الشتات الفلسطيني أو اللبناني ليس هو أعداد النازحين والمهجرين، بل هو غياب مقومات 'الدولة' المتمثلة في فقدان المركز الفعال في عملية اتخاذ القرار السيادي، أي قيادة موحدة.

الشتات هو فرقة القوى السياسية وتبعيتها الخارجية، فلا يجد الشعب الفلسطيني أو اللبناني من يفكر بلم شتاته وبعثرته، بل لا يرى غير استمرار لقرارات تضمن امتدادات للحضور الحزبي حتى وإن كان شكلياً!

وهذا ما نجحت إيران أن تحدثه في أي دولة وقفت في طريقها لامتدادها النفوذي، فقامت بإضعاف البنية السيادية للدولة فلا رئاسة إلا بمشورتها ولا تمثيل نيابي دون تدخلها، وحين تم ضرب خيوط الوصل الإيرانية بان وظهر حجم الخلخلة السيادية في الدولة وحجم الفراغات التي ملأتها إيران.

هذه مشكلة التفاوض الآن في الجانبين الفلسطيني واللبناني من أجل اليوم التالي من بعد وقف إطلاق النار، العجز الواضح عن وجود من يعتد به ويعتمد عليه ويتفق عليه لتولي زمام المبادرة.

وهذا هو الوضع الذي يستفيد منه نتنياهو تحديداً لعدم القبول بوقف إطلاق النار متعذراً بعدم ضمان التعهدات الفلسطينية أو اللبنانية.

هذا الوضع في صالح نتنياهو لأنه يعرف أن وقف إطلاق النار سيقود لتحديد مصيره الرئاسي وما سينتظره من محاسبة من الإسرائيليين خاصة بعد فضيحة التسريبات الأخيرة، وقد تراكمت عليه القضايا التي بانتظار وقف إطلاق النار لرفع الحصانة عنه، لذلك يتمنى بقاء هذا الشتات الفلسطيني اللبناني ليمد بعمر رئاسته قدر استطاعته.

نحن أمام جانبين يتحكمان في القرار الخاص بوقف الحرب (إسرائيلي من جهة وفلسطيني لبناني من جهة أخرى) ويعلمان أن وقف إطلاق النار يعني بالدرجة الأولى نهايتهما السياسية، إن لم يكن الوجودية!!

على الجانب الآخر تحاول الدول العربية الرئيسة وتأتي على رأسها المملكة العربية السعودية ومصر مساعدة الشعبين في لَمّ شتاتهما السياسي، حتى تتمكن من لَمّ الشتات الشعبي، وهذه بالنسبة لها هي الأولوية نتيجة الأوضاع الكارثية المأساوية التي وصلت لها.

تحاول الحصول على اتفاقيات توحد القرارات في كلتيهما، حتى تستطيع أن تتقدم بكلمة ثابتة تتعهد بتنفيذها القوى الفلسطينية واللبنانية، إنما إلى الآن الخلاف البيني هو العائق الأكبر، وليس تعنت الحكومة الإسرائيلية فحسب.

خيوط الوصل الإيرانية في الداخل مع اللبنانيين والفلسطينيين مازالت تتحرك، رغم ما تعرضت له من ضربات قطعت أوصالها، إلا أنها مازالت تحاول أن تجد للمصلحة الإيرانية موقعاً في القرار الفلسطيني واللبناني، ودون تلك الخيوط المتهالكة ممكن أن تتوحد بقية القوى، ويضغط عليها لإيجاد أرضيات مشتركة.

ينتظر المنطقة مستقبل تفاؤلي في حال نجح المجتمع الدولي بإزاحة الأطراف التي انخرطت في الحرب الأخيرة المباشر منها وغير المباشر كي تتمكن الشعوب من التفرغ لإعادة البناء والتعمير وإعادة ترميم البنى التحتية السياسية منها قبل التعميرية.