ما أضعف هذا الإنسان، وما أكثر عثراته وزلاته، فكم يخطئ في حق أخيه الإنسان، لضعفه، أو لنسيانه، وربما لغروره وحسده وغضبه أو غير ذلك من المشاعر السلبية، حتى بات الخطأ قريناً له، غريب أمر هذا الإنسان فعلى الرغم من ضعفه وكثرة أخطائه تراه يظن نفسه قوياً فيتجبر ويتكبر.
ما أكثر أخطاء هذا الإنسان في حق أخيه الإنسان، فكل منا يخطئ في حق الآخر فقد يجرح الإنسان أخاه الإنسان بكلمات، وقد يهجره فيؤلمه الهجر، وقد يقصر في واجباته تجاه الآخر فينتقص من حق أخيه، فالخطأ والتقصير في حقوق الآخرين طبيعة فينا نحن البشر حتى قال الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه
ولا القلب إلا أنه يتقلبا
نعم الخطأ طبيعة هذا الإنسان لضعفه، ولتقلبه، ونسيانه، فتلك صفات جبل عليها الإنسان، ومن الصعب أن يتجرد منها، فلا يدعي شخص بأنه لا يخطئ في حق الآخرين، بل أن الأنبياء أنفسهم لم يسلموا من الخطأ فها هو سيدنا آدم قد أخطأ وقد نتج هذا الخطأ عن ضعفه ونسيانه، كما قال سبحانه: «فنسي ولم نجد له عزما»، «سورة طه: الآية: 115».
وكذلك فعل نفس الشيء إبليس فقد أخطأ، فكلاهما: سيدنا آدم وإبليس قد أخطأ إلا أن الله تعالى قد غفر لآدم ولم يغفر لإبليس، والسبب أن آدم قد اعتذر وإبليس قد أصر على خطئه، فالاعتذار يجبر الخطأ وفي ذلك يقول الله عز و جل: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
فالاعتذار يدل على عدول الإنسان عن الخطأ وعزمه على عدم تكرار الخطأ، واعتذار الإنسان لأخيه الإنسان يجبر خاطر من وقع عليه الخطأ فيندمل جرحه ويبرأ ألمه.
وما الاعتذار إلا كلمات بسيطة، وابتسامة جميلة تعيد المياه لمجاريها.
وقد دأب أجدادنا على تربية الأبناء على سنع الاعتذار، حتى توارثوا هذا السنع وحافظوا عليه جيلاً بعد جيل، فقد كان العرب يتفننون في طريقة الاعتذار عندما يخطئون، حتى اعتبروا أن للاعتذار «سنع» خاصاً به. فالاعتذار له آدابه وبروتوكولاته «بالتعبير الحديث»، وفي سنع الاعتذار أحوال كثيرة بحسب الظروف وبحسب من أخطأنا في حقه نذكر منها:
في حالة خطأ الإنسان في حق من يكبره سناً ومقاماً، كالجد وشيخ القبيلة، أو المعلم، أو الوالدين، فعليه أن يعبر عن اعتذاره لهذا الكبيرة بكلمات الاعتذار المعروفة وطلب الصفح عنه مثل كلمة «السموحة، أنا أخطيت ومنك السماح، آسف»، وعليه أن يعبر بوضوح أنه قد فهم خطأه، وعليه أن يقبّله على رأسه أو أنفه أو يده. ويظهر التذلل ولين الجانب بنبرة صوته وتعابير وجهه، وينتظر من هذا الشخص الكبير كلمات تدل على قبوله لاعتذاره، وينتهي الموقف بأن يشكر هذا الكبير على قبوله لاعتذاره.
أما إذا ما أخطأ في حق جاره كأن يكون قد أزعجه أو تسبب في إيذائه سواء عن قصد أو عن غير قصد فعليه أن يعتذر عن خطئه للجار بكلمات الاعتذار، وضمن سنع الاعتذار يهدي الجار الذي أخطأ في حق جاره طبق طعام من صنع أهل البيت ليعبر عن حرصه على إرضائه واستمرار العلاقة الطيبة بينهما وجبر خاطره، كأن يهديه كعكة، أو طبق أرز من صنع أهل البيت.
أما إذا ما أخطأ الكبير في حق الطفل فعليه أن يقدم له كلمة الاعتذار ويلاطفه ويداعبه ويمرح معه ليعيد ما بينهما من مودة بعد الخطأ، وعليه أن يتذكر أن اعتذاره هذا هو درس عملي يتعلم منه الطفل سنع الاعتذار ـ وليكون هذا الكبير قدوة له، ليعلم فيه الطفل آداب الاعتذار الذي توارثناه عن الأجداد وبات جزءاً من سلوكياتنا.
هذا هو سنع الاعتذار هو أدب تعلمناه من ديننا الحنيف، ونشأ عليه أجدادنا وتوارثناه جيلاً بعد جيل، فأجدر بنا أن نربي أبناءنا على هذا السنع، وأن يتمسكوا به، وأن نعمق لديهم الشعور بالاعتزاز بالسنع الخليجي العربي، وبجميع عاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، ودمتم سالمين.