حدثني أحد الزملاء أنه وخلال فترة استيراد الذبائح الحية من أستراليا، كان من المعتاد أن يرافق الشحنات عدد من النشطاء في الدفاع عن حقوق الحيوان، من أجل ضمان أن تتم معاملة الخرفان بصورة جيدة.
يقول زميلي؛ في أحد الأعوام قررت أن أشتري خروفاً أسترالياً حياً كأضحية، وأن أقوم بذبحه في المنزل، فتوجهت إلى منطقة الحظائر في سترة، وعثرت على خروف تتوفر فيه كل المواصفات، وبعد أن دفعت الثمن، سحبته لأضعه في سيارتي (سوبار فان)، إلا أنني تفاجأت باعتراض إحدى المسؤولات عن حماية حقوق الحيوان، موضحة أنه يجب أن تكون السيارة التي تنقل الخراف مفتوحة.
ويضيف؛ بعد شد وجذب معها، شرحت لها أنني سأضع الخروف في سيارة مغطاة ومكيفة، حرصاً على راحته، لكنها أصرت على موقفها، مما اضطرني إلى دفع دينار لصاحب (بكب) ليقوم بنقل الخروف مع غيره من الخراف، وتسليمها لأصحابها بعد البوابة الرئيسية.
تذكرت هذه المحادثة، وأنا أشاهد عشرات الفيديوهات التي توثق الأضحية في مختلف دول العالم، وكيف يتم التعامل معها، في الأغلب، بروح من الإنسانية والرحمة، كما أوصانا ديننا الحنيف، مع بعض الاستثناءات المؤسفة هنا وهناك، وهو ما يجعلنا ندرك أننا لسنا بحاجة لمن يعلمنا كيف نعامل الأضحية، فالإحسان إليها هو من صميم تعاليم الإسلام.
رغم أن النصوص الدينية واضحة في الدعوة إلى الرحمة، إلا أن التطبيق الواقعي أحياناً يشهد تجاوزات، سواء من حيث طرق النقل أو الذبح أو حتى التعامل مع الأضحية قبل وأثناء وبعد النحر، وهنا تأتي أهمية الوعي المجتمعي، وأهمية تنظيم الجهات الرسمية لهذه العملية بما يحفظ كرامة الشعيرة، ويضمن حسن معاملة الحيوان.
في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل الجهود التي يبذلها الكثيرون في الحفاظ على هذه الروح الإنسانية. من اختيار الأضحية بعناية، إلى توفير الراحة لها، وصولاً إلى الذبح السريع والرحيم. وفي هذا السياق، نرى أن المسلمين يملكون رصيداً روحياً وأخلاقياً عظيماً يجعلهم أقدر الناس على احترام الأضاحي، دون الحاجة إلى ضغوط من خارج ثقافتهم ودينهم.
الأضحية في جوهرها درس في الطاعة والرحمة والكرم، وهي فرصة سنوية لتجديد النية، وتعميق الإحساس بالآخرين، وتقدير النعم. ومع كل تكبيرة تقال، وكل سكين تحد، وكل دم يراق في سبيل الله، هناك دعوة لأنسنة الشعائر والعودة إلى الروح النقية للإسلام.
فما أحوجنا في هذا الزمن إلى أن نحيي شعائرنا بإحسان، وأن نذكر أنفسنا أن ديننا لم يأت فقط ليضبط العلاقة بين الإنسان وربه، بل بينه وبين كل مخلوق.
وكل عام وأنتم بألف خير، وتقبل الله منكم طاعاتكم وقرباتكم..