النواب قدّموا اقتراحاً برغبة بإيجاد حلّ جذري لسكن العمّال الأجانب، واستجابت الحكومة لهذه الرغبة وأكدت لهم بأنه تمّ تشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير الداخلية لدراسة كلّ ما يتعلّق باستقدام تلك العمالة وفقاً للقوانين المحلّية والتعهّدات الدولية. أعزائي النواب ليس سكن العمالة الأجنبية فقط هو المشكلة معهم، فلا نَعْتَاد الترقيع والاجتزاء في معالجة مشاكلنا المزمنة، بل واقع العمالة الأجنبية في البلد بأسره مشكلة ومشكلة كبيرة، تشمل، ضمن ما تشمل، تشوّهات السوق والبطالة واستنزاف الموارد، ومن ضمنها الآثار الاجتماعية، ومن ضمنها أثر سكنهم «صحياً واجتماعياً وأمنياً واقتصادياً»، وتحتاج عملية تصحيح وجود تلك العمالة إلى رؤية محصّنة بالشفافية للواقع الحالي، تُقدّم المعلومات أياً كان من يقف وراء تشوهاتها، وتُقدّم معها حلولاً جذرية أياً كان حجم ألمها وكلفتها المادية أو السياسية، فمتى نعالج مشاكلنا دون ترقيع؟ فحتى وإن كنّا دولة منفتحة وبحاجة للخبرات الأجنبية وحتى العمالة الأجنبية، إلا أن الموجود من أعداد لا يتناسب مع إمكانياتنا وطاقتنا الاستيعابية، والأهم أنه لا يتناسب حتى مع احتياجات سوقنا بل يفيض عنها. لذلك فإننا نأمل أن تعمل اللجنة الوزارية التي تشكّلت مؤخراً برئاسة معالي وزير الداخلية، أن تتجاوز رغبة النواب، وأن تبدأ بمهمة وطنية عاجلة تحتاجها البحرين أشد الاحتياج، وهي تقديم تقرير شامل حول الأجانب للقيادة، تُضيف فيه ما هو موجود في الشارع من عمّال غير نظاميين، إضافة إلى ما هو مسجَّل في الأوراق الرسمية للمؤسسات المعنية «هيئة سوق العمل والتأمينات»، مستعينةً بما هو موجود في سجلاّت الهجرة والجوازات وحركة الوارد والخارج، والسجلاّت التجارية وغيرها من مؤشرات، لنعرف أعداد الموجودين الفعليين «المحسوبين» على «العمالة» على أرض الواقع. ليس هذا فحسب، بل هم ومن يرتبط بهم من عوائل، نريد أن تكون لدينا خارطة كاملة تبيّن أعدادهم الواقعية وجنسياتهم وعملهم وأنشطتهم التجارية، وكم يرتبط معهم من أفراد عوائل، وتخصّصاتهم المهنية وتحويلاتهم.. إلخ مما له علاقة باقتصادنا. فليس بحث مشكلة سكن العمالة الأجنبية إلا جزءاً يسيراً جداً مما يترتب على وجودهم غير المنضبط والخارج السيطرة والفائض عن الحاجة الفعلية، هذا الانفلات هو الذي يجب أن تُخصّص اللجنة الوزارية له وقتها وتُقدّم به تقريراً مُفصّلاً للقيادة. عدم وجود مثل هذه القراءة الصريحة والملتزمة بالشفافية والشاملة، يؤثر فعلاً على أيِّ خطة أو مشروع يُراد له أن يكون متكاملاً للحلّ الشامل، فأي قيادة تحتاج إلى مصارحة وقراءة حقيقية حتى تتّخذ قرارات تتناسب مع حجم المشكلة وأثرها من جميع النواحي. أما ما نفعله نحن فإنه ترقيعات لأن الصورة مرقّعة أصلاً وغير متكاملة، لأن الواقع غير واضح الرؤية، فتشريعاتنا وإجراءاتنا وتدابيرنا الخاصة بهم تتغيّر كلما ظهرت مشكلة هنا أو هناك، ثم حساباتنا لكلفتهم غير واضحة ولا يتضح حجمها إلا بعد مرور وقت تكون قد استنزفت فيه الكثير، كما حصل مع مراجعة «كُلفة عمليات الولادة للأجانب» واكتشفانا سوء استغلال التسهيلات فيها بعد عقود زمنية، فقمنا بمراجعة الإجراءات من جديد مؤخراً، هذه واحدة وجزء يسير جداً من حجم الأموال المهدورة من مواردنا، لأنه لم تكن لدينا رؤية شاملة متكاملة، وقِسْ على ذلك الكثير من كُلفات الإقامة وغيرها. الأَولى إذاً أن نبدأ صح، أي بعمل تقرير شامل ومتكامل للقيادة في الدولة، حتى يتسنّى للّجنة أن تقدّم وتضع تصوّراً أيضاً يكون شاملاً ومتكاملاً للحلّ ولتصحيح الوضع خلال خمس سنوات من وقت تقديمه لتقرّه القيادة مع توجيهاتها السامية. هنا يُمكن أن نرصد عملية الإصلاح بناءً على مؤشرات واضحة لا تتضارب مع بعضها وتؤثر إيجاباً على اقتصادنا وتحفظ لنا مواردنا دون أن تضرّ باحتياجاتنا الفعلية أو سمعتنا الدولية، وهنا نستطيع أن نُقدّر كُلفةً حقيقية لميزانية التصحيح أيضاً بناءً على ما سيُقدّم من خارطة طريق واضحة المعالم تُغطّي التفاصيل.