تُعد فترة ظهور القرامطة في البحرين من أبرز الفصول التاريخية التي شهدت تحديات كبيرة للهوية العربية الإسلامية ومع ذلك، كانت هناك روح أصيلة بين سكان أوال (مملكة البحرين)، حيث تميزوا بالوعي واليقظة، ممّا ساعدهم على مواجهة هذا التحدي، من بينهم كان الأخوان أبو البهلول، عزام بن محمد بن يوسف، ومسلم بن محمد من قبيلة عبد القيس من أبرز الشخصيات التي قادت حملة التصدي لهم وطردهم، حيث عُرفا ببغضهما الشديد للقرامطة وحرصهما على تحرير البحرين والسعي لتحقيق استقلالها عن نفوذ وسلطة القرامطة.

في بداية الأمر، وضع الأخوان برنامجاً وطنياً محكماً نجحا من خلاله في توحيد الموقف الوطني لأهل البحرين ضد القرامطة مستغلين تردي الأوضاع الاقتصادية وحاجة حاكم القرامطة للأموال، لذا عرضا عليهم حزمة من الإجراءات والخطوات الكفيلة بتحسين الواقع الاقتصادي وجذب التجار وتنشيط حركة الأسواق، فطلبا السماح بإعادة بناء المسجد وترميمه وتعمير السوق؛ ممّا أظهر رؤيتهم الثاقبة وقدرتهم على توظيف الحالة الاقتصادية إلى خطوات عملية تساهم في تعزيز الهوية الدينية وتنشيط الحركة التجارية في المنطقة، ولحاجة القرامطة الشديدة للأموال لم يكن أمامهم إلا الموافقة على الخطة المتكاملة المقترحة، ممّا أتاح لأصحاب المبادرة توظيف خطوات تنفيذ الخطة وتحويلها إلى استراتيجية لجمع الأهالي تحت راية وطنية عربية إسلامية. وعندما اكتمل بناء المسجد، قام أبو وليد بالإعلان عن دوافعه، مستقطباً دعم سكان أوال ووجهائها الذي عُرفوا ببغضهم للدخلاء وأصحاب الحركات الهدّامة منذ القدم، ممّا أدى إلى توحيد الكلمة والصفوف في مواجهة القرامطة.

لقد ساهمت القيادة الحكيمة في غرس الوعي بين الأهالي، من خلال تركيزها على الأولويات والقدرة على توظيف الاحتياجات الاقتصادية وتوجيه خطوات خطة النهضة الاقتصادية لتسير وفق منهج ورؤية وطنية متكاملة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية حيث تم التركيز على ترميم المسجد أولاً؛ ومن ثم صيانة المنشآت الاقتصادية مثل سوق أوال، كما تم تحسين البنية التحتية وتقديم تسهيلات للمسافرين والتجار، ممّا ساعد على إعادة الحيوية للأسواق وتحقيق النشاط الاقتصادي والازدهار. ومع تراجع نفوذ القرامطة، توحدت كلمة الأهالي، وزاد إصرارهم للدفاع عن مكتسباتهم، فتوحدوا لمواجهة خطر وتهديد القرامطة، فحققوا انتصارات كبيرة، بما في ذلك معركة كسكوس التي هزم فيها جيش القرامطة بقيادة عبد الله بن سنبر.

وبذلك وفي عام 458 هـ-1065م، تم طرد القرامطة من جزيرة أوال معلنين بذلك بداية نهاية مشروعهم الهدام في سائر نواحي إقليم البحرين. مهّدت هذه المرحلة إلى تأسيس وظهور إمارة وطنية محلية وهي إمارة آل الزجاج، وكانت بذلك أول منطقة تتحرر وتعلن استقلالها عن نفوذ وسطوة القرامطة. لقد جسّدت هذه الأحداث انتصار الهوية العربية الإسلامية والحرص على الاستقلال ومجابهة محاولات سيطرة الأفكار الدخيلة والحركات الهدّامة، وأثبتت أنّ الوحدة والوعي والرؤية الثاقبة تحقق الاستقرار والازدهار في البحرين.

* باحث في التاريخ وأكاديمي