من المفترض أن يدخل صباح اليوم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، بعد جهود وساطة بذلتها كلٌّ من الولايات المتحدة ومصر وقطر، بعد أكثر من 15 شهراً من حرب الإبادة التي خاضتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في القطاع، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني، جُلّهم من النساء والأطفال، وأكثر من 100 ألف جريح، إلى جانب تدمير البنية التحتية بشكل كامل في قطاع غزة، بما فيها المستشفيات والمدارس والمساجد.
الإعلان عن الهدنة أعطى شعوراً مؤقتاً بالراحة وسط حرب إبادة نفّذتها إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، إلا أن هذا الهدوء الذي يفرضه الاتفاق يكشف بشكل أكثر وضوحاً حجم المعاناة التي عايشها الفلسطينيون على مدار أكثر من 75 عاماً.
عندما أتأمل في هذه اللحظة، أشعر بقلق مختلط بالأمل؛ فالهدنة، رغم أنها خطوة ضرورية لوقف المجازر، إلا أنها تُخفي واقعاً مريراً يمتد لعقود، فالفلسطينيون الذين عاشوا ويعيشون كل يوم تحت تهديد القتل والتشريد والظلم، يجدون أنفسهم في صراع دائم من أجل البقاء، فالأطفال الذين شاهدوا مقتل عائلاتهم وتدمير منازلهم لا يعرفون السلام بمعناه الحقيقي.
الاحتلال الإسرائيلي الممتد لأكثر من 75 عاماً، يمثّل تاريخا مليئاً بالانتهاكات وحروب الإبادة والتهجير التي لا تنتهي، فيما المجتمع الدولي يغضّ الطرف عن كل ذلك، بل ويعمل متعمّداً على تغييب الصوت الفلسطيني، رغم ما يقدّمه من وعود السلام، فيما لايزال الفلسطينيون يدفعون الثمن الباهظ.
إن دخول اتفاقية وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ يمثّل فرصة للتذكير بما يمر به الفلسطينيون على مدى العقود السبعة الماضية، لكنه يجب أن يكون أيضاً دعوة إلى العمل من أجل مستقبل أفضل، فهذه اللحظات من الهدوء لا تعني أن الفلسطينيين سيجدون الأمن المفقود، ولكنها تفتح الباب لفرصة جديدة للضغط من أجل إنهاء الاحتلال، وتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها إقامة الدولة المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس.
الرفض الإسرائيلي طوال الأشهر الماضية للوصول إلى هدنة في القطاع؛ ترافق مع ارتكاب مئات المجازر في كل أنحاء غزة، كان ضحاياها من الأطفال والنساء والشيوخ، بل وصل الأمر إلى مسح سجلاّت عائلات بأكملها، إلى جانب خلق جيل من الأطفال المشوّهين جسدياً ونفسياً.
وأخيراً؛ فإن ما أنتجته الحرب في غزة طوال الـ15 شهراً الماضية، لابد أن يخلق واقعاً جديداً في المنطقة والعالم، حيث أفرزت الحرب العديد من النتائج، والتي كان أبرزها تغيير مزاج الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، وخلق مزيد من المتعاطفين والمؤيدين لها، وهو ما لمسناه طوال الأشهر الماضية، سواء عبر المسيرات التي اجتاحت أكبر عواصم العالم، أو عبر ما نتابعه عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.