في ظل الانتشار الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي، تحولت هذه المنصات إلى ساحة عامة للتعبير عن الآراء وتبادل الأفكار.

لكنها في الوقت ذاته فتحت باباً واسعاً للصراعات والخلافات بين النشطاء ورواد الأعمال وأصحاب المشاريع، بل وأيضاً بين الأصدقاء وأفراد العائلة الواحدة.

حيث تتحول في كثير من الأحيان النقاشات الهادفة إلى معارك كلامية تُستخدم فيها أساليب نقد حادة، قد تصل إلى حد التجريح الشخصي، مما يخلق حالة من الانقسام والتوتر بين أبناء المجتمع الواحد.

النقد بطبيعته أداة إصلاح وتصحيح، ولكنه يصبح في هذه الساحة الرقمية سلاحاً مزدوجاً، إذ لا يُمارس دائماً بروح إيجابية أو بأسلوب يعكس نية صادقة للإصلاح.

هنا تكمن المشكلة، إذ نرى أن النقد البنّاء، الذي يُفترض أن يحمل نبرة ودية ورغبة حقيقية في الخير، قد انقلب إلى ما يشبه الهجوم الشخصي، وأحياناً يُسخر للتجريح والإساءة، ما يترك أثراً سلبياً على المتلقي.

هذا يفرق بين من ينقد بغرض الإصلاح ومن ينقد بغرض التشويه، فالأول يُظهر ملاحظاته بصدق واحترام، بينما الآخر يتعمد الإساءة وتشويه الصورة.

لقد أصبح النقد في مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بمعركة مفتوحة يُستخدم فيها الكلام كأداة هجومية، في حين كان يُفترض أن يكون وسيلة لتبادل الآراء وتحفيز التغيير الإيجابي.

هذا التحول المؤسف يؤكد أن النقد قد انزلق عن مساره ليصبح أداة للإضرار وإثارة الخلافات، بدلاً من أن يكون صوتاً يساعد على النمو والتقدم.

لذا، يتحمل كل صاحب رأي مسؤولية الالتزام بأسلوب نقدي يعزز من التواصل الاجتماعي ولا يزيد من حدة الانقسامات.

وعلى صعيد آخر، لا بد من التأكيد على أن المجتمع بحاجة إلى تطوير ثقافة النقد وتقبلها بشرط أن تكون في مكانها الصحيح وبأسلوب راقٍ ومحترم.

فالانتقاد البناء ركيزة أساسية في تطوير المجتمع وتقدمه، فهو لا يهدف لإثارة مشاعر سلبية بل يسعى لإصلاح الخلل بروح إيجابية.

لذلك، عندما تتاح الفرصة للآراء أن تكون موضوعية ومتزنة، فإنها تساهم في خلق بيئة نقاش سليمة تشجع على الفهم والتواصل بين جميع أفراد المجتمع.

وهنا يمكن أن نسترجع قصة سبطي رسول الله، الحسن والحسين عليهما السلام، حين أظهرا نموذجاً رفيعاً في تقديم النصيحة بأسلوب لطيف وحكيم.

ففي موقفٍ مشهور، شاهدا رجلاً يتوضأ بطريقة غير صحيحة، ولرغبتهما في تصحيح خطأه دون جرح مشاعره، اقترحا عليه أن يشاهد وضوءهما ليحكم بينهما في من هو الأفضل، وبذلك تعلم الرجل من غير إحراج أو تجريح.

تلك القصة تُبرز لنا قيمة التوجيه الذي ينبع من نية صافية، وتؤكد أن النصح يكون أكثر تأثيراً حين يُقدّم بحكمة ورفق.

إنها دعوة للمجتمع بأسره إلى التحلي بالمسؤولية والالتزام بالأخلاق العالية عند التعبير عن الآراء في الساحة الرقمية، ليكون النقد وسيلة بناء وارتقاء، وليس أداة تدمير وانقسام.