تطلّ علينا يومياً الكثير من الوجوه المتنوعة والمختلفة، وجوه غيّرها الزمن وغيّرتها الحياة، ووجوه غيّرها أصحابها، ووجوه تتغير سنوياً بناءً على صيحات الموضة، ووجوه كنت تعرفها قبل فترة وجيزة باتت لأشخاص آخرين لا تكاد تتعرّف عليها وعلى ملامحها، وباتت الوجوه الحقيقية نادرة كما هي الوجوه الطبيعية التي لم تطلها أيادي التغيير ولم تتأثر بمحيطها الخارجي الذي ينقلها لنا الفشناستيون وأبطال مواقع التواصل الاجتماعي.
بتنا اليوم نمرُّ على الكثير ونصادف الأكثر ممن كنّا نعرفهم تمام المعرفة، لكن عندما نراهم لا نلتفت إليهم ولا حتى نُلقي التحية، ليس تكبّراً أو غروراً أو عدم انتباه، أبداً، بل لأننا صرنا لا نعرفهم بل لم نتعرّف عليهم بسبب تلك العمليات التي أجروها على وجوههم ليغيروها من الجميل إلى الأسوأ، ومن الطبيعي إلى الصناعي، بل حتى طالت تلك العمليات الأجساد والمفاصل وحتى لون الركب.
لا أعلم بماذا يشعر أولئك الذين غيروا من أشكالهم، وتفننوا في تقليد غيرهم، وتعرّضوا للمخاطر في سبيل المظهر، ماذا طرأ عليهم من تغييرات داخلية في الفكر والعقل والمنطق والإحساس، هل زادت ثقتهم بأنفسهم، هل بدؤوا في تغيير حياتهم ومستقبلهم نحو الأفضل، هل باتوا أكثر علماً وتعليماً وثقافة ونجاحاً، أم أنها موضة ويجب مسايرتها حتى وإن كانت مغامرة على حساب الصحة.
عموماً، نحن جميعاً بحاجة إلى تغيير، ولكن من الداخل وليس من الخارج، بحاجة إلى أن نعود كما كنا، قلوباً متحابة ومتسامحة، قلوباً مجتمعة لا متفرقة، قلوباً تجمعها العادات والتقاليد الإيجابية لا العادات الحديثة الموسومة بالتقليد الأعمى، بحاجة إلى سمسار يروّج إلى صفاء القلوب، لا إلى سمسار يسوق لعمليات الشد والنحت والنفخ، سمسار يوجّه إلى الأخلاق ويروج إلى المحبة ويسوّق إلى التكاتف والتعاضد لا إلى الفتنة والغرور واستعراض الأجساد، نحن بحاجة إلى سماسرة تحرث في العقول وتزرع بها العلم والمعرفة والتطور، أولئك السماسرة الذين نبحث عنهم وننشدهم.
لقد غابت هويتنا الوطنية في فضاء العالم الوهمي الذي روّج وسوّق له سماسرة عيادات التجميل، وإن كانت تلك العمليات ليس لها طابع تجميلي مطلقاً، بل عمليات التشويه التي نشرت غبارها على السياسة والسياسيين وباتوا كذلك يروّجون للانفلات الأمني والتذمّر والتعصّب مستغلّين الأوضاع الإقليمية والعالمية تحت شعار «التجميل»، عمليات التجميل وعمليات الإرهاب الاثنان وجهان لعملة واحدة، فظاهرهما جميل ومتناسق ومُبهر، وباطنهما خراب وتشويه ودمار.