يشهد الاقتصاد الإسلامي في دول مجلس التعاون الخليجي نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خاصة وأن تلك المنطقة تُعد من أكثر المناطق تبنياً للمبادئ المالية الإسلامية. ومع ذلك، فإن قابلية تطبيق هذا النظام الاقتصادي بشكل كامل تطرح عدة تساؤلات حول مدى مواءمته للتحديات الاقتصادية المعاصرة، مثل العولمة، والتنويع الاقتصادي، والابتكار المالي. وهنا يبرز السؤال الأهم: هل يمكن للاقتصاد الإسلامي أن يكون نموذجاً ناجحاً في دول الخليج، أو حتى في دول عربية وإسلامية أو غير إسلامية أخرى؟

هذا هو الطرح الأبرز الذي انشغل به منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي منذ نحو خمسة عقود، وعقد من أجله العديد من الندوات واللقاءات والدراسات والبحوث، منذ انطلق في المدينة المنورة عام 1981م وحتى فعاليته الأخيرة «القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي» التي نظمها قبل أيام في إسطنبول بتركيا، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس المنتدى رجل الأعمال السعودي عبدالله صالح كامل، ونخبة من صناع القرار، وقادة الفكر الاقتصادي والشخصيات الفكرية والاقتصادية من مختلف دول العالم.

والحقيقة أن أبرز ما لفت انتباهي فيما قيل في فعاليات القمة، هو ما ورد على لسان رئيس مجلس أمناء منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، عبد الله صالح كامل، حين قال إن «المنطقة العربية تشهد اليوم حراكاً متسارعاً تقوده عدة عواصم بارزة مثل الرياض وأبوظبي والدوحة، مما يعزز من تموضع المنطقة كمركز مؤثر في الاقتصاد العالمي الجديد، مشيراً إلى أن الاقتصاد الإسلامي يقدم إطاراً متكاملاً يمكن تطبيقه بمرونة، لا سيما في الدول التي تشهد نضجاً مؤسساتياً وقدرة على المبادرة، كما هو الحال في عدد من العواصم الخليجية».

وفي نظرة سريعة على اقتصادات دول الخليج فسوف نجد أن كثيراً منها مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، قد نجح في تطوير قطاعات مالية إسلامية قوية، حيث تحتل المصارف الإسلامية حصة كبيرة من السوق المالي؛ فالسعودية على سبيل المثال، تُعد من أكبر أسواق التمويل الإسلامي في العالم، بينما تبرز دبي أيضاً في هذا المجال عبر إطلاقها «مركز دبي للاقتصاد الإسلامي»، كما أن الصكوك (السندات) الإسلامية أصبحت أداة تمويلية مهمة للحكومات الخليجية.

والحقيقة أن الاقتصاد الإسلامي يتميز بعدة مبادئ أساسية ترتكز على البعد الأخلاقي والإنساني ومراعاة العدالة الاجتماعية، وهو ما يجعله قابلاً للتطبيق في منطقة الخليج العربي، لكن نجاحه يتطلب معالجة التحديات الهيكلية والتنظيمية التي تمكّنها من أن تصبح نموذجاً عالمياً للاقتصاد الإسلامي الحديث، الذي يجمع بين الأصالة الدينية والمتطلبات العصرية للاقتصاد.