ونحن الخليجيون أكثر تماسكاً وأكثر أمناً واستقراراً، ومجلسنا الأكثر ثباتاً وقدرة على التماسك في ظل ما مرت به المنطقة من زلازل سياسية وأمنية.
وبالرغم أن اتفاقاً لوقف إطلاق النار حصل بين إسرائيل وإيران، إلا أن انقشاع الغبار كاملاً عن الاثنين لم ينتهِ بعد، وآثار ما حصل في المنطقة كلها من بعد السابع من أكتوبر 2023 إلى اليوم لم يُقَس بدقة في الدولتين اللتين تراشقتا، ولم نرَ الآثار المتبقية والناجمة والنتائج على حقيقتها بعد.
وبالرغم من تسرع الاثنين (إيران وإسرائيل) وخاصة أتباع إيران والحالمين والمؤمنين بها بإعلان كل منهما الانتصار، وبالرغم من أن إيران وأتباعها على وجه الخصوص أعلنوا فشل العالم كله في مواجهة إيران، بل إن البعض تسرع بإعلان ولادة الجمهورية الخمينية الثانية، إلا أن ما حدث للاثنين زلزال لم يواجهاه قط حتى في الحرب العراقية الإيرانية، لم يجرِ لإيران ما جرى الآن لن تظهر آثاره بوقف الرمي، بل إن ارتدادات الزلزال الذي حدث ستبدأ الآن عند الاثنين وفي الداخل لا في الخارج فحسب.
الشرق الأوسط كله تغير نتيجة الصراع الإسرائيلي الإيراني وما حدث منذ السابع من أكتوبر إلى اليوم هو نتيجة صراع هاتين الدولتين على النفوذ في المنطقة، في غزة ولبنان وسوريا واليمن والعراق كله كان صراعاً إسرائيلياً إيرانياً صرفاً وخالصاً، لم يشترك فلسطينيو القطاع في هذه الحرب، فليست الحرب كانت فلسطينية إسرائيلية، بل حمساوية إسرائيلية بدعم إيراني لحماس، وهكذا كان في لبنان وهكذا كان في سوريا؛ وهكذا كان في اليمن وحين لم يفلح الاثنان في حسم المعركة عبر الوكلاء تواجه الاثنان وجهاً لوجه 12 يوماً مباشرة حتى جاءهم ترامب، وقال للاثنين (انضبوا) على رأي اللبنانيين.
نهاية المعركة المباشرة كانت خاتمتها في قطر وبترتيب من الأطراف الأربعة، وبقيت بؤر الصراع الأخرى دون حسم نهائي (لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة) على (الهولد) حتى اليوم بانتظار ما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة.
دعونا من التسميات انتصاراً أو انهزاماً، ولنرَ ما ستسفر عنه الأيام من أثر لما حصل وهي التي ستحدد الموقف الحقيقي والنتيجة النهائية.
هل ستنجح لبنان في تثبيت نظام الدولة الوطنية وسحب السلاح واحتفاظها وحدها بحق امتلاكه؟
هل ستنجح سوريا بالتخلص من التدخلات الإيرانية والتركية والإسرائيلية، وتثبت الدولة الوطنية؟
هل ستولد الدولة الوطنية الفلسطينية موحدة بين القطاع وغزة؟
هل ستنجح العراق في سحب السلاح من الحشد وتعزيز الدولة الوطنية؟
واليمن هل سيعود دولة؟
تلك هي مؤشرات نجاح أو فشل «المشروع الإيراني» تلك هي انتصارات أو هزائم إيران في منطقتنا.
مشروعها الذي تعرض لضربات موجعة يفوق آثارها إثر ما حدث في الداخل للدولة الإيرانية، فتلك دولة كانت قائمة بنيوياً على فكرة تصدير الثورة وهذا المشروع الذي بدأته منذ اليوم الأول لوصول الخميني إلى طهران، واليوم تحطم بفعل الصراع مع إسرائيل بعد أن تعدت إيران خطوطها الحمراء.
هذا مؤشر أول لقياس تبعات ما حصل، المؤشر الثاني هو ما سيحدث في داخل الدولتين ومن المبكر جداً الحكم على ما سيحصل، هل سيبقى النظامان، الملالي الإيراني واليمين الإسرائيلي؟ أم أن ثورة أو انقلاباً على الاثنين سيزيحانهما؟
ما حجم أثر ما حدث على النظامين لا على البنية التحتية والبنايات، بل على النظام الحاكم عند الاثنين هنا المحك.
الأهم من هذا كله بعد انقشاع الغبار أن الثابت من هذا الصراع بين الاثنين (إسرائيل وإيران) هو قوة وتماسك دول مجلس التعاون التي حمت نفسها من هذا الصراع بحكم قياداتها، بالرغم من أن الحرب بين الاثنين جرت على حدودها وبالقرب منها وبالرغم من وجود من هم ليسوا على الحياد بين ظهرانينا.
هذا هو الثابت الذي لا يمكن أن يجادل به أحد، أما بقية ميادين المعركة سواء داخل أو خارج إيران وإسرائيل، فمن المبكر جداً الحكم على حجم الآثار عليهما بعيداً عن التقسيمات السطحية بين انتصار أو هزيمة.
تمسكنا وثباتنا كدول خليجية نعمة من الله وفضل منه بما سخر لنا من قيادات وبما سخر لهم من ولاء وإخلاص لشعوبهم ولبيعتهم، فلنعرف قيمة ما نملك.
فقط ملاحظة وتذكير قد لا يعني شيئاً وقد يعني الكثير.
انتهت الدولة الفاطمية عام 567 هـ (1171م).
والدولة الصفوية في إيران انتهت 1736م.
ثم جاء الخميني، وأسس الدولة الثالثة وهي اليوم تتعرض للتحجيم وحصرها في إيران، والشعب الإيراني يموج غضباً على النظام بثورات متعددة الألوان فحتى الإيرانيين لم يقولوا بالجمهورية الثانية كما يقول به أتباعها.. إنما وفي كل الأحوال ستبدي لنا الأيام مصيرها فلا نستبق الأحداث.