روائح مزعجة ومواد خضراء رغوة أو بيضاء مقرفة، ذلك أول ما يخطر على أذهاننا حين نذكر كلمة «العفن»، ويمكن اختصار مشاعرنا بالتقزز والشعور بالقرف تجاه العفن.

ولكن كيف ننساق برضانا ونهرع لترسيب طبقات من العفن على أدمغتنا؟ وهل يمكن للمحتوى التافه الذي نتعرض له يومياً على وسائل الاتصال أن يكون طبقات من العفن في رؤوسنا دون أن نعي لذلك؟

المحتوى التافه يطارد جماهيره ويهدر أعمارهم

نعيش في زمن سرعة الوصول للمعلومات، وكثافة المحتوى وغزارته، المحتوى الذي يطارد جماهيره ويوفر نفسه على طبق من ذهب.

حيث أصبح الإنسان أكثر عرضة لموجات متلاحقة من المحتوى السطحي والتافه، أمام الملايين الأيقونات والتنبيهات والمنشورات التي لا تنتهي، المنشورات التي تشبع الروح بتسلية عابرة لا فائدة ترجى منها سوى إمضاء الوقت، وبعبارة أصح إهدار العمر.

لكن هل تساءلنا يوماً عن أثر هذا المحتوى المبتذل على أعماقنا؟ وهل يمكن أن يكون لهذا الاستهلاك اللامتناهي آثاراً سلبية على عقولنا، تجعل منها ميداناً لعملية «تعفن» فكري؟مصطلح «تعفن الدماغ» رسمياً في قاموس أكسفورد

أدرج قاموس أكسفورد مصطلح «تعفن الدماغ» عام 2024 لوصف التأثيرات السلبية للتعرض المفرط للمحتوى التافه على العقل البشري، ووفقاً لتعريف أوكسفورد فمصطلح «تعفن الدماغ» يشير إلى التدهور العقلي أو الفكري الناتج عن الاستهلاك المفرط لمحتوى الإنترنت التافه.

التفكير النقدي: ضحية الهجوم السريع

المحتوى التافه، في جوهره هو ذلك الذي لا يقدم أي قيمة معرفية أو فكرية حقيقية، ويكتفي بإثارة الضحك أو التنقل بين المواضيع المتعددة دون أن تترك فينا شيئًا ذا معنى.

وعندما نغرق في بحر من المنشورات السطحية والتعليقات الجاهزة، ننسى كيف نقيّم المعلومات بشكل نقدي، ويصبح العقل عالقاً في فخ التحفيز اللحظي، عاجزاً عن تحليل المعلومات.

ويشير علماء النفس إلى أن الاستهلاك المفرط لهذا النوع من المحتوى يعطل مناطق الدماغ المسؤولة عن التفكير النقدي واتخاذ القرارات المعقدة.

إدمان اللذة السريعة... كيف يتجمد العقل؟

اعتدنا بفعل مواقع التواصل الاجتماعي على المتعة السريعة من خلال مقاطع الفيديو التي تستغرق بضع ثوانٍ فقط، الأخبار المثيرة التي تصدمنا ثم تختفي.

وأظهرت الدراسات بأن الدماغ يفرز كميات كبيرة من «الدوبامين» عند استهلاك المحتوى المثير أو الساخر، مما يسبب شعوراً باللذة المؤقتة.

ومع مرور الوقت، يصبح الدماغ مدمناً على هذا النوع من التحفيز الذي لا يضيف شيئاً سوى التسلية العابرة.

هذا الإدمان على اللذة السريعة يجعلنا نبتعد عن التحديات العقلية التي تتطلب جهداً عقلياً طويلاً، مثل القراءة العميقة أو التفكير النقدي.

هل ما زلنا نمتلك القدرة على النجاة؟

إذا كان دماغ الإنسان هو أكثر الأعضاء تطوراً في الجسم، فإنه بحاجة إلى العناية والتغذية المستمرة لكي يبقى في حالة من الحيوية والانتعاش.

مثلما يحتاج الجسم إلى الطعام الجيد ليتقوى، يحتاج العقل إلى الأفكار العميقة والمحتوى الذي يحفزه على النمو.

وفي مواجهة سيل المحتوى تصبح مسؤوليتنا أكبر في تحديد ما نستهلكه، والبحث عن المعرفة التي تثري عقولنا.

إن لم ننتبه، فإن عقلنا قد يمر بعملية «تعفن» بطيئة، ولكنها مستمرة، يتحول فيها العقل من أداة فكرية حية إلى مجرد آلة تبحث عن اللذة السريعة دون أن تحقق أي قيمة حقيقية.

وإذا أردنا النجاة، يجب أن نعود إلى عمق الأشياء، إلى ما يستحق أن نتفكر فيه، وأن نغذي عقولنا بما يجعلنا أكثر وعياً، أكثر فهماً، وأكثر قدرة على التفاعل مع العالم بصدق وإبداع