نفس الإنسان، وتحتوي على المواد والموارد اللازمة لتنفيذ الأفكار والتجارب، وفيها تواصل مع الطبيعة المتمثلة بالنباتات والماء والحيوانات، وتوفر القدرة على التحكم بالضوضاء والصوت، فهذه تحفز الحواس وتوفر الراحة لساكنها، أما القسم الثاني فهي البيئة الاجتماعية، والمتمثلة بالمجتمع الذي يقدر التجربة والمحاولة ويشجع صاحبها على خوض غمار المخاطرة، ويعترف بالإنجازات ويعزز عزم الأشخاص، ويتبادل معهم الأفكار، ويكون مجتمعاً متنوعاً، فالبيئة بقسميها تعد أحد أهم عناصر الإبداع.
تحسر الصافي بعد سؤال صاحبه لأنه كان يعرف قدراته الإبداعية ويعرف جيداً أن عائق ظهورها كان البيئة غير الملائمة، وهذا يشمل غيره من قبله وبعده في كل التخصصات، فإذا أردت أن تقتل الإبداع في فرد، بل في شعب كامل فما عليك إلا أن تفقدهم البيئة المناسبة، وتحافظ على وجودهم في بيئة غير ملائمة وستحصل على ما تريد.
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية