شاهدت فيلماً أمريكياً لقصة واقعية تدور أحداثُها حول الفصل العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية، وأحداثُه جرت في أوائل الستينات، اسمه «شخصيات مخفية» «هيدن فيقرز»، وحين انتهى الفيلم تساءلتُ كيف تركنا أنفسنا تحت رحمة من كان يسحق الحقوق الإنسانية سحقاً إلى وقت قريب، بل ربما إلى اليوم؟! وقَبِلْنا أن يصبحوا قيّمين على سلوكنا وممارساتنا، ونعتدّ بتقاريرهم ونطلب شهادة الجودة الأدائية منهم؟هم آخر من يتكلّم عن معنى وقيمةٍ إنسانية كالحقوق، وهم إلى وقت قريب كانوا يتعاملون مع البشر وكأنهم حيوانات أو حشرات فقط لاختلاف اللون.الفيلم حول دور النساء السوداوات في الإنجازات العلمية والفضائية تحديداً في ناسا، كُنَّ يعملن في مبنى منفصل عن البيضاوات، لهنَّ كافتيرياتهن وحماماتهن المنفصلة والبعيدة، ممنوعاتٌ من الترقية أو الانخراط في الأعمال المهمّة، وحين اضُطرنَ للاستعانة بامرأة عُرفت بذكائها في التعامل مع الأرقام، قَبِلنَ إدخالها إلى أقسامهن على مضض، مستنكراتٍ وجودها يخشين أن تلمس شيئاً ويضطررْنَ للمسه بعدها!!لها ركن منفصل لشرب القهوة، تضطر أن تركض مسافة طويلة إذا اضطرت لاستخدام الحمام لأنه يُمنع عليها دخول حمامات البيضاوات!!لم يكن اللون فقط مختلفاً من وجهة نظرهنَّ، بل كُنَّ يشكّكنَ في كونها مخلوقاً بشرياً، أيُّ تخلُّفٍ هذا؟ أيُّ عنصريةٍ؟ أيُّ فوقيةٍ وأنانيةٍ وغرور؟أنا من مواليد منتصف الخمسينات، في منطقتنا يتواجد كلُّ أنواع الأعراق والأجناس والألوان، تعايشنا معهم ولم نجرّب هذا الإحساس بالمختلِف عنا، ولم تمرّ علينا قناعات في أجيالنا السابقة واللاحقة بأن الأَسْوَد ليس بشراً.العُبودية منذ الجاهلية إلى أن انتهت، حتى وهي في أبشع صورها، لم تنظر إلى السُّود بأنهم مخلوقات غير بشرية، فإن وصلنا إلى الستينات من القرن الماضي لم يكن للعبودية أيُّ أثر في نفوسنا بعد أن انتهت واقعياً، ولم تترك في أنفسنا كأجيال لاحقة أيّ فواصل عرقية، لا في مدارسنا ولا جهات عملنا ولا في مجتمعنا بأيِّ شكل من الأشكال، بمعنى أن جيلنا لم يختبر ولم يعش ولم يرث أيَّاً من مفاهيم وقيم العنصرية، في هذا الوقت كان السُّود في الولايات المتحدة الأمريكية لا يُسمح لهم بالاقتراب من أماكن الجلوس أو المواصلات أو العمل أو السباحة أو الترفيه أو الأكل، ولا حتى الدراسة ولا العلاج مع البيض.وتذكّروا أن من كان شاباً في الستينات هو الآن أبٌ لشباب وربما جدٌّ لأحفاد، وتغيُّر سلوك الإنسان يحتاج إلى أجيال إلى أن يُمحي من الذاكرة أيُّ إرث في العقل والعقل الباطن.فكيف لمن يحمل هذا الإرث الفكري المتخلّف أنْ يُنَصّب نفسه قيّماً على الحقوق الإنسانية؟ وكيف لأيٍّ منا أن يخضع ويخشى تقييمهم؟ أو حتى يفرح حين يشيدون به بأيّ شكل من أشكال الإجادة؟ألا ما أرقانا وما أروعنا وما أعمق أصالتنا!، والمسافة بين قيمنا الإنسانية وقيمهم تفوقهم ملايين المرّات.من الجيّد أن نُشاهد مثل هذه التوثيقات لنُعيد الاعتبار لأنفسنا ونمنحها ما تستحق من احترام، فقد آنَ للشيخ أن يمُدَّ رجليه.