القمة الطارئة التي أعلنت القاهرة عن استضافتها في 27 الشهر الجاري، والتي جرى التنسيق بشأنها مع مملكة البحرين الرئيس الحالي للقمة العربية، لبحث تطورات الأوضاع في غزة، وتصريحات الرئيس الأمريكي المرفوضة بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، لا شك بأنها ستكون قمة تاريخية، ومحط أنظار الولايات المتحدة وإسرائيل قبل أي دول أخرى.

في هذه القمة الطارئة، يحتاج العرب كثيراً إلى التغاضي والتغافل عن أي اختلافات أو خلافات فيما بين دولهم، والتفرغ التام لمواجهة مساعي تهجير الفلسطينيين القسري من أرضهم، ومحاولة إسرائيل ومن خلفها أمريكا فرض ذلك على دولنا العربية، خاصة دول الجوار الفلسطيني كالأردن ومصر، وهو ما يرفضه كل عاقل.

إسرائيل في اعتقادي ستلعب على «ورقة الفتنة» بين دولنا العربية، ولديها الوقت - حتى وإن كان قصيراً - قبل موعد القمة، لشحذ همم المرتزقة والمندسين والخونة، لتفرقة الصف العربي، بهدف خروج قمة القاهرة الطارئة بخفي حنين، ولقد تابعت شخصياً بعض ما يسمون أنفسهم بإعلاميين وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين بدؤوا بتوجيه سهامهم المسمومة لبعض دولنا العربية، مستغلين تصريحات الرئيس الأمريكي، ومواقف بعض الدول العربية بشأنها، لأجل تغذية الخلافات العربية، وإشعال فتيل الفتنة والتفرقة، والاسترزاق من وراء ذلك، وهؤلاء لعمري أشد خطراً على العرب من إسرائيل نفسها.

من أجل ذلك، فإن دولنا العربية في حاجة ماسة حالياً إلى توحيد كلمتها ورص صفوفها، أكثر من أي وقت مضى، وعدم السماح لإسرائيل وأمريكا ومَن شايعهما بتفريق الصف العربي، وعلى ما يبدو فإن هذه الأحداث المتسارعة بشأن غزة هي اختبار لدولنا العربية، ولابد أن تنجح فيه، من خلال توحيد الكلمة والموقف، وهذا من شأنه أن يردع إسرائيل التي لم تنفك من إجرامها بحق أشقائنا في فلسطين.

أما بالنسبة للولايات المتحدة ومغامرات رئيسها، فإنها لن تستطيع الوقوف ضد دولنا العربية إن كان موقفها موحداً وقوياً، ولن يستطيع الرئيس الأمريكي المغامرة أكثر بالعلاقات مع دول من المفترض إنها ذات مصالح استراتيجية هامة، وشراكة قوية بالنسبة لبلاده، وإلا فإن العرب سيتعمقون أكثر نحو «الشرق»، باتجاه العملاقين الصيني والروسي، في حال استمرار أمريكا ضد دولنا العربية، وهذا ما لا يريده الرئيس الأمريكي بالتأكيد.

إن القمة الطارئة لن تقف نتائجها عند فلسطين أو غزة فقط، ولكنها سترسم ملامح المستقبل لأمتنا العربية، وتعيد صياغة علاقات العرب مع المجتمع الدولي من جهة، وأيضاً علاقات الدول العربية مع بعضها البعض من جهة أخرى، وستحدد تلك النتائج ما إن كانت دولنا قادرة على توحيد مواقفها وكلمتها، وعدم السماح للغير سواء دول أو أفراد بتحديد مصير دولنا، والتأكيد لهم أن الدول العربية تستطيع الدفاع عن مصالح شعوبها، والحفاظ على مكتسباتها، وأن هناك خطوطاً حمراء لا ينبغي للآخرين تجاوزها أبداً.