قبل أيام، كنت جالساً في أحد المقاهي البحرينية الأصيلة، أرتشف استكانة شاي أحمر، وأتابع شاباً يحاول بيأس التقاط إشارة الواي فاي من الركن البعيد، رافعاً هاتفه كمن يحاول اصطياد حمام زاجل تائه. نظرت إليه مبتسماً، وتساءلت في نفسي: «هذه حالنا مع الواي فاي اليوم، فكيف ستكون حالنا إذا وصل إلينا ما يُعرف «بـ«الإنترنت الحسي (Internet of Senses)»؟».

الحقيقة أن مجرد التفكير في هذه الفكرة يثير الضحك أكثر من متابعة مسلسل «طفاش». تخيل، عزيزي القارئ، أنك تفتح هاتفك في المستقبل وتدخل إلى تطبيق إنستغرام وترى صورة طبق شهي من المجبوس، فتشعر برائحته عبر الشاشة! إن كنا الآن نشعر بالجوع لمجرد رؤية الصورة، فماذا سنفعل إذا بدأت الشاشات تبث الروائح إلينا مباشرة؟ لا شك أن محبي الأنظمة الغذائية الصحية سيرفعون دعاوى تعويض ضد أصحاب الحسابات التي سببت لهم أضرارًا نفسية ورائحة طعام لا يمكن مقاومتها.

الأدهى والأكثر غرابة أن نصل لمرحلة «اللمس الافتراضي». تخيل أنك تجلس في اجتماع افتراضي عبر الإنترنت، ويقرر مديرك مصافحتك عن بُعد. بدلًا من المصافحة التقليدية، سترتدي قفازات ذكية تنقل لك الإحساس بيد المدير. المشكلة تحدث إذا كان مديرك غاضبًا بعض الشيء، وضغط على يدك بقوة، فكيف ستفسّر لأفراد أسرتك سبب ألمك وصراخك أمام شاشة الكمبيوتر؟

الأهم من هذا كله، أن الإنترنت الحسي يحتاج إلى شبكة فائقة السرعة والاستقرار، وليست شبكتنا التي تفاجئنا أحيانًا بالانقطاع أثناء مشاهدة مباراة مهمة أو أثناء تقديم عرض تقديمي للعمل عن بُعد. بصراحة، إذا أردنا تطبيق هذه التكنولوجيا فعلًا، فقد نحتاج إلى مهندس متخصص ليقف باستمرار بجانب جهاز توزيع الإنترنت ليضمن أن السرعة لن تتراجع فجأة دون سابق إنذار، فيحوّل تجربة حسية مذهلة إلى لحظة إحباط لا تُنسى!

الإنترنت الحسي هو مفهوم مستقبلي طموح يشير إلى الجيل القادم من تجارب الإنترنت، حيث تنخرط الحواس البشرية الخمس وربما المشاعر أيضًا في التفاعل الرقمي. اليوم يقتصر تواصلنا عبر الإنترنت على حاستي النظر والسمع، لكن الإنترنت الحسي يطمح لإضافة حاسة اللمس والشم والتذوق إلى التجربة الرقمية، بحيث تندمج العوالم الافتراضية مع الواقع بشكل لا يكاد يمكن تمييزه.

عالميًا، لا يزال الإنترنت الحسي في مرحلة التجارب الأولية، وقد توقعت شركة «إريكسون» ظهوره ضمن تقنيات الجيل السادس (6G) بحلول 2030. ومن التجارب الغريبة قيام باحثين من جامعة طوكيو بتطوير شاشة يمكن لعقها لتشعر بنكهة الطعام المعروض، ولا أعتقد أن أيًا منا مستعد لأن يراه الناس وهو يلعق هاتفه في المقهى أو المكتب!

لكن في واقعنا المحلي، لا نزال نكافح لإقناع بعض الجهات بأن البريد الإلكتروني أكثر كفاءة من الأوراق المطبوعة، وأن الخدمات الرقمية تختصر علينا الوقوف في الطوابير تحت أشعة الشمس. قبل أن نحلم بإنترنت ينقل لنا روائح الطعام، أتمنى أن نتمكن من تثبيت إشارة الواي فاي، حتى لا نضطر إلى تعليق الهواتف على النوافذ كما كنا نفعل مع أطباق استقبال القنوات الفضائية «الدش» في تسعينيات القرن الماضي.

ولعل المستقبل يحمل مفاجآت طريفة، كتطبيقات ترسل لنا طعامًا افتراضيًا يحتاج إلى «مضاد فيروسات» من نوع جديد تحمينا من أكلات رقمية منتهية الصلاحية! وحتى ذلك الحين، لنستمتع بإنترنتنا الحالي رغم تقلباته.

* خبير تقني