في الثالث من يونيو، وقف سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة أمام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، ليؤدي القسم وزيراً لديوان رئيس مجلس الوزراء، وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، كانت تلك اللحظة تعبيراً عن ثقة ملكية سامية بشاب أثبت جدارته في مواقع متعددة، وثقةً بأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى روح قيادية تتحرك بخفة بين الملفات، وتضع المواطن في صدارة الأولويات.
خلال أسابيع قليلة، ظهر بوضوح أن طريقة العمل الميداني هي العنوان الأبرز لهذه القيادة، زيارات متتالية إلى وزارات «الصحة»، و«التربية والتعليم»، و«العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف»، و«الإسكان والتخطيط العمراني»، بحضور الوزراء والمسؤولين، رسخت قناعة أن الملفات الخدمية يجب أن تُتابَع في مواقعها الطبيعية، حيث المشاريع والكوادر والجمهور المستفيد، في وزارة الصحة، ووزارة التربية والتعليم، دار التركيز حول جودة الخدمات والبرامج التعليمية والصحية، أما في وزارتي «العدل» و«الإسكان»، كانت الأولوية لتسريع إنجاز المعاملات العدلية وتطوير المساجد، مع متابعة المشاريع الإسكانية التي تمثل ركيزة أساسية في استقرار الأسرة البحرينية.
المتابع يدرك أن هذا الأسلوب ليس نشاطاً بروتوكولياً جديداً على سموه، إنما تأتي هذه المسيرة امتداداً لما سبق المنصب الوزاري، في تمكين، حيث يرأس سموه مجلس الإدارة، تحققت إنجازات ملموسة بالأرقام، ففي الربع الأول من هذا العام، أُطلقت مبادرة لتدريب خمسين ألف بحريني على مهارات الذكاء الاصطناعي، وهو رقم يعكس استشرافاً لمتطلبات سوق العمل الجديد، وفي نهاية العام الماضي، تجاوز عدد المستفيدين من برامج تمكين واحداً وأربعين ألف مواطن، وهو دليل أن البرامج تتحرك في المسار الصحيح، وتستجيب لحاجات حقيقية لا افتراضية، وقد سبق أن تطرقت لإنجازات «تمكين» في عهد سموه في عمود سابق.
إلى جانب ذلك، برز دور سموه في نادي راشد للفروسية وسباق الخيل، حيث حمل النادي مسؤولية مضاعفة: تطوير رياضة الفروسية باعتبارها جزءاً من الهوية البحرينية، وفي الوقت ذاته تحويله إلى مركز متكامل للأنشطة الرياضية والاقتصادية، فالإعلان عن مشروع ملعب جولف عالمي، وتوقيع اتفاقية تعاون مع النجم الإسباني سيرخيو غارسيا، يوضح أن الرياضة هنا تتجاوز كونها هواية جانبية، بل هي منصة اقتصادية وسياحية تسهم في تعزيز مكانة البحرين كوجهة دولية للبطولات والفعاليات الكبرى.
هذه الأدوار المختلفة تتقاطع عند نقطة واحدة: القناعة بأن خدمة المواطن تبدأ من الإنجاز الملموس، وأن الإدارة الناجحة تُقاس بنتائجها، ذكرتني هذه التحركات بمعايير القائد الناجح التي تطرق لها الدكتور غازي القصيبي في كتابه حياة في الإدارة، وهي فكرة أن المدير الناجح هو الذي لا يعيش في برجٍ عاجٍ، وإنما ينزل إلى الميدان، يسمع ويعايش، ويرى بعينيه قبل أن يحكم بعقله.
هذه الفكرة تضع إطاراً دقيقاً للنهج الذي يتبعه سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة اليوم، فالنزول إلى الميدان نشاط عملي لفهم الواقع بشكل مباشر، ولصياغة القرار على أساس تجربة حيّة، بعيداً عن التقارير المكتوبة، والزيارات المرتبة.
وإذا كان الجيل السابق من القادة قد رسخ فكرة أن البحرين دولة قريبة من مواطنيها، فإن هذا الجيل يجدد الالتزام بنفس النهج بأدوات أكثر عصرية، الإرث واضح من الجد والأب: حضور بين الناس، متابعة شخصية، ورؤية تجعل الوطن في المقدمة، والجديد اليوم هو أن الآليات باتت أكثر وضوحاً: خطط، مؤشرات، أرقام، نتائج تقاس، ومسارات متابعة دقيقة.
شخصية سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة القيادية تتضح في ثلاثة عناصر أساسية: القرب من المواطن من خلال المتابعة المباشرة، اعتماد مؤشرات الأداء التي تعطي العمل الحكومي طابعاً مؤسسياً، والقدرة على ربط الداخل بالخارج عبر استقبال السفراء وتعزيز الشراكات الدولية، وهذه العناصر ترسم صورة قائد يوازن بين المحلي والعالمي، ويجمع بين إرث جده ووالده وأدوات العصر التي تعتمد على الخطط والأرقام وقياس النتائج.
من تجربته العسكرية الأولى، إلى متابعته الميدانية في الوزارات، وصولاً إلى قيادة برامج «تمكين» ورئاسته لنادي راشد للفروسية، تتكشف خيوط متصلة لشاب يسير بثقة على خطى والده وجده، ويؤكد أن خدمة الوطن مسؤولية يومية تتجدد مع كل خطوة وكل قرار.