ما رأيك أن تتعلم اللغة بدون معلم في 30 ثانية، وما رأيك أن تتعلم البرمجة في 30 ثانية أيضاً، وعلى هذا الأساس ما رأيك أن تكون شخصاً موسوعياً في 30 دقيقة، هذه العبارات تجدها في منشورات تيك توك وإنستغرام وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع يدعي أصحابها أنهم يقدمون محتوى هادفاً، ويقدمون للجمهور وعوداً بتحويلهم إلى نوابغ وفلاسفة ومختصين في ثوانٍ معدودة، على اعتبار أنك شخص مشغول وليس لديك فرصة للتعلم، لذلك ظهر من يقدم لك العلم في لحظات.
هذا النوع من المنشورات يعرف بالتعليم المصغر، وهو طريقة لتلقي المعلومات تشبه تناول الوجبات السريعة من طعام الشوارع الذي يعتمد بشكل أساسي أمرين اثنين الأول البهارات والثاني سخونة الأكل، وفي حال غياب أي منهما يتبين لك حقيقة الطعام، وحتى بعد أن تأكله لا يقدّم لك أي قيمة غذائية وربما تحصل على التسمم ومشاكل في الهضم، وهذا ما يحصل مع التعليم المصغر الذي يقدمه رواد منصات التواصل الاجتماعي، فبعد أن تحصل على معلومات الثلاثين ثانية وينتهي "الدرس العظيم" تشعر بأنك تائه لا تعرف أين أنت، وربما تشعر بشيء من النقص، على اعتبار أنه وبعد أن تنتهي الثلاثون ثانية يجب أن يتحقق الوعد وتتقن الموضوع، فلماذا لم يحصل ذلك؟ ما يعني أن المشكلة فيك، لأن المتحدث الذي قدم المعلومات شخص خارق، يتحدث بسرعة عالية، يضغط سنوات من خبراته في ثوانٍ ويختم مقطعه بابتسامة وبقوله (إذا أعجبك الفيديو لا تنسَ الاشتراك وتفعيل جرس التنبيهات)، لكنه في الوقت نفسه تركك حائراً بدلاً من عالم في 30 ثانية، لأنك في الواقع تلقيت إعلاناً أكثر من كونه معلومات، فعلى سبيل المثال تحصل على درس يخبرك كيف تصنع قائداً مثالياً في 30 ثانية، فيقول لك أول خطوة هي الثقة، كن واثقاً، والخطوة الثانية هي الحزم كن حازماً، ثم يجلس على كرسي في مكتب فاخر ويوجه نظرة واثقة حازمة يقول بعدها: شكراً للمشاهدة، لكن ماذا عن الخطط وتحمل المسؤولية وكل ما يتعلق بالقيادة؟!
أما في مجال النصائح الاجتماعية، فخذ من الدروس ما يجعلك تعتقد أنك أمام خلفاء ابن خلدون، فعناوين مثل "كيف تترك انطباعاً مميزاً في 10 ثوانٍ" و"شخص يثير القلق بابتسامة مريبة". وغيرها من العناوين البراقة والداعية إلى المتابعة.
ولنكن واقعيين، فكرة التعليم المصغر فكرة جميلة وممتازة إذا قُدّمت على يد مختصين في التعليم وبشكل صحيح، أما ما نشاهده اليوم فهو يشبه حال الجائع الذي تناول جزءاً بسيطاً من قطعة البيتزا المثلثة، فلا هي أشبعته ولا سدت رمقه، ولا تركته على حاله قبل أن يأكل منها، لأنها جعلت معدته تتحرك وتبدأ بالهضم وتشعره بجوع أشد من جوعه الأول، ومن يبحث عن التعليم الحقيقي عليه أن يدرك أن التعليم يحتاج إلى وقت أطول للاستيعاب وأن التعليم المصغر يجب أن يكون متسلسلاً ليحصل المتلقي على العلم في النهاية.
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية