بين الأمومة والريادة، ثمّة قلبٌ يُدير النبض بين البيت والعمل، تمضي بثقة بين أدوارها المتعددة.. تُربّي وتُعطي وتُضحّي وتؤمن في الوقت ذاته أن الطموح لا يتناقض مع رسالتها الأسرية متى ما تهيأت لها الفرص والتسهيلات. إنها ليست نصف المجتمع كما هو شائع، بل ركيزته الفكرية والعاطفية، ومركز استقرار الأسرة، ومصدر الإبداع في العمل. ورغم تسارع الحياة وتعدّد المسؤوليات، تواصل مسيرتها بثبات، تُنجز بصمت، وتُعطي بلا كلل، وتسعى بكل همة لتحقيق التوازن بين مسؤولياتها الأسرية والتزاماتها العملية. إنها المرأة البحرينية.. رمز الوعي، والشريك الأصيل في البناء والتنمية، فبعطائها وجدارتها، تكتب المرأة البحرينية فصول نهضة وطنها، وتُرسّخ بأفعالها معاني العزيمة والتفاني.وقد تبنّى المجلس الأعلى للمرأة هذا الدور الحيوي برؤية طموحة تقودها صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة جلالة الملك المعظم، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، حفظها الله، بما تمثّله من دعم أساسي ومصدر إلهام مستمر للمرأة البحرينية على مختلف الأصعدة، وبما يواكب تطلعات التنمية المستدامة في مملكة البحرين. وقد جاءت السياسات والتشريعات الوطنية لتُعزّز هذا التوجّه، ورغم أهمية هذه السياسات والتشريعات، فإن تحقيق الأثر الكامل يتطلّب تكاملاً مع وعي مجتمعي واسع، وتعاون حقيقي من الأسرة.وهنا يتجلّى الدور الحيوي للرجل كشريك حياة فاعلٍ ومسؤولٍ عن أسرته، فالزوجة تحتاج إلى دعم مستمر من خلال تفهمه لأعبائها اليومية المتعددة، وهو ما يُسهم في تخفيف الضغوط النفسية والجسدية عنها، ويعزّز بيئة أسرية مستقرة تمنحها القوة لمواصلة عطائها المهني والأُسري بثبات وتوازن.وفي هذا السياق، نثمّن كل شراكة واعية بين زوجين يُساندان بعضهما بتقدير واحترام، فالرجل ركيزة محورية في مسيرة الاستقرار الأسري، ودعمه للمرأة يُعدّ بصمة أصيلة في توازن الأسرة والمجتمع. وكم من نماذج مشرّفة سطّرها رجال آمنوا بأن العطاء لا يُنقِص من مكانتهم، بل يسمو بهم نحو حياة أكثر اتزاناً وسكينة.وقد أثبتت العديد من الدراسات أهمية هذه العلاقة التبادلية. في دراسة عالمية حديثة نُشرت في العام 2025 في مجلة JAMA Network Open بالتعاون مع Mayo Clinic أكدت أن الدعم المتبادل بين الزوجين يخفّف من الإجهاد النفسي، ويزيد من الرضا عن الحياة. كما أظهرت دراسات خليجية أُجريت في جامعة الملك سعود وجامعة الإمارات (2019–2022) أن الدعم النفسي والعملي من الزوج يُخفف من ضغوط المرأة العاملة، ويرفع من جودة حياتها.أما محلياً، فقد أكد تقرير المجلس الأعلى للمرأة (2023) بعنوان «تمكين المرأة في البحرين: التوازن بين العمل والأسرة» على الدور المحوري للدعم الأسري، ولاسيما دعم الزوج، في تعزيز استقرار المرأة العاملة وزيادة إنتاجيتها.ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية تعزيز الشراكة الأسرية الحقيقية، التي تُسهم بالتعاون مع المؤسسات الحكومية في تهيئة بيئة داعمة للمرأة، ورفع الوعي المجتمعي بأهمية تكامل الأدوار داخل الأسرة.ومن خلال ما سبق، تبرز الحاجة لإطلاق مبادرة وطنية مستلهمة من توصيات المجلس الأعلى للمرأة عبر تبنّي إجراء دراسة وطنية تُفعّل من خلال ورش عمل تحفيزية «داخل وزارات الدولة وهيئاتها». كما وتبرز الحاجة إلى هذه الدراسة نظراً للارتباط الوثيق بين الاستقرار الأسري والوظيفي، وتأثيره المباشر على الأداء والإنتاجية وجودة الحياة الوظيفية، ورفع وعي الموظفين والموظفات بأدوارهم الأُسرية، وتعزيز ثقافة التفاهم والشراكة داخل الأُسرة، بما ينعكس إيجاباً على الصحة النفسية والاستقرار الوظيفي.ويمكن أن تتكامل هذه الجهود مع أدوار لجان تكافؤ الفرص في الجهات الحكومية، التي تسعى إلى دعم التوازن بين الحياة المهنية والأُسرية للجميع، في إطار مؤسسي يوفر بيئة عملية واقعية، تُفضي إلى توصيات قابلة للتنفيذ، تُعزّز الانتماء والاستقرار الاجتماعي. ونودّ الإشارة إلى أهمية الاستناد إلى البحث العلمي المُحكَّم باعتباره ركيزةً أساسيةً تُسهم في وضع سياسات واستراتيجيات مستقبلية متكاملة تراعي احتياجات الأُسرة والمرأة وتواكب متغيّرات العصر.وختاماً، نوجّه جزيل الشكر لكافة الجهات والمؤسسات الوطنية على مساعيها المباركة في دعم وتمكين المرأة، وتعزيز ثقافة التوازن المجتمعي والشراكة الفاعلة، فالتكامل بين دور المرأة المهني والأسري لا يتحقّق إلا من خلال دعم مؤسسي واعٍ، وشراكة أسرية متفهمة، ومبادرات مجتمعية تواكب التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية، بما يضمن بيئة أكثر استقراراً وعدالةً للجميع.
المرأة في قلب العطاء.. والرجل حضورٌ يُعزّز الاستقرار
عائشة محمد العباسي
عائشة محمد العباسي