خبران مثيران ولافتان للانتباه نشرتهما جريدة «الوطن»، يوم الأحد الماضي؛ الأول كان متعلقاً بلجوء أهل قطاع غزة، وفي ظل حرب الإبادة المستمرة منذ ما يزيد عن عام ونصف والحصار الخانق الذي استهدف كل مقومات الحياة، إلى تناول لحوم السلاحف، بعد أن استنفدوا كل ما يمكن أن يؤكل.
أما الخبر الثاني، فكان عن التقرير الشهري لجمعية حفظ النعمة البحرينية، والذي أشار إلى نجاح الجمعية في حفظ أكثر من 221 ألف دينار من قيمة هدر الأطعمة خلال شهر رمضان فقط، عبر توزيع حوالي 74 ألف وجبة غذائية على المستفيدين، إلى جانب نحو 1700 سلة غذائية.
هاتان القصتان تلخصان أحد أهم وأخطر التحديات الأخلاقية والاجتماعية التي تواجه مجتمعاتنا؛ هدر النعمة، ففي الوقت الذي يعاني فيه جزء من العالم من مجاعة حقيقية، تدفع الناس إلى التهام ما لم يكن يخطر في البال، نجد في مجتمعاتنا معدلات هدر طعام تعد من الأعلى على مستوى العالم، وفقاً لإحصائيات رسمية وتقارير محلية.
في البحرين، تقدر قيمة الطعام المهدر سنوياً بملايين الدنانير، جزء كبير منها ناتج عن سلوكيات فردية ومجتمعية غير مدروسة، سواء في الولائم أو العزائم أو حتى في أبسط تفاصيل الحياة اليومية، والغريب أن كثيراً من هذا الهدر يحدث في مواسم الخير كشهر رمضان، حيث يفترض أن يكون الصيام مدرسة في الإحساس بجوع الآخرين، لا موسماً لملء الموائد والتفاخر بكثرة الأطباق.
جهود جمعية حفظ النعمة مشكورة ومقدرة، لكنها وحدها لا تكفي أمام هذا الواقع الصادم، فنحن بحاجة إلى تحرك مجتمعي شامل، يبدأ من البيت وينتهي بالقوانين والتشريعات التي تردع الهدر وتعزز ثقافة الادخار والتكافل، حفظ النعمة ليس مجرد عمل خيري، بل واجب ديني وإنساني ووطني.
تقرير الجمعية اشتمل على كثير من الأرقام والتفاصيل المتعلقة بحجم ما تم النجاح بحفظه من طعام؛ حيث يشير إلى أنه تم حفظ 5140 وجبة من المطاعم خلال شهر رمضان، إلى جانب 44045 وجبة من الفنادق، و20603 وجبات من مناسبات مختلفة، والتي استفادت منها 268 عائلة و1333 فرداً.
الرقم الصادم الأكبر هو ما بينته الجمعية في نجاحها بحفظ ما يقرب من 3 ملايين وجبة، وتحديداً 2795837 وجبة من عام 2014 وحتى شهر مارس 2025، تخيلوا هذا الرقم، والذي يمكن أن يترجم بملايين الدنانير في ميزانيتنا كأفراد ودولة..
في غزة، الناس يذبحون السلاحف ليبقوا أحياء بعد أن تناولوا كل ما يخطر على البال؛ أطعمة فاسدة ومنتهية الصلاحية، طعام الحيوانات، حشائش ونباتات.. فيما نحن نلقي الطعام في النفايات بعد دقائق من وضعه على المائدة، وبين الصورة الأولى والثانية، مسافة من الضمير ينبغي أن نختصرها سريعاً.